وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الأمم المتحدة تصدر تقريراً دامغاً في قضية مقتل خاشقجي- هل سيحدث ذلك أي فرق؟

خاشقجي المملكة العربية السعودية الأمم المتحدة
المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، أغنيس كالامارد (يسار)، التي أصدرت تقريراً عن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، تُحيي خطيبة خاشقجي والكاتبة التركية خديجة جنكيز خلال ندوةٍ أقيمت على هامش اجتماع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف في 25 يونيو 2019. Photo AFP

أدى اختفاء الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي في أكتوبر 2018 إلى زيادة الجدل الدائر حول المملكة العربية السعودية، حيث تم الكشف عن تورط ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في اغتياله. ولكن بعد أسابيع قليلة، تراجعت الضجة الأولية التي عبر عنها قادة العالم، وتم اتباع نهج “العمل كالمعتاد” أثناء إجراء التحقيقات.

أجريّ أحد هذه التحقيقات من قبل المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، أغنيس كالامارد. تم تقديم التقرير الذي نُشر في 19 يونيو 2019، إلى مجلس حقوق الإنسان في 26 يونيو. وعليه، خلصت كالامارد في التقرير إلى أن خاشقجي كان ضحية لعملية “إعدام خارج نطاق القضاء نفذت مع سبق الإصرار والذي تتحمل دولة المملكة العربية السعودية المسؤولية عنه.”
وباعتباره تقريراً غير ملزم، ما وقع تأثير هذا الإدعاء؟

في 2 أكتوبر 2018، دخل جمال خاشقجي القنصلية السعودية في اسطنبول بتركيا لتحصيل أوراقٍ تتعلق بزواجه، إلا أنه لم يخرج قط. وبحلول 3 أكتوبر، أكدت الحكومة السعودية أن الصحفي البالغ من العمر 59 عاماً في عداد المفقودين مع نفي معرفة مصيره. وفي الأيام التالية، بدأت الأدلة تتصاعد بأن مسؤولين سعوديين نفذوا عملية اغتياله، بما في ذلك ادعاءاتٍ بأن فريقاً قوامه 15 رجلاً قد وصل إلى إسطنبول من المملكة العربية السعودية في 29 سبتمبر. ومع استمرار الضغوطات، بدأت المملكة العربية السعودية الاعتراف بأن خاشقجي توفي، حيث ادعت بدايةً أنه توفي بعد “عراكٍ بالأيدي” مع مسؤولين، قبل إعادة صياغة روايتهم بالقول إنه قتل في عملية متوحشة.

ومع ذلك، وجد المدعون العامون السعوديون والأتراك أدلة على تنفيذ عملية الإغتيال مع سبق الإصرار، فضلاً عن دليلٍ على وفاته خنقاً وتقطيع أوصاله. ووجدوا أيضاً أن الأمر بتنفيذ الاغتيال جاء من “أعلى المستويات” في الحكومة السعودية.

يستند التقرير المكون من 99 صفحة إلى تحقيقٍ دام ستة أشهر، والذي أشار إلى تسجيلاتٍ صوتية تركية لمسؤولين سعوديين يناقشون تقطيع جثة خاشقجي. ويذكر التقرير أيضاً أن التنظيف الجنائي للقنصلية السعودية يشير إلى وجود تستر.

وأشارت كالامارد إلى حدوث ستة انتهاكات للقانون الدولي نتيجةً للحادث، بما في ذلك الحرمان التعسفي من الحياة، واستخدام القوة خارج الحدود الإقليمية، وانتهاك استخدام الدولة السعودية للبعثات القنصلية لأغراض رسمية، والتعذيب، والاختفاء القسري، وانتهاك حرية التعبير. كما وقعت أربعة انتهاكاتٍ أخرى بسبب عدم اتخاذ إجراءاتٍ من جانب الدولة السعودية، والتي انتهكت العديد من التزاماتها فيما يتعلق بـ: مسؤولية التحقيق بفعالية وشفافية وبحسن نية، وواجب التعاون الدولي في التحقيق في الوفاة غير القانونية، وكذلك الإلتزام بعدم التكرار، وضمانات منح الأفراد- وفي هذه الحالة، خاشقجي- المحاكمة العادلة. كما تعرض سجل المملكة العربية السعودية الخاص بالسجن التعسفي للهجوم.

وبالإضافة إلى هذه الاستنتاجات، دعا تقرير الأمم المتحدة الدول، سواء تلك المشاركة في القضية أو غيرها من البلدان، إلى اتخاذ تدابير بموجب القانون الدولي وتكرار المزيد من التحقيقات في المسؤولية الفردية للمسؤولين السعوديين رفيعي المستوى، بما في ذلك مسؤولية ولي العهد.

وحتى الآن، وبعد اعتقال 18 مسؤولاً في البداية بسبب تورطهم المحتمل في عملية الإغتيال، حاكمت المملكة 11 منهم، بينما فرضت عقوبات على 17 مسؤولاً.

وفي تقرير الأمم المتحدة، كتبت كالامارد أن هذه الإجراءات لا تتسم بالشمولية الكافية، حيث لم تتمكن البلاد حتى الآن من معالجة الإخفاقات والمسائل الأساسية حول “سلسلة القيادة” ومسؤولية القيادة العليا عن التنفيذ.

وبينما يُسمح للدبلوماسيين من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (المملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا والصين) بحضور المحاكمة، فمن المحتمل أن يتم استدعاؤهم خلال مهلةٍ قصيرة لحضور وقائع الجلسات، التي يتم عقدها باللغة العربية بالكامل دون أي ترجمةٍ فورية.

كما فشل تقرير كالامارد حتى الآن في استنباط ردٍ قوي من المملكة العربية السعودية، حيث رفضه وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، وادعى أن كالامارد “انتهكت الإجراءات التي ينبغي أن يتخذها المقررين الخاصين.”

يزعم بعض المحللين أن هذه القضية يمكن أن تلحق الضرر بسمعة محمد بن سلمان، لأنه حاول الظهور كقائدٍ تقدمي للدولة النفطية، ولا سيما مكانته الدبلوماسية. وقال خبير الأمن في الشرق الأوسط الدكتور أندرياس كريج لـ TRT World إن العديد من صانعي السياسة الآن يميزون بين مبس (وهي اختصار شائع يشير فيه إلى محمد بن سلمان) والدولة، إلا أن هذا قد يتحول إلى تحدٍ بعد أن يصبح ولي العهد ملكاً، وبحسب ما قاله كريج “لا يريد المسؤولون الأجانب رفيعي المقام أن تتم مشاهدتهم وهم يصافحون شخصاً مثل محمد بن سلمان.” وحسب قول حسين إيبش من معهد دول الخليج العربي ومقره واشنطن، فإن سيطرة ولي العهد على السلطة في البلاد “تبدو مطلقة.”

وبحديثه إلى فَنَك، يقول ريان بوهل المحلل المختص بشؤون الشرق الأوسط وشمال افريقيا لدى شركة ستراتفور للاستخبارات الخاصة، إنه من عدة نواحي محمد بن سلمان هو الدولة السعودية.

وبحسب قوله “يسيطر على الكثير من أذرع الجهاز الأمني، كما يسيطر على قدرٍ كبير من المنتجات الاقتصادية لبرامجها الاقتصادية،” مضيفاً أن “والده أظهر ثقة قوية جداً جداً به في معظم القرارات التي اتخذها.”

وقبل إصدار التقرير، بدا أن الخطاب الأولي المتشدد حول الأحداث من الحلفاء والشركات الدولية قد خفت حدته. فقد تجاوب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بدايةً مع الرواية السعودية للأحداث، قائلاً “من الواضح أنه كان هناك خداع، وكانت هناك أكاذيب،” بينما قال وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت إنه “إذا تبين أن القصص المروعة التي نقرأها صحيحة، فإنها تتعارض جوهرياً مع قيمنا وسنتصرف وفقاً لها.”

بالإضافة إلى ذلك، قرر العديد من مسؤولي الأعمال التجارية والسياسيين الدوليين مقاطعة مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار السعودي في عام 2018، بما في ذلك مصارف إتش إس بي سي وجاي بي مورغان، ووزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين  ووزير التجارة البريطاني ليام فوكس.

ومع ذلك، استمرت صفقات الأسلحة الدولية، ومنذ إصدار التقرير قام دونالد ترمب بتجنب الإجابة عن الدعوات التي تطالب بإشراك مكتب التحقيقات الفيدرالي بالتحقيق بمقتل خاشقجي، قائلاً إنه “تم التحقيق فيها بشكلٍ كبير،” مع الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية تشتري معداتٍ أمريكية بكمياتٍ كبيرة.

من ناحيةٍ أخرى، أظهر أعضاء الكونغرس مشاعر معادية للسعوديين بشكلٍ متزايد، حتى أن مجلس الشيوخ الأمريكي أوقف صفقة بقيمة مليار دولار كانت تنطوي على مبيعات أسلحة للسعودية، على الرغم من أن ترمب استخدم حق النقض (الفيتو) الخاص به لإتمام الصفقة.

وقال لنا بوهل أن الولايات المتحدة قد أشارت إلى أنها غير مهتمة باستخدام حقوق الإنسان كهدفٍ للسياسة الخارجية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمملكة العربية السعودية.

وفي هذا الصدد، وقال بوهل: “يتواصل جاريد كوشنر وبن سلمان بانتظام، وتربطهما علاقة شخصية. ونعلم أن إدارة ترمب تُقدّر هذا النوع من العلاقات كثيراً لغاية إنجاز أعمالها.”

وقال بوهل أن مجلس الشيوخ الأمريكي سيحتاج إلى أغلبية كبيرة جداً للتغلب على حق النقض للرئيس.
ومع ذلك، يغذي تقرير الأمم المتحدة الاتجاه الذي يشهد دعوات الأفراد والمؤسسات إلى مزيدٍ من الخطاب العام حول العلاقات المستقبلية مع المملكة، بحسب بوهل.

فقد وجد حكمٌ صدر مؤخراً عن محكمة الاستئناف في لندن أن منح الحكومة البريطانية تراخيص تصدير للسعودية غير قانوني ذلك أنه لم يتم تقييمها بشكلٍ صحيح إذا ما كانت الأسلحة المصنعة من قبل شركاتٍ في المملكة المتحدة قد استخدمت في هجوم التحالف الذي تقوده السعودية على اليمن. وتشير بيانات المجتمع المدني إلى أن التحالف مسؤول عن أكثر من 8000 حالة وفاة في اليمن منذ عام 2015.

وقال بوهل: “يمكن أن ينجح تقرير خاشقجي في الوصول إلى محكمةٍ أوروبية.” أو يمكن استخدامه من قبل إدارة ديمقراطية أمريكية مستقبلية أو حكومة عمالية بريطانية للإشارة إلى كيفية إدارتها لعلاقاتها مع المملكة العربية السعودية والتعامل معها.

في التقرير أيضاً، اقترحت كالامارد أن هناك حاجة إلى آلياتٍ جديدة على مستوى الأمم المتحدة لتعزيز منع عمليات القتل المستهدف والتحقيق الجنائي بشأنها. وعليه، باتت الكرة الآن في ملعب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس.

وفي الوقت الذي دعا فيه المدافعون عن حقوق الإنسان، مثل مديرة البحوث للشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية لين معلوف، غوتيريس إلى “الأخذ على الفور بتوصية المقررة الخاصة بالشروع في متابعة تحقيق جنائي دولي،” قال بوهل إن الولايات المتحدة “ستحاول إبطاء وإعاقة” الجهود المبذولة لمحاسبة كبار المسؤولين.

على الأقل، يُضاف تقرير كالامارد إلى مجموعةٍ من الأدلة التي يمكن الاستفادة منها من قبل الجهات الفاعلة التي تسعى للمساءلة عن الأفعال التي تنتهك القانون الدولي. بيد أنه من غير المرجح أن يكون أي طريق نحو تحقيق العدالة بشفافية لجمال خاشقجي سهلاً.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles