وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تدفقات الهجرة تدفع الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز العلاقات مع الجزائر

Algeria- Merkel
صورة صادرة عن وكالة الصحافة الجزائرية الرسمية تظهر المستشارة الألمانية انجيلا ميركل في اجتماع مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في العاصمة الجزائر، في سبتمبر 2018. Photo www.huffpostmaghreb.com

بعد عشر سنوات من زيارتها الأولى للجزائر، استقبل العديد من كبار المسؤولين الحكوميين الجزائريين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في العاصمة الجزائر في 17 سبتمبر 2018 لإجراء محادثاتٍ ثنائية حول التعاون الاقتصادي وقضايا الهجرة.

ومع ذلك، لم ينضم أي وفدٍ من رجال الأعمال إلى المستشارة في زيارتها إلى الدولة الواقعة شمال أفريقيا، وفقًا لتصريحات نائبة المتحدث باسم الحكومة الاتحادية، أولريك ديمر، خلال مؤتمرٍ صحفي في برلين قبل أيامٍ من وصول ميركل إلى الجزائر العاصمة. كما لم يتم التوقيع على أي اتفاقياتٍ جديدة حول الاستثمارات الألمانية في الجزائر أو حتى أعلن عنها خلال أو بعد الزيارة.

كما شددت ميركل ورئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى، فحسب، خلال مؤتمرٍ صحفي في الجزائر العاصمة على أهمية الاستثمارات الألمانية في الجزائر، مضيفان أنه جرت مناقشاتٌ عامة حول 20 مشروع مختلف.

وبدلاً من الإعلان المتوقع عن مشاريع اقتصادية ثنائية جديدة، هيمنت على المحادثات قضايا إعادة المواطنين الجزائريين المقيمين بشكلٍ غير قانوني في ألمانيا والقضايا المتعلقة بالهجرة.

فمنذ ما أطلق عليه “أزمة اللاجئين” في أوروبا في عام 2015، كثف الاتحاد الأوروبي جهوده لظهور نظامه الحدودي على شواطىء شمال أفريقيا في محاولةٍ للحد من تدفقات الهجرة نحو الاتحاد الأوروبي. فقد تقطعت السُبل بمواطني أفريقيا جنوب الصحراء، ممن كانوا في طريقهم إلى أوروبا عبر الجزائر كبلد عبور في الماضي، على نحوٍ متزايد في الجزائر حيث أن نظام مراقبة الحدود الموسع بشكلٍ كبير في البحر المتوسط منع العديد من المهاجرين من مواصلة رحلتهم إلى الشمال. ولمواجهة ذلك، عززت الجزائر من جهودها للسيطرة على الهجرة غير النظامية على حدودها الجنوبية، والتي اشتملت على عمليات الإعادة الجماعية لمواطني جنوب الصحراء إلى النيجر ومالي المجاورتين. وفي الوقت نفسه، يدفع الاتحاد الأوروبي البلاد لتعزيز تعاونها المرتبط بالهجرة مع الحكومات الأوروبية.

وفي ظل هذه الظروف، لم يكن من المستغرب إعلان ميركل وأويحيى اتفاق الحكومتين على ترتيبات إجراءات إعادة المواطنين الجزائريين الذين يعيشون بصورةٍ غير قانونية في ألمانيا. يستند هذا إلى الإتفاق الثنائي بين البلدين لإعادة اللاجئين إلى ديارهم والذي تم توقيعه في عام 1997 حيث أن النهج الشامل للاتحاد الأوروبي لمنع الهجرة غير النظامية يشمل محاولاتٍ لتوسيع إجراءات إعادة دخول المواطنين غير الأوروبيين.

وقال أويحيى خلال المؤتمر الصحفي المشترك بعد الاجتماع مع ميركل، الذي حضره عددٌ من الوزراء الجزائريين الرئيسيين: “الجزائر مستعدة لاستقبال ابناءها سواء كان عددهم 3000 أو 5000.” ورغم أن أويحيى أكد على أن حكومته لن تقبل رحلات الطيران الخاصة كوسيلةٍ لترحيل الجزائريين، إلا أنه سلط الضوء على رغبة السلطات الجزائرية في التعاون مع الحكومة الألمانية بشأن عمليات إعادة اللاجئين غير الشرعيين إلى الوطن.

ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح لماذا وضعت ميركل وأويحيى إجراءات إعادة التوطين بهذا الإطار حيث يبدو أن العديد من القيود المتعلقة بإعادة إدخال الرعايا الجزائريين من ألمانيا إلى الجزائر قد تم حلها بالفعل في العام الماضي. ففي عام 2015، قامت ألمانيا بترحيل 57 جزائرياً فقط. ومع ذلك، ارتفع هذا الرقم بشكلٍ كبير في عام 2017 إلى 504. وفي الأشهر السبعة الأولى من عام 2018، قامت السلطات الألمانية بالفعل بإعادة 350 جزائرياً، وذلك بحسب الأرقام التي قدمتها وزارة الداخلية الألمانية ونقلتها صحيفة راينش بوست الألمانية. ووفقاً للسجل المركزي للأجانب، يوجد حالياً في ألمانيا 3,684 مواطن جزائري ملزمون بمغادرة البلاد، في حين لا تزال السلطات الألمانية تراجع حوالي 1,500 حالة لجوء.

في غضون ذلك، رفض أويحيى بشدة الاتهامات الموجهة للسلطات الجزائرية بسوء معاملة المهاجرين واللاجئين التي قدمتها العديد من جماعات حقوق الإنسان المحلية والدولية في الأسابيع الأخيرة، إذ قال “نحن متهمون بإلقاء الأفارقة في الصحراء… هذا خطأ،” مضيفًا أن عمليات ترحيل المواطنين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء إلى النيجر مؤخراً تم إجراؤها بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

علاوةً على ذلك، شددت ميركل خلال المؤتمر الصحفي على أن حكومتها تعتبر الجزائر دولةً “آمنة،” وهي ملاحظة مرتبطة بجهود الحكومة الألمانية لإعلان المغرب والجزائر وتونس على أنها “بلدان منشأ آمنة،” وهو تصنيف من شأنه أن يجعل إجراءات إعادة المواطنين من هذه الدول الثلاثة أسهل وأسرع، وفقاً للوائح الألمانية والأوروبية لإعادة اللاجئين إلى ديارهم.

ومع ذلك، فإن ازدهار التجارة بين البلدين في السنوات الأخيرة يرتبط ارتباطاً وثيقاً، أو جزئياً على الأقل، بمحاولات الاتحاد الأوروبي نقل نظام حدوده إلى الشواطىء الأفريقية. ففي ظل الحرب المستمرة في شمال مالي، فضلاً عن المخاوف الأمنية العامة المرتبطة بالحرب الأهلية الجزائرية الدموية في التسعينيات، التي غذتها الجماعات المتطرفة المسلحة التي تعمل في منطقة الساحل، قامت الحكومة الجزائرية بتحديث جيشها بشكلٍ كبير في السنوات الـ15 الماضية. وفي حين أن روسيا لا تزال أكبر موردٍ للعتاد العسكري في الجزائر، أصبحت ألمانيا ثاني أهم مزودي الجيش الجزائري ووزارة الداخلية بالعتاد العسكري.

وعلى صعيدٍ متصل، تضاعفت التجارة الألمانية الجزائرية تقريباً منذ أول زيارةٍ رسمية قامت بها ميركل للجزائر في عام 2008. ويرجع جزءٌ كبير من هذه الزيادة إلى صفقة أسلحة بقيمة 10 مليار يورو تمت الموافقة عليها من قبل مجلس الأمن الاتحادي الألماني في عام 2011، بما في ذلك إنشاء ثلاث مصانع لتجميع سيارات مرسيدس بنز رباعة الدفع (4×4) من طراز جي كلاس، وشاحنات النقل (Sprinter)، والشاحنات العسكرية (Zetros)، فضلاً عن مدرعات فوكس من تصنيع شركة راينميتال الألمانية المتخصصة بالإنتاج العسكري، والتي يتم تجميعها في الجزائر بالتعاون مع شركة MAN الألمانية وشركة حكومية جزائرية. بالإضافة إلى ذلك، وافقت شركة TKMS الألمانية للأنظمة البحرية على بيع أربع فرقاطات من طراز MEKO 200A إلى الجزائر. وتم منح العديد من الشركات الألمانية الأخرى (شركات كاسيديان، ورود وشوارتز، وكارل زايس التابعة لشركة EADS) الضوء الأخضر للانضمام إلى مشروع مراقبة الحدود ومشروع السيطرة على الحدود الجزائرية.

ومن الجدير بالذكر أن الإنتاج في مصانع تجميع مرسيدس بنز قد بدأ في عام 2012، في حين أكدت الحكومة الألمانية أن مصنع التجميع الخاص بمدرعات فوكس يعمل منذ مايو 2018.

واليوم، تشكل المركبات وقطع الغيار، بما في ذلك الإمدادات لمصانع التجميع المذكورة أعلاه والمكائن، أكثر من 40% من صادرات ألمانيا إلى الجزائر، في حين أن الفرقاطات التي تبلغ قيمتها مليار يورو تقريباً تعزز التجارة الثنائية. ففي عام 2016، صدّرت ألمانيا بضائع بقيمة 3,2 مليار يورو إلى الجزائر واستوردت بضائع من الجزائر بقيمة 1,3 مليار يورو. في حين أنه في عام 2007، بلغت قيمة الصادرات الألمانية إلى الجزائر 1,7مليار يورو فحسب.

عندما تم التوقيع على صفقات الأسلحة هذه في عام 2010، كان الهدف الرئيسي منها هو تعزيز قدرات الجزائر على التعامل مع الجماعات المسلحة النشطة في الصحراء الكبرى في الجزائر وتأمين حدودها في أعقاب سلسلةٍ من الهجمات الإرهابية من جانب هذه الجماعات. وعلى الرغم من أن مكافحة الهجرة غير النظامية وتهريب البشر في منطقة الساحل كانت وشيكة بالفعل في عام 2010، إلا أن أهميتها بالنسبة للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه مثل ألمانيا قد ازدادت بشكلٍ كبير منذ عام 2015. ولذلك فمن المتوقع أن تستمر ألمانيا والجزائر في التعاون الوثيق في هذا المجال، حيث لا تزال الحرب في مالي تُشكل تهديداً أمنياً كبيراً للجزائر. وفي هذه الأثناء، يواصل تهريب البشر والهجرة تأثيرهما على الخطابات السياسية في الجزائر وأوروبا.