وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المثليون الفلسطينيون: تميزٌ مضاعف

Specials- LGBTQ palestine
Photo: GREGOR FISCHER / AFP

تسببت السلطة الفلسطينية، الهيئة المكلفة بحكم الأراضي الفلسطينية المحتلة، في اندلاع احتجاجٍ شديد عندما حظرت جماعة فلسطينية تدافع عن حقوق المثليات والمثليين ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسياً وأحرار الجنس (مجتمع الميم).

ففي أواخر أغسطس 2019، منعت السلطة الفلسطينية جمعية القوس من إقامة أي فعالياتٍ في الضفة الغربية وهددت باعتقال المشاركين.

ألغت السلطة الحظر منذ ذلك الحين، بيد أن ذلك فتح أبواب الجدل على مصراعيها حول القضايا التي تواجه المثليين في فلسطين وكذلك المثليين الفلسطينيين في إسرائيل. أثارت الاستفادة من هذه الخطوة التمييزية تساؤلاتٍ حول “الغسيل الوردي” للاحتلال.

فقد قال المتحدث الرسمي باسم شرطة السلطة الفلسطينية لؤي زريقات إن الأنشطة المؤيدة للمثليين تعتبر “ضرباً ومساساً بالمُثل والقيم العليا للمجتمع الفلسطيني،” وأن جمعياتٍ مثل القوس “تزرع الفتنة وتقوض السلم الأهلي للمجتمع الفلسطيني.”

تعمل المجموعة الحقوقية التي تأسست عام 2001 في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة ومعظم إسرائيل، حيث أدانت الإنذار القضائي الصادر بحقها في بيانٍ على وسائل التواصل الاجتماعي، بالقول “يمهد رد الفعل العنيف هذا الطريق أمام ازدهار ممارسات وسائل الإعلام غير الأخلاقية من خلال تبني وتغذية الخطاب العنيف التي تلقى رواجاً وشرعيةً على وسائل التواصل الاجتماعي.”

وأضافت “يجب على الشرطة كما على السلطات جميعاً التركيز والعمل على التصدي للاحتلال وباقي أشكال العنف التي تنخر في قيم مجتمعنا ونسيجه الحساس، بدلاً من ملاحقة نشطاء يعملون بلا توقف على التصدي للعنف بكل أشكاله.”

تم انتقاد الحظر على الصعيدين الوطني والدولي، حيث أصدرت جماعات المجتمع المدني ما لا يقل عن 18 بياناً، وفقاً لما قاله نك ماك ألبين، باحث وصحفي يركز على التنظيم السياسي الفلسطيني والحركات الاجتماعية التقدمية. صدر أبرز هذه البيانات عن عشرات الأعضاء في مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية (PHROC) الذي يضم مؤسسة الحق ومركز الميزان لحقوق الإنسان والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وغيرهم. كما أدان مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة هذه الخطوة علانية.

وعلى الرغم من إلغاء الحظر، لا تعتقد جمعية القوس أن هذا كافٍ، إذ قالت إن على السلطة الفلسطينية إصدار بيانٍ يدين خطاب الكراهية والعنف ذلك أن المنع الأولي أطلق العنان لرد فعلٍ عنيف ضد المجتمع، رغم أن الإساءة والتمييز ضد مجتمع المثليين شائعٌ في المنطقة.

جاء حظر السلطة الفلسطينية بعد أسبوع من إجراء القوس جلسةً حوارية في نابلس، بعد ثلاثة أسابيع من طعن مراهق فلسطيني وإصابته بجروح خطيرة خارج ملجأ للشباب المثليين والمتحولين جنسياً في تل أبيب.

وبحسب ما قاله ماك ألبين، فإن الشذوذ الجنسي غير مجرّم صراحةً بموجب القانون في فلسطين، لكن هناك أيضاً نقصٌ في الحماية القانونية، “الشرطة قادرة على الاستفادة من هذا الوضع القانوني المربك لتجريم أحرار الجنس الفلسطينيين، وغالباً ما يكون ذلك مع الإشارة العامة إلى الأخلاق والقيم، كما كان الحال مع الحظر السابق الذي تم فرضه على القوس.”

وكما يقول ماك ألبين، إن التجريم في هذا السياق يحدث من خلال الاعتقال التعسفي والاستجواب. فقد ذكر تقريرٌ لمنظمة العفو الدولية لعام 2018 عن حقوق الإنسان في فلسطين إن جمعية القوس وثّقت خمس حالات اعتقال تعسفي لنشطاء من المثليين الذين تعرضوا لسوء المعاملة بينما تعرض أشخاص آخرون من المثليين جنسياً للاعتقال والاستجواب على أيدي قوات الأمن.

كما شوهد تاريخ من مضايقات الشرطة ضد الرجال المثليين الذين يتم ابتزازهم للتجسس لصالح السلطة الفلسطينية.

وعلى صعيدٍ متصل، يعدّ الوضع في غزة، التي تحكمها حركة حماس الإسلامية، أكثر قسوة لأن “الأفعال الجنسية المثلية” يمكن أن تؤدي إلى عقوبة السجن لمدة تصل إلى عشر سنوات، إلى جانب وصم أولئك المسجونين بالخزي والعار.

يعيش العديد من الغزيين المثليين حياةً سرية، حيث يمنع رهاب المثلية العلني المجتمع المدني من شن حملاتٍ علنية بشأن قضايا المثليين. ففي عام 2016، عبرت هيومن رايتس ووتش عن قلقها بشأن قضيةٍ تتعلق بإعدام أحد قادة حماس بتهمة “الفساد الأخلاقي،” وهو تعبيرٌ تستخدمه حماس للشذوذ الجنسي، والتي تضمنت ممارسة التعذيب وغيرها من المزاعم التي أسقطت في نهاية المطاف.

ومع ذلك، هناك نقصٌ في البحوث حول القضايا التي تواجه مثليي الجنس في غزة. وتشير بعض التقارير الإخبارية إلى أن سكان غزة يستخدمون طرقاً خطيرة للفرار عبر الحدود أو سلوك طرقٍ غير قانونية إلى أوروبا. هناك تصورٌ أيضاً بأن حماس تحاول الإيقاع بسكان غزة المثليين عن طريق تطبيقات المواعدة.

فقد شجعت النزعة المحافظة على المواقف المتعلقة برهاب المثليين في الضفة الغربية. ففي الماضي، كان الفلسطينيون يشعرون بأنهم منبوذون بلجوئهم إلى إسرائيل وصعوبة طلب اللجوء في بلدان أخرى، على الرغم من أن تقريراً صدر عام 2003 زعم أن مئات الفلسطينيين المثليين فروا إلى إسرائيل، معرضين أنفسهم لخطر الاعتقال أو الترحيل.

وفي الآونة الأخيرة، كان هناك دعمٌ صريحٌ متزايد لحقوق المثليين والمتحولين جنسياً، كما شوهد عندما خرج مئات المتظاهرين إلى الشوارع في مدينة حيفا الإسرائيلية بعد طعن المراهق في يوليو.

وبحسب ما قالته الناشطة الفلسطينية وداد عساف لموقع +972 Magazine، “هذه لحظة تاريخية.” وأضافت “العنف ضد المثليين جنسياً يحدث طوال الوقت، إلا أن الأمر استغرق بعض الوقت ليخرج الناس إلى الشوارع.”

وفي نفس المقال، وصف ناشطٌ آخر من أحرار الجنس كيف تعرض للتمييز على نحو مضاعف حيث يواجه العرب الفلسطينيون بالفعل استبعاداً من الدولة، لكن الهوية الجنسية المختلفة تجذب التعصب الاجتماعي أيضاً.

فقد كان هناك ارتفاع حاد في خطاب الكراهية الموجه ضد القوس، وفقاً لمديرة الجمعية حنين معيكي، ولكن في الوقت نفسه كانت هناك موجة من الدعم للمجتمع على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انتقد المستخدمون حملة الشرطة.

كما جاءت الإدانة أيضاً من عضوة الكونغرس الأمريكي إلهان عمر، التي غردت: “حقوق المثليين هي حقوق إنسان ويجب أن ندين أي محاولةٍ لانتهاكها. لكن يجب علينا أيضاً أن ندين أي جهد لربط هذا بالاحتلال أو أن نستخدم هذا الأمر كوسيلة لصرف الانتباه.”

هذا لم يمنع بعض العناصر من الاستفادة من الحظر، على سبيل المثال محاولة الطلب من إلهان عمر دعم فلسطين.

في غضون ذلك، قيل إن إسرائيل لفتت الانتباه إلى ما تدعي أنه موقفها التقدمي من قضايا المثليين، بيد أن آخرون رفضوا ذلك باعتباره مثالاً واضحاً على الغسيل الوردي، حيث تمتلك إسرائيل تاريخاً من الرهاب ضد أحرار الجنس الفلسطينيين.

وكحال السلطة الفلسطينية، قيل إن عملاء المخابرات الإسرائيلية قاموا بابتزاز الفلسطينيين باستغلال حياتهم الجنسية كوسيلةٍ للضغط لتحويلهم إلى متعاونين. وقال ماك ألبين “لهذا السبب، تم وصف جمعياتٍ مثل القوس بأنهم ‘عملاء أجانب‘.”

ففي يوليو، تعرض رافي بيرتس، وزير التعليم في إسرائيل وزعيم حزب صغير من أقصى اليمين، لانتقادات بسبب دعمه “علاج تحويل المثليين” على الرغم من أنه مشكوك فيه علمياً وأخلاقياً. وقال بيرتس إن تصريحاته أخرجت من سياقها.

وفي هذا السياق، قال ماك ألبين: “تحاول إسرائيل خلق سلوكٍ ثنائي تكون فيه [إسرائيل] مؤيدة لحقوق المثليين، وفلسطين والفلسطينيون يعارضونهم.” وأضاف “هذا جزء من استراتيجية الغسيل الوردي التي تحاول إخفاء انتهاكات إسرائيل للشعب الفلسطيني خلف صورة تقدمية للبلاد.”

ومع ذلك، لا يزال زواج المثليين غير شرعي في إسرائيل، ويُقال إن رهاب المثلية الجنسية ورهاب المتحولين جنسياً منتشران بين الجماعات الدينية والمحافظة، بما في ذلك داخل الحكومة.

رواية الغسيل الوردي هذه خطرة وغير دقيقة على حد سواء، وفقا لماك ألبين، وتعمل على تهميش أحرار الجنس الفلسطينيين، إذ قال “إنها مبنية على نسخة مبالغ فيها إلى حدٍ كبير من سجل إسرائيل بشأن حقوق مجتمع المثليين، وهي تستخدم لإخفاء العنف النظامي الشائن والسيطرة التي تفرضها إسرائيل على فلسطين.”

من خلال فهم ورفض سرد الغسيل الوردي، يمكن للآخرين دعم المثليين الفلسطينيين، وفقاً للمعلومات الواردة على موقع جمعية القوس. كما تشدد أيضاً على أن الناس يجب أن يدركوا أن الاستعمار والسلطة الأبوية ورهاب المثلية من أشكال القمع المتداخلة.

لا تزال حقوق المثليين في فلسطين في بدايتها رغم التغييرات التي يشهدها المجتمع. كما يُشير رفع السلطة الفلسطينية للحظر المفروض على جمعية القوس إلى أن المؤسسات في فلسطين ستستجيب للضغوط رغم أن مثل هذه الحملات لم تلحق الضرر بأفراد مجتمع المثليين فحسب؛ إذ يعتقد النشطاء أنهم أضروا أيضاً بالكفاح ضد الاحتلال الإسرائيلي.

وعلى نفس المنوال، يتعرض المثليون الفلسطينيون في إسرائيل للتمييز بجريمتين: لكونهم من أحرار الجنس وفلسطينيون.