وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تلاشي الحراك المناهض للنفايات في لبنان

lebanon garbage crisis protesters clash woth riot police
محتجون لبنانيون يتظاهرون ضد أزمة النفايات يشتبكون مع شرطة مكافحة الشغب في وسط العاصمة بيروت، لبنان، 16 سبتمبر 2015. Photo by Marwan Tahtah

تواصلت أزمة النفايات في لبنان منذ 17 يوليو 2015، عندما تم إغلاق مكب نفايات الناعمة. وبعد عدة وعود من الحكومة بمعالجة الوضع، لا تزال النفايات مُلقاة على الطرقات في ديسمبر 2015، ويبدو أن الحكومة عاجزة تماماً عن إيجاد حلٍ للمشكلة. وفي محاولة لتبرير فشلها، تتهم الفصائل المختلفة في الحكومة، وبالتحديد الوزراء الذين ينتمون إلى 14 و8 آذار، بعضهم البعض بعرقلة إيجاد حلول.

وفي الوقت نفسه، خرجت حراكات المجتمع المدني بحثاً عن حلول من خلال الاحتجاجات. فقد تكرر ذات المشهد في كل مرة تقريباً: تبدأ الاحتجاجات سلمية ومن ثم تتحول إلى العنف في غضون ساعات، بعد استخدام قوات الأمن الغاز المسيل للدموع، وخراطيم المياه، والرصاص المطاطي لتفريق المتظاهرين. ومع ذلك، لم تتم ترجمة سلسلة الوعود والمطالبات إلى خطة ملموسة، على الرغم من مطالبة حراك المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، الحكومة الخروج بحل قبل موسم الأمطار، لتجنب وقوع كارثة بيئية وصحية.

رد الحكومة

في العديد من النقاط خلال الأزمة، كان الوزراء المعنيون بشكلٍ مباشر، مثل أولئك المعنيين في وزارة البيئة ووزارة الداخلية، خارج البلاد، حيث انتقد غيابهم من قِبل المتظاهرين الذين اثبتوا أنّ الطبقة السياسية لا تحترم مصالح الشعب اللبناني. كما قام النشطاء بمراقبة صفحة وزير البيئة على الفيسبوك، حيث أفادوا باستمرار رحلاته الشخصية في جميع أنحاء أوروبا، من خلال نشر الوزير صوراً للأماكن التي يزورها.

كما انتشر شريط فيديوعلى وسائل الإعلام يُظهر وزير الداخلية يرقص في منتجع على شاطئ في جزيرة ميكونوس اليونانية، في نفس الوقت الذي اندلعت فيه أولى المظاهرات. أدى هذا إلى أكبر احتجاج في 29 أغسطس.

وخلال المظاهرات التالية، غالباً ما ألقى المتظاهرون زجاجات مياه صغيرة باتجاه قوات الأمن وحاولوا إزالة الأسلاك الشائكة التي تعترض سبيلهم باتجاه مكاتب الوزراء. وبالتالي، أخذت قوات الأمن هذا الأمر ذريعةً للرد بعنف، والهجوم على المتظاهرين بالهروات، حيث انتقد رد الحكومة العنيف على الاحتجاجات المدنية من قبل منظمات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.

وحشية قوات الأمن والتضليل السياسي

ادعى وزير الداخلية أنه على الرغم من الأخطاء التي ارتكبت من قبل قوات الأمن الداخلي، إلا أن رد قوات الأمن لم يكن وحشياً أو غير مبرر، حتى في ضوء وفاة شخص والأعداد المتزايدة من الجرحى.

كما عقد مؤتمراً صحفياً، مدعياً أن قوات الأمن كانت هناك لحماية المتظاهرين والممتلكات العامة، والأصول الحكومية الأخرى، وأن الشرطة لم تتصرف ضد المتظاهرين ولكن ضد مثيري الشغب. وادعى أيضاً أن المزيد من رجال الشرطة اصيبوا أيضاً بجروح من المتظاهرين.

فقد جاء مثال آخر واضح على وحشية الشرطة وقوات الأمن خلال احتجاجٍ لنشطاء تضمن احتلالهم لوزارة البيئة وجلوسهم على الأرض داخل مبنى الوزارة مطالبين باستقالة وزير البيئة، الذي كان قد طالب مؤخراً أن يعفيه رئيس الوزراء من المسؤولية عن أزمة القمامة. وكان مع المحتجين مراسلين صحفيين وكاميرات.

وفي البداية، داهمت قوات الأمن الوزارة وطردت الصحفيين، واستخدمت القوة ضد أولئك الذين رفضوا المغادرة، وتمت مصادرة أو تدمير الكاميرات. وبمجرد القيام بذلك، هاجمت قوات الأمن المتظاهرين السلميين، مما تسبب في إصابات خطيرة لعدد منهم، أكثرهم ظهوراً على الإعلام كان الناشط والمخرج لوسيان أبو رجيلي. فضلاً عن ذلك، زعم وزير الداخلية بأن المتظاهرين كانوا يدمرون الممتلكات الحكومية، ولكن أصدرت الحركة شريط فيديو تم تصويره قبل مداهمة الشرطة، يُبيّن احتجاجهم السلمي، وافتراشهم الأرض بكل بساطة وترديد الشعارات.

مطالب المحتجين

في البداية، كان المحتجون يطالبون بحل أزمة النفايات، ولكن بعد تجاهل هذه المطالب فضلاً عن إثبات الحكومة عدم فعاليتها، تم تصعيد المطالب. انضم إلى الحراك الأول، تحت شعار “طلعت ريحتكم،” العديد من الحراكات الأخرى الناشئة عن الاحتجاجات المستمرة، منها “شباب ضد النظام،” و”شباب ضد الفساد،” من صيدا، و”شباب 22 آب،” و”بدنا نحاسب.” أصبحت المطالب متعددة، من استبدال كامل للنظام اللبناني وتغيير للدستور، إلى استقالة وزير البيئة، إلى انتخاب رئيس جديد للبلاد، وسن قانون انتخابات برلمانية جديد. في حين كان المطلب المشترك الوحيد بين هذه الحراكات هو اتخاذ اجراءات فورية لوقف أزمة النفايات من تحولها إلى كارثة وطنية.

ارتباك الطبقة السياسية

من الواضح أن الحركة نجحت في إرباك وإرعاب النخبة السياسية الحاكمة، وإن لم يكن ذلك جلياً في الطريقة الوحشية التي تعاملت فيها قوات الأمن مع المتظاهرين، يتجلى ذلك بكل تأكيد باتهام فصيليّ المعارضة في الحكومة حراك المجتمع المدني بتمويله من قِبل دولة “أجنبية.”

ولربما كان التكتيك الأكثر وضوحاً هو “اغتيال الشخصية” لممثلي الحراك مثل بيار حشاش، وعماد بزي، وأسعد ذبيان، من خلال الاعتقالات، ونشر الشائعات أو الفضائح. وفي 16 نوفمبر، أطلقت المحكمة العسكرية جميع المعتقلين باستثناء اثنين، إحدهما كان بيار حشاش، مما دفع ناشط آخر إلى إشعال النار بنفسه أمام المحكمة احتجاجاُ. كما كان عماد بزي هدفاً للشائعات بتهمة اتباع “أجندة غربية،” في حين عمدوا إلى فضح أسعد ذبيان لنشره نكات مُسيئة للديانات قبل ثلاث سنوات على صفحته الشخصية على موقع فيسبوك. نجحت هذه التكتيات بزعزعة الحراك، وبدأ الدعم الشعبي بالانحسار.

انجازات واخفاقات الحراك

على الرغم من عيوبه، إلا أن الحراك كان قادراً على تحقيق وحدة اجتماعية غير مسبوقة تجاوزت الانتماءات الطائفية والطبقات الاجتماعية. كما كان قادراً أيضاً على دفع الطبقة الحاكمة، التي كانت تخشى فقدان السيطرة على الوضع الراهن، لوضع خطة. ومع ذلك، كان الإنجاز الأكثر أهمية للحراك قدرته على ايقاف النخب الحاكمة من توزيع صفقات شركة النفايات فيما بينهم. وبالرغم من ذلك، فقد الحراك الكثير من الزخم لعدة أسباب.

أولاً، يقف الحراك ضد طبقة سياسية متجذرة منذ أكثر من أربعين عاماً، والتي تستفيد من الانقسامات الطائفية بين أبناء الشعب التي أنشأتها الطبقة الحاكمة ذات نفسها. ولكن لا يمكن القاء اللوم بالكامل على النظام السياسي، حيث لم يستفد الحراك من إنجازاته الخاصة، واستمر بالدفع لتحقيق مطالبه دون وجود رؤية واضحة. وبمجرد فقدان الحراك زخمه، إنتشرت اللامبالاة، التي تحكم مشاعر اللبنانيين بشأن واقعهم السياسي، إلى الحراك ووضعت حداً لمزيد من دعوات الخروج في مظاهرات.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles