وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في ليبيا

مهاجرون، غالبيتهم من نيجيريا، في مركز احتجاز أبو سليم في طرابلس، ليبيا، 15 أغسطس 2016. Photo Daniel Etter/Redux

قبل ست سنوات، تحول ما كان يُفترض أن يكون انتفاضةً سلمية ضد الديكتاتور منذ فترةٍ طويلة، معمر القذافي، إلى حربٍ مدعومةٍ من حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي انتهت بمقتل القذافي في أكتوبر 2011. وفي السنوات الفاصلة، ظلت البلاد مقسمة، وهو وضعٌ تفاقم منذ عام 2014 قبل تجدد الصراع المسلح وحكومتين متنافستين تتصارعان على السُلطة والأرض.

وخلال الإنتفاضة والصراع، وردت تقارير عن انتهاكاتٍ متكررة وواسعة النطاق لحقوق الإنسان، مثل الاغتصاب، والاعتقالات والمحاكمات غير القانونية، والتعذيب، والاغتيالات والهجمات ضد الصحافة. ويزعم تقريرٍ نشرته منظمة العفو الدولية في فبراير 2016 ارتكاب جرائم حربٍ من قِبل جميع الأطراف، سيما تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” الذي نفذ إعداماتٍ علنية، فضلاً عن الانتهاكات الخطيرة التي واجهها المهاجرون واللاجئون، وعدم الوصول إلى المستشفيات والمدارس، والاعتداءات ضد الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان والعاملين في المنظمات غير الحكومية، وتراجع حقوق المرأة، والنظام القانوني المختل.

جرائم الحرب

وأيضاً في فبراير 2016، قال الأمير زيد بن رعد الحسين، المفوض السامي لحقوق الإنسان، أنه “على الرغم من حالة حقوق الإنسان في ليبيا، ألا أنها لا تحتل عناوين الأخبار إلا بشكلٍ متقطع. كما أن العديد من الجهات الفاعلة – سواء الحكومية أو غير الحكومية- متهمة بارتكاب انتهاكاتٍ وتجاوزاتٍ خطيرة للغاية ترقى في كثيرٍ من الحالات إلى مستوى جرائم حرب.” ووصف تقريرٌ للأمم المتحدة في الشهر نفسه الأوضاع منذ عام 2014 بـ”القتل غير القانوني” الذي مارسته جميع الجماعات المسلحة الرئيسية، بما في ذلك “إعدام الأسرى، أو المحتجزين، أو المختطفين، أو أولئك الذين يعتبرون منشقين.” كما استخدم التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة على نطاقٍ واسع في مرافق الاحتجاز، مما أدى إلى وفاة المعتقلين في أماكن مختلفة مثل مرافق الشرطة العسكرية والاستخبارات. ويعتبر الوضع مثيراً للقلق، بالنظر إلى أن آلاف الأشخاص يقبعون في المعتقلات منذ بدء الصراع المسلح عام 2011، ممن يبقون في معظم الأحيان دون دراسة لقضيتهم وفي بعض الأحيان “يحتجزون في منشآت سرية أو غير معترف بها تديرها الجماعات المسلحة.” كما أصبحت عمليات الخطف والاختفاء متكررة أيضاً، فعلى سبيل المثال، أفادت جمعية الهلال الأحمر الليبي أنّ أكثر من 600 شخص فقدوا في الفترة ما بين فبراير 2014 وأبريل 2015، وأنّ 378 آخرين، على الأقل، في عداد المفقودين. وفي هذا السياق، قال سعيد بومدوحة، المدير بالوكالة لبرنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، في أغسطس 2015: “اختطف المئات من المدنيين لمجرد نزوة وببساطة لأنهم ينتمون إلى مناطق معينة، أو بسبب الاعتقاد بأنهم يدعمون جماعة سياسية منافسة. وفي كثير من الحالات، يتم الاحتفاظ بهم رهائن للضغط على جماعة مسلحة أخرى في عملية تبادل للأسرى أو لإجبار الأسرة على دفع فدية.”

تنظيم الدولة الإسلامية

على الرغم من تحرير سرت، آخر معاقل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” في ديسمبر 2016، إلا أنّ داعش قتل المدنيين علناً في المدينة لمدة عامين. ففي مايو 2016، ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش إعدام 49 شخصاً على الأقل بأساليب مختلفة مثل قطع الرؤوس وإطلاق النار. ومن بين القتلى من يُزعم أنهم جواسيس ومشعوذين، وأفراد قوات العدو الجرحى أو الأسرى والشباب المتهمون بالكفر. كما اختطفت داعش العشرات من المقاتلين من الميليشات الليبية، الذين لا يزال مصيرهم مجهولاً. ووصف سكان سرت “مشاهد مرعبة- قطع الرؤوس علناً، وجثث بملابس برتقالية تتدلى من سقالات فيما يُطلقون عليه “الصلب،” ومقاتلون ملثمون يختطفون الرجال من أسرّتهم ليلاً.”

المهاجرون واللاجئون

تقع ليبيا على طريق العبور إلى أوروبا بالنسبة للاجئين الفارين من مختلف البلدان الأفريقية، بما في ذلك إريتريا وجمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وشمال شرق نيجيريا. وفي عام 2015 وحده، غرق حوالي 3 آلاف شخص أثناء عبورهم من شمال افريقيا إلى إيطاليا. وفي ليبيا، هم “عُرضة على وجه الخصوص للاستغلال وسوء المعاملة من قبل السلطات والجماعات المسلحة والمهربين، [و] عانى العديد من المهاجرين من فتراتٍ طويلة من الاحتجاز التعسفي والتعذيب والعمل القسري والابتزاز والاتجار بالبشر والعنف الجنسي،” وذلك وفقاً لتقريرٍ للأمم المتحدة الذي صدر في فبراير 2016. “فقد كان الأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى، على وجه التحديد، معرضين للخطر، في حين واجهت المهاجرات العنف والاستغلال الجنسي، داخل وخارج مرافق الاحتجاز على حد سواء. ولا يزال هناك عددٌ كبيرٌ من المهاجرين في مراكز الاعتقال دون عرضهم على القضاء، بما في ذلك 3245 شخصاً على الاقل في غرب ليبيا وحدها.” وتُقدر المنظمة الدولية للهجرة أنّ هناك أكثر من 264 ألف من المهاجرين واللاجئين في ليبيا، في حين ذكرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنّ أعداد طالبي اللجوء المسجلين، نصفهم من سوريا، وصل إلى 38 ألفاً عام 2016. وعلاوة على ذلك، نشرت منظمة العفو الدولية شهادات بعض هؤلاء اللاجئين والمهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا، مثل أمل من إرتيريا والبالغة من العمر 21 عاماً، التي أسِرت على يد مقاتلي داعش في ليبيا. وتذكر في شهادتها “تعرضنا للضرب لمدة ثلاثة أشهر، إذ كانوا يستخدمون في بعض الأحيان أيديهم أو خرطوماً أو العصي. كما كانوا في بعض الأحيان يخوفوننا بأسلحتهم أو يهددونا بالذبح بالسكاكين. اعتبرونا زوجاتهم وكانوا يجبروننا على مضاجعتهم. أمضينا أربعة أشهر على هذا الحال. كان المكان كبيراً جداً وكان هناك الكثير من الرجال. في كل يوم كان البعض منهم يسيئون لنا.”

حماية المدنيين

نزح حوالي 350 ألف ليبي بسبب الصراع الدائر في البلاد منذ عام 2014، وذلك وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كما ذكرت منظمة العفو الدولية أنّ “حوالي 2,5 مليون شخص بحاجة إلى مساعداتٍ إنسانية، بما في ذلك المياه النظيفة، والصرف الصحي والغذاء،” وأنّ “حوالي 20% من الأطفال في ليبيا غير قادرين على الذهاب إلى المدرسة.” دعت المنظمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فرض عقوباتٍ موجهة ضد المتورطين في انتهاك حقوق الإنسان أو القانون الإنساني الدولي، وفقاً للقرار رقم (2174)، الذي اعتمد في أغسطس 2014. في الواقع، منذ عام 2014، أثرت الهجمات العسكرية، بشكلٍ خاص، على المناطق السكنية ذات الكثافة السكانية المرتفعة مثل بنغازي وطرابلس وورشفانة ومنطقة جبال نفوسة وجنوب ليبيا. وتُقدر الأمم المتحدة أنه “لم يتم اتخاذ الاحتياطات الكافية لحماية المدنيين، فضلاً عن الأفراد والأشياء التي تُمنح الحماية بموجب القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك المرافق الصحية وسيارات الإسعاف والعاملين في المجال الطبي، والعاملين في المجال الإنساني.”

حرية التعبير

حرية الإعلام في ليبيا آخذةٌ في الانخفاض. ففي عام 2016، احتلت البلاد المرتبة 164 على مؤشر حرية الصحافة لمنظمة مراسلون بلا حدود، بإنخفاضٍ من المرتبة 154 عام 2015. فقد ذكرت منظمة مراسلون بلا حدود أنّ “الصراع المفتوح بين الحكومات المتنافسة في طبرق في الشرق وطرابلس في الغرب من عام 2014 فصاعداً، أدى إلى مناخٍ تام للإفلات من العقاب عن جرائم العنف والانتهاكات ضد الصحفيين المهنيين وغير المهنيين.” وفي فبراير 2015، أصدرت هيومن رايتس ووتش تقريراً بعنوان “الحرب على وسائل الإعلام،” والتي وصفت فيه كيف تآكلت حرية وسائل الإعلام الجديدة التي أكتسبت في أعقاب ثورة عام 2011 بسبب الفوضى وانعدام الأمن لاحقاً. وجاء في التقرير: “بين منتصف عام 2012 ونوفمبر 2014، وثقت هيومن رايتس ووتش، 91 حالة على الأقل من التهديدات والاعتداءات ضد الصحفيين، 14 منها بين النساء. وتشمل الحالات 30 عملية اختطاف أو اعتقالاً تعسفياً لفترة قصيرة وثماني حالات قتل، وإن كان الصحفيون قد تعرضوا للقتل في بعض الحالات بطريق الخطأ خلال إعدادهم لتقارير تتعلق بأحداث العنف. وقد وثقت هيومن رايتس ووتش في معظم الحالات الأدلة التي تدلل على أن الجماعات المسلحة سعت لمعاقبة الصحفيين ووسائل الإعلام لإعداد التقارير، أو لآرائهم، أو لتعاطفهم المتصور، أو لفرض رقابة ذاتية على عملهم. وفي نفس الفترة، فرّ 10 صحفيين على الأقل من البلاد بعد تعرضهم للهجوم أو التهديد. كما وثقت هيومن رايتس ووتش 26 هجمة مسلحة ضد مكاتب محطات التلفزيون والإذاعة.” ولم تتحقق حتى الآن أي وعودٍ بحماية الصحفيين من قِبل أيٍ من الحكومات المتنافسة.

حقوق المرأة

في عام 2013، نشرت هيومن رايتس ووتش مبادىء توجيهية للمساعدة في ضمان حقوق المرأة في ليبيا في عددٍ من المجالات الرئيسية. وبعد أربع سنوات، يبدو أنّ حال النساء في ليبيا قد ساء فحسب، سيما منذ عام 2014 بعد اغتيال النشطاء البارزين بمن فيهنّ سلوى بوقعيقيص، وفريحة البرقاوي، وانتصار الحصائري، والتحرش والاعتداءات التي استهدفت العديد من الأخريات. ووفقاً للأمم المتحدة، التي أيضاً وفرّت معلوماتٍ حول العنف الجنسي، فإن هذه الهجمات “تهدف إلى إرسال رسالة أوسع نطاقا مفادها أن المرأة لا ينبغي لها أن تكون ناشطة في المجال العام.” “ففي إحدى الحالات، ذكرت إحدى السيدات أنه تم اختطافها في طرابلس من قِبل أعضاء جماعةٍ مسلحة، وتم تخديرها واغتصابها مراراً وتكراراً على مدى ستة أشهر. كما قدمت أيضاً معلوماتٍ تُفيد بأن ست فتياتٍ لا تتجاوز أعمارهنّ الـ11 عاماً تعرضنّ للعنف الجنسي من قِبل أفراد نفس الجماعة.” كما تم تنفيذ قوانين جديدة، بما في ذلك تسهيل زواج الأطفال والسماح للرجال بتطليق النساء دون الحصول على موافقة من المحكمة.

النظام القانوني

من أجل الحدّ من والمعاقبة على الهجمات، والإختطاف، وجميع أنواع الانتهاكات، تبرز الحاجة إلى نظام قانوني قوي. ولكن عندما يكون المحامون والقضاء وأعضاء النيابة العامة أنفسهم تحت تهديدٍ مستمر، كما تصف الأمم المتحدة، يصبح عملهم خطيراً وصعباً. وكما يقول الأمير زيد بن رعد الحسين “أن التقرير يبرز بوضوح أن النظام القضائي لا يملك الوسائل أو القدرة على إجراء تحقيقات فورية ومستقلة وذات مصداقية أو محاكمة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان أو التجاوزات.” وأضاف التقرير أنه “منذ عام 2014، تعرض القضاة والمدعون العامون للقتل وتفجيرات المحاكم والاعتداءات والاختطاف. ونتيجةً لذلك، أوقفت المحاكم في درنة، وسرت، وبنغازي أنشطتها في عام 2014، مع إعادة تفعيلها بشكلٍ محدود في أجزاء من بنغازي عام 2015، ولم يُسمح للضحايا، سوى قليلاً، بطلب الاستعانة بالحماية أو الحصول على وسيلة إنتصاف فعّالة. يُسّهل هذا الإفلات من العقاب المزيد من الإنتهاكات.” وعلاوة على ذلك، رفضت السلطات الليبية التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، سيما فيما يتعلق بقناعات المسؤولين في عهد القذافي، والتي تضمنت فرض تسعة أحكام بالإعدام بعد محاكمةٍ شابتها عيوب.