وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

إيران ترفع وطأة الضغوطات على المدافعين عن حقوق الإنسان

Iran- Nasrin Sotoudeh
أشخاص يجتمعون خارج السفارة الإيرانية في فرنسا في 13 يونيو 2019 لدعم محامية حقوق الإنسان الإيرانية نسرين ستوده والمطالبة بإطلاق سراحها. Photo: FRANCOIS GUILLOT / AFP

منذ بداية عام 2018، قُبض على العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان، بمن فيهم المدافعون عن حقوق المرأة ومحامو حقوق الإنسان، في إيران لمجرد قيامهم بعملهم وغالباً ما صدرت بحقهم أحكامٌ أشد من أي وقتٍ مضى.

فقد ركز تقرير نشر في 20 أغسطس من قِبل مرصد حماية المدافعين عن حقوق الإنسان (البرنامج المشترك بين الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب) على تحليل 28 حالة فردية للمدافعين عن حقوق الإنسان، 15 منهم من النساء و13 محامياً. ووجد التقرير أن 13 من أصل 28 محتجزون حالياً و15 منهم معرضون لخطر إعادة التوقيف الوشيك. وتشمل الحالات قضايا النشطاء والمحامين المعروفين نسرين ستوده ورضا خاندان ومحمد نجفي. حمل التقرير عنوان “ما لا يمكن الدفاع عنه: التجريم الممنهج للمدافعين عن حقوق الإنسان في إيران،” ويوثق كيف تعرض المدافعون عن حقوق الإنسان، بمن فيهم محامو حقوق الإنسان، للاعتقال المتكرر دون توجيه أي تهم، واحتجازهم لفترةٍ طويلة قبل المحاكمة دون الحصول على تمثيل قانوني من اختيارهم، والحكم عليهم بالسجن لفتراتٍ طويلة بتهمٍ غامضة في أعقاب محاكمات جائرة، وسجنهم في ظروفٍ سيئة.

فعلى سبيل المثال، بلغ إجمالي عقوبة نسرين ستوده 38 عاماً في السجن و148 جلدة – وفقاً للسلطات الإيرانية – بتهم التجسس ونشر الأكاذيب وإهانة المرشد الأعلى الإيراني. في حقيقة الأمر، كانت ببساطة تدافع عن موكليها: النساء اللائي احتجنّ على قانون اللباس الإلزامي من خلال خلع الحجاب في الأماكن العامة في عام 2018، التصرف الذي تساويه السلطات الإيرانية بالخيانة. فقد كانت ستوده معروفة بالفعل بتمثيل نشطاء المعارضة والسياسيين المسجونين عقب الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في يونيو 2009، وكذلك السجناء المحكوم عليهم بالإعدام بسبب جرائم ارتكبوها عندما كانوا قاصرين. وفي عام 2019، حُكم على زوجها رضا خاندان بالسجن لمدة ست سنوات ومنع من مغادرة إيران أو الانخراط في أنشطةٍ عبر الإنترنت لمدة عامين بسبب الاحتجاج السلمي على قانون الحجاب الإلزامي في البلاد، ويرجع ذلك جزئياً لامتلاكه دبابيس كتب عليها “أنا ضد الحجاب القسري.” خرج خاندان بكفالةٍ منذ يناير 2019.

وبالمثل، حُكم على محمد نجفي بالسجن لمدة 19 عاماً بتهمة “إزعاج الرأي العام” في أعقاب نشره رسالةً على الفيسبوك في 8 سبتمبر 2018، ينتقد فيها المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، بقوله، “السيد خامنئي! جيلنا محطم تحت قدميك المحترقتين! أيامنا سوداء مثل عمامتك. توقف عن التدخل في شؤون البلدان المجاورة. لا تنفق مواردنا على أيديولوجياتك الشيعية. لدينا ما يكفي من المشاكل داخل البلاد بسبب الرشوة والفساد. لا تحاول الضغط على قادة العالم. لقد توقف بنا الزمن منذ 40 عاماً ونقاتل العالم في أوقاتٍ حساسة بينما لا يستطيع الكثير من فقرائنا كساء أنفسهم أو شراء الخبز.”

“لقد لاحظنا، خاصةً على مدار العامين الماضيين، أن أعضاء المجتمع المدني في إيران يواجهون اضطهاداً دائماً،” قال رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، كريم لاهيجي، لفَنَك في 27 أغسطس 2019. وأضاف “أنا أفكر في تسعة عمّال من مصنع قصب السكر الذين طالبوا بحقوقهم وراتبهم، [بدلاً من ذلك] حكم عليهم بالسجن والجلد. جميع فئات المجتمع مستهدفة؛ يكفي أن تطالب بحقٍ ما أو تحتج أو تتظاهر. ما تغير هو أن مستوى القمع والعقاب لهؤلاء الناس الآن مرتفع للغاية.”

يُمنع المدافعون عن حقوق الإنسان الذين يُقبض عليهم بموجب “تهم تهدد الأمن القومي” من الاتصال بمحامٍ من اختيارهم، لا سيما أثناء عملية التحقيق. فقد صدرت عليهم أحكامٌ بالسجن لمدة تصل إلى 15 عاماً بتهمةٍ واحدة بعد محاكماتٍ جائرة في المحاكم الثورية الإسلامية في إيران. كما يُحتجز معظم المدافعين عن حقوق الإنسان الذين ترد تفاصيل حالاتهم في تقرير المرصد في سجن إيفين بطهران، والمعروف بالاكتظاظ الشديد والظروف غير الصحية، إذ يُحتجزون في الحبس الانفرادي لفتراتٍ طويلة من الزمن، ويُحرمون من الرعاية الطبية الأساسية، وغالباً ما يُحرمون من زيارة أسرهم أو محاميهم.

يتم التعامل مع “النشاط السلمي لحقوق الإنسان في البلاد باعتباره جريمة تمس الأمن القومي في إيران كما يتضح من الحالات الموثقة للسجناء وسجناء الرأي الذين يقضون فترات سجنٍ طويلة بعد محاكمتهم في محاكماتٍ تفتقر إلى الإجراءات القانونية الواجبة، مثل نرجس محمدي وآرش صادقي وإسماعيل عبدي،” بحسب ما قالته ياسمين رمزي، مديرة الاتصالات في مركز حقوق الإنسان في إيران، لفَنَك في 28 أغسطس. وأضافت، “ففي العامين الماضيين، كانت السلطة القضائية والمؤسسات الأمنية الإيرانية تحاول أيضاً قطع شريان الحياة الوحيد لهؤلاء السجناء السياسيين: محامي الدفاع. واليوم، يوجد ثلاثة محامين على الأقل ممن نظروا في القضايا المدنية وقضايا حقوق الإنسان خلف القضبان في إيران، إذ تزج إيران بهؤلاء المحامين خلف القضبان لقيامهم بوظائفهم وحرمان أولئك المستهدفين من قبل الدولة من الاستعانة بمحاميهم المختارين في محاولةٍ لقمع المعارضين.” بل يتعبر نزع الحجاب في الأماكن العامة الآن جريمة أمنٍ وطني، فضلاً عن الدفاع عن النساء اللواتي يفعلن ذلك، كما هو الحال في قضية نسرين ستوده.

وأضافت رمزي “الحكومة الإيرانية، وخاصة القضاء، حساسة للغاية تجاه النشاط العام الذي ينتقد سياسات الحكومة.” وتابعت القول “تعمل السلطة القضائية والمؤسسات الأمنية سوياً على تكميم أفواه الناشطين من خلال جعل تكلفة أعمالهم السلمية مرتفعة للغاية. ومع ذلك، تتجاهل الحكومة الواقع المتنامي على الأرض، [وهو] أن غالبية الشعب الإيراني لا يدعمون السياسات القمعية.” تسعى الحكومة إلى القيام بذلك عن طريق إسكات الأشخاص القادرين على الدفاع عن المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين، كما لو كان بقية السكان ليس لديهم خيار آخر سوى التوقف عن محاولة التحدث علانية. وكما قالت منصورة ميلز، الباحثة الإيرانية في منظمة العفو الدولية لنا في فَنَك في 28 أغسطس: “يتحدث المحامون عندما يتعذر على موكليهم ذلك، لذا غالباً ما تستهدفهم السلطات لإسكاتهم.” وأضافت “لهذا السبب، يُنظر إلى محامي حقوق الإنسان على أنهم تهديدٌ تسعى السلطات باستمرار إلى قمعه.”

لربما تقوم الحكومة بذلك من أجل ضمان بقائها في أعقاب موجةٍ من الاحتجاجات اجتاحت أكثر من مائة مدينة إيرانية في عامي 2017 و2018 بسبب ضعف الاقتصاد والقوانين الإسلامية الصارمة ونقص المياه والنزاعات الدينية والمظالم المحلية. وعلى الرغم من أن السلطات أصبحت الآن قادرةً على بسط سيطرتها على الناس مرةً أخرى، إلا أن موجة الغضب والاستياء هذه تركت شعوراً مريراً بين الإيرانيين، الذين من المحتمل أن يصبحوا أكثر استعداداً للقتال من أجل حقوقهم ما لم يكونوا يقاتلون بشدة من أجل البقاء على قيد الحياة يومياً.

وتُضيف ميلز “لسوء الحظ، فإن وضع حقوق الإنسان في إيران يتدهور،” وتابعت “حتى وقتٍ قريب، كانت السلطات تحرم الأفراد من حقهم في الاستعانة بمحامٍ من اختيارهم في مرحلة التحقيق في قضيتهم، والتي تستمر غالباً لعدة أشهر، لكننا الآن نسمع عن المزيد والمزيد من الحالات التي يُحرم فيها الأشخاص من الحصول على محامٍ معيّنٍ من الدولة؛ إذ يتم محاكمة الأفراد في المحكمة دون أي محامٍ على الإطلاق. وبالطبع، يجد عدد متزايد من المحامين أنفسهم على الجانب الآخر خلف القضبان إلى جانب موكليهم السابقين. الوضع تجاوز الحدود ويجب على المجتمع الدولي، وخاصة الاتحاد الأوروبي، الذي يجري حواراً مستمراً مع إيران، دعوة السلطات الإيرانية إلى وقف الحملة على المدافعين عن حقوق الإنسان، بمن فيهم المحامون.”