وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

في لبنان، أنشطة مجتمع الميم تحت تهديدٍ مستمر

Specials- LGBT lebanon
نشطاء من مجتمع الميم يشاركون في احتجاجٍ خارج مركزٍ للشرطة في بيروت في 15 مايو 2016. Photo AFP

كان عام 2018 عاماً مظلماً بالنسبة لجماعات مجتمع الميم في لبنان، التي شهدت إغلاق فعالياتها المنظمة وإلغائها مراراً وتكراراً من قِبل السلطات. وبحجة “الفجور” أو “الأفعال الفاضحة،” يتم منع كل جهدٍ للتواصل والتثقيف والالتفاف حول مجتمع الميم وموضوعات المساواة بين الجنسين.

فقد كانت الحملة على الفعاليات التي ينظمها مجتمع الميم ذات أهمية لدرجةٍ دفعت بالمنظمة الدولية، هيومن رايتس ووتش، إلى رفع شكوى في الأمم المتحدة بالتمييز ومحاولات البلاد المناهضة لحرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات في لبنان. وبحسب ما ذكر في الشكوى، “نكتب إليكم بالنيابة عن هيومن رايتس ووتش لنعبر عن قلقنا بشأن الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الأمن اللبنانية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يعملون في قضايا تتعلق بالتوجه الجنسي والهوية الجندرية في لبنان. تدخل الأمن العام اللبناني وقوى الأمن الداخلي، في انتهاكٍ لعدة حمايات حقوق إنسان دولية، مراراً وتكراراً في فعاليات حقوقية متعلقة بالجندر والجنسانية استناداً إلى ادعاءات “الأخلاق” الزائفة. ”

فقد حاولت هيومن رايتس ووتش أولاً الاتصال بمدير الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم في أكتوبر 2018، في رسالةٍ رد عليها في 26 نوفمبر، مستشهدة بما يسمى بـ “الأخلاق” في المادة 21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بشأن الحق في التجمع السلمي، حيث ادعى أن المادة تتطلب أن يكون الاجتماع “متوافقاً مع المنظومة القيمية للمجتمع المعني،” وأكدّ أن “الموضوع الذي يتناوله المؤتمر لا يزال إشكالياً داخل حدود البيئة الثقافية اللبنانية.” ومنذ ذلك الحين، بذلت هيومن رايتس ووتش جهوداً لتنسيق لقاءٍ مع الأمن العام اللبناني، دون أي نجاحٍ حتى الآن.

وفي لقاءٍ لنا في فَنَك مع آية مجذوب، الباحثة المتخصصة بشؤون لبنان والبحرين في هيومن رايتس ووتش، قالت: “في العام الماضي، شهدنا زيادة في الهجمات على فعاليات وأنشطة مجتمع الميم.” وأضافت، “يرجع ذلك أساساً إلى الضغوطات التي تمارسها السلطات الدينية، مثل جمعية العلماء المسلمين، ومن غير الواضح سبب تأثيرها الكبير على السلطات. فعلى سبيل المثال، اتهموا منظمي المؤتمر السنوي ندوى الذي تُقيمه المؤسسة العربية للحريات والمساواة [التي تعمل على النهوض بمجتمع مثليي الجنس ومزدوجي الاتجاه الجنسي والمتحولين جنسياً وغيرها من حقوق الإنسان] بالترويج للشذوذ الجنسي وتعاطي المخدرات. وقالت المؤسسة أنه تم إعتقال المنظمين وإلغاء المؤتمر على أساس ‘التحريض على الفجور‘.”

في وقتٍ متأخر من اليوم الثالث للمؤتمر، وصل ضباط من الأمن العام إلى الفندق الذي عقد فيه المؤتمر واستجوبوا المدير التنفيذي للمؤسسة العربية للحريات والمساواة، جورج قزي، وأمروه بإلغاء المؤتمر والتوقيع على تعهدٍ بوقف أي أنشطة متعلقة بالمؤتمر. وعندما رفض قزي ذلك، أمر الضباط الفندق بإغلاق المؤتمر. ثم شرعوا في تدوين التفاصيل الشخصية لجميع المشاركين في المؤتمر من سجل الفندق، بما في ذلك أولئك الذين أتوا من دولٍ قمعية للغاية مثل مصر، حيث اعتقلت الشرطة في عام 2017 أكثر من 100 شخص لكونهم مثليين أو متحولين جنسياً، ومن العراق، حيث قامت جماعات المسلحين بقتل المثليين دون تعرضهم لأي عقاب. تمكنت المؤسسة العربية للحريات والمساواة من عقد اليوم الأخير لمؤتمرها، ولكن في فندقٍ آخر. ومن الجدير بالذكر أن المؤتمر لم يكن يتعلق فقط بقضايا مجتمع الميم، بل تطرق أيضاً لقضايا المساواة بين الجنسين وحقوق الإنسان والصحة والفنون. تلقت هيومن رايتس ووتش منذ ذلك الحين إخطاراتٍ بأن العديد من المشاركين من مختلف البلدان قد مُنعوا من العودة إلى لبنان، دون إبداء أي سبب لذلك.

وفي مايو 2018، تم أيضاً إلقاء القبض على هادي داميان، منسق بيروت برايد، خلال النسخة الثانية من أسبوع فخر بيروت، من 12 مايو إلى 20 مايو. وكان من المقرر أن يتزامن أسبوع فخر بيروت، الذي يتضمن أنشطةً تستمر على مدار 9 أيام تهدف إلى الاحتفال بالسحاقيات والمثليين ومزدوجي الجنس ومغايري الهوية الجنسانية، مع اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية والتحول الجنسي في 17 مايو، مع فعالياتٍ تتضمن إلقاء شعرٍ لأحرار الجنس (كوير)، وليلة كاريوكي، وحلقة نقاشية حول الصحة الجنسية وفيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، وورشة عمل حول الجهل بالقانون. ومع ذلك، في 14 مايو، داهمت قوات الأمن الداخلي أمسية شعرية لمجتمع الميم واستدعت منسق بيروت برايد، هادي داميان، إلى مركز الشرطة، حيث أمضى ليلته هناك. وقال داميان إن نائب الفرقة قام باستجوابه، وأخبره أن المدعي العام قد حظر فعاليات أسبوع فخر بيروت، وضغط عليه للتوقيع على بيانٍ يلغي جميع فعاليات بيروت برايد، وإلا سيواجه اتهاماتٍ “بالتحريض على الفجور” و”الإخلال بالأخلاق العامة.” أصدرت بيروت برايد بعد ذلك بياناً بتعليق الفعاليات.

وقال هادي داميان لنا في فَنَك، “كلما كنت أكثر تنظيماً، كلما نظر إليك الناس باعتبارك تهديداً وانتقموا منك.” وتابع القول، “الوضوح والتنظيم يؤديان إلى ردود فعل معادية. لا يوجد استثناءات: هذا هو واقع جميع المجتمعات في جميع الأوقات.”

في الواقع، تمكن مجتمع الميم من الظفر ببعض الانتصارات الصغيرة في البلاد خلال السنوات القليلة الماضية، من خلال قراراتٍ قانونية مثل تلك من عام 2007، عندما كتب أحد القضاة أنه لا يمكن اعتبار الأعمال البشرية متناقضة مع الطبيعة “حتى لو كان الفعل إجرامياً أو مسيئاً،” وبالتالي عمد إلى إطلاق سراح أحد الأشخاص المتهم “بالجماع الجنسي خلافاً للطبيعة” وفقاً للمادة 534 من قانون العقوبات. وفي عام 2017، قررت محكمة الاستئناف تأييد البراءة بتهمة “ارتكاب جرائم مخالفة للطبيعية” التي ارتكبها تسعة أشخاص، معظمهم من المتحولين جنسياً. وفي عام 2013، خطت كل من الجمعية اللبنانية للطب النفسي (LPS) والجمعية اللبنانية لعلم النفس (LPA) خطواتٍ صغيرة عندما أكدت الهيئات الطبية أن المثلية الجنسية ليست مرضاً، وأن محاولات تغيير التوجه الجنسي لشخص ما عقيمة ومضرة.

لكن في يناير 2019، تم حظر تطبيق تعارف المثليين Grindr من لبنان بقرارٍ من وزارة الاتصالات. وبحسب ما قاله داميان لنا في فَنَك، “كان الهدف من Grindr في البداية هو تسهيل تعارف الرجال الذين يبحثون عن الرجال، لكنه تطور في الأشهر القليلة الماضية لتوفير التثقيف الرقمي في مجال الصحة الجنسية والترويج للمقالات والمنشورات.” وتابع القول، ” تكهن البعض بأن حظر التطبيق تم في إطار إنعقاد القمة العربية في يناير 2019 في بيروت. و اعتبر البعض أنه إجراء وقائي لأن بعض الرجال كانوا يقومون بإنشاء ملفات شخصية وهمية لجذب الرجال المثليين وسرقتهم. بينما ربط البعض الآخر الحظر بمؤتمر برعاية Grindr عقد في أكتوبر 2018.” وأضاف داميان أن رمزية هذا الحظر متعددة الجوانب: “أولاً، إنه يثبت، مرةً أخرى، أن السلطات تستخدم القانون بطريقة خاطئة. ثانياً، السرية حول الحظر غير ملائمة، إذ تحاول مرةً أخرى تعطيل قنوات الاتصال بين السلطات والمواطنة. وثالثاً، من خلال حظر استخدام Grindr على الشبكة العامة وحصرها في شبكة الإنترنت الخاصة (wifi)، ترسل السلطات رسالة مفادها أن شؤون المثليين تحدث فقط خلف الأبواب المغلقة وأن النقاش العام حول هذه المسألة سيتم الطعن فيه. هذا يذكرنا بالحملة على بيروت برايد في مايو 2018.”

تقوم بيروت برايد وشركاؤها بوضع اللمسات الأخيرة على قانون يعالج المادة 534 والذي سيعرض على البرلمان قبل مايو 2019. يشعر داميان بأهمية عدم إسكاته من قِبل السلطات وتحديهم من أجل جعل الوضع يتطور، كما أوضح لفَنَك: “جميع أشكال التعبير تتعرض حالياً للهجوم في جميع أنحاء العالم. هذه الحوادث هي تحذير مستمر لعودة قضايا المثليين والتقدم الاجتماعي إلى سابق عهدها. من الرؤساء السياسيين الذين يعانون رهاباً ضد المثلية إلى القوانين البغيضة، إلى العدائية والتعذيب والقتل في الشيشان وأوروبا، يجب أن ندرك دائماً أن الحقوق هشة دائماً وأن استمراريتها تعتمد على جهودنا المستمرة لصونها. يجب ألا نأخذها كأمرٍ مسلم به ويجب أن نكون نشطين وصريحين في إدانتهم وفي تحدي تعبيرات الرهاب من المثليين في جميع أنحاء العالم. هذا هو واجبنا العالمي.”

أما من جانب هيومن رايتس ووتش، القصد من الشكوى هو تدويل القضية، على أمل أن يكون لبعض الضغط الدولي تأثيرٌ إيجابي على طريقة لبنان في التعامل مع فعاليات مجتمع الميم والأسئلة المطروحة. وعلى الرغم من المناخ الحالي، يريد داميان أيضاً الحفاظ على إيجابيته: “التثقيف أمرٌ بالغ الأهمية. خلاف ذلك، فإن الشباب رائع. إنه جيد للغاية، والأمور تمضي قدماً بشكلٍ جيد. هذا لا يعني عدم وجود أحداث مزعجة من وقتٍ لآخر. ومع ذلك، فإن التطور مستمر والمستقبل مشرق. نحن واثقون!”.