وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المغرب وتونس يعالجان قانون الميراث الذي يقع ضمن المحرمات

Specials- inheritance law Tunisia
تونسيون يشاركون في احتجاجٍ للمطالبة بتغيير القانون الديني المتعلق بالميراث في العاصمة تونس، في 10 مارس 2018. Photo AFP

لا يزال قانون الميراث معقلاً لعدم المساواة في شمال إفريقيا والعالم الإسلامي بالمجمل. فغياب قانونٌ مدني للأسرة في المنطقة يخلق العديد من العقبات أمام المرأة والمساواة بين الجنسين. فبدلاً من المحاكم المدنية، تتولى المحاكم الدينية شؤون الزواج والطلاق والوصاية، فضلاً عن الميراث وغيره من القضايا القانونية التي تضر بالنساء في نهاية المطاف. وعلى الرغم من أن تونس والمغرب من بين القليل من الدول التي تتولى فيها المحاكم المدنية المشاكل الأسرية، إلا أن عدم المساواة لا تزال حاضرةً على شكل قانون الميراث، الذي يستند إلى القرآن الكريم، الذي يذكر أن النساء يرثن نصف ما يرثه الرجال. في الواقع، يمنح الفقه الإسلامي المرأة نصف ما يحصل عليه الرجال في الميراث، كما يجعل من الرجال مسؤولين مالياً عن النساء، على الرغم من أن هذا يعتمد على ظروف محددة ودرجة القرابة.

ومع ذلك، في عام 2014، ظهر العديد من الجدل في كلٍ من المغرب وتونس لمناقشة قانون الميراث. ولم تكن هذه المرأة الأولى التي يُطرح فيها هذا النقاش، بيد أن عام 2018 شهد أول مطالبة للمجتمع المدني وغيرها من الجماعات بإيجاد حلٍ ملموس لهذه القضية، كما كانت أول مرةٍ يستجيب فيها صانعي القرار في كلا البلدين بشكلٍ إيجابي. وعليه، أعلن الرئيس التونس، باجي قائد السبسي، في خطابٍ تزامن مع العيد الوطني للمرأة، تشكيل لجنةٍ للنظر في إرساء المساواة بين الرجال والنساء في جميع المجالات، بما فيها الميراث. وتعتبر هذه خطوة كبيرة للأمام، لا سيما أنه في عام 2016، قدم 27 عضواً في البرلمان مبادرةً تشريعية لتغيير قانون الميراث، إلا أنهم واجهوا معارضةً شرسة. وبالنسبة للسبسي، فإن السياق التونسي أصبح ناضجاً للتغيير، وعلى الرغم من أنه يتطلب إعادة تفسيرٍ للنصوص الدينية، فإن مراجعة القوانين المدنية التي تحكم الميراث هي جزء من تعزيز المساواة، وهي نفسها “أساس العدل وأساس الحياة في المجتمع.”

وبالتالي، أثنت معظم النقابات النسائية التقدمية في المنطقة على نية السبسي في إصلاح قانون الميراث، وسارت حشودٌ ضخمة من النساء والرجال على حد سواء لدعمها. ومع ذلك، ليس الجميع سعداء بهذا القرار.

ففي مقالٍ نشرته مؤخراً صحيفة واشنطن بوست بعنوان “لا تنخدعوا بالنزعة النسوية المزيفة للرئيس التونسي،” كتبت الدكتورة التونسية أسماء الغريبي: “أرفض قبول تدمير الديمقراطية على أنه ثمن لهذا الإنجاز. يجب أن نكون قادرين على الحصول على حقوقٍ متساوية بصفتنا نساء دون الاضطرار للتضحية بحقنا في الحكم الرشيد وسيادة القانون والعدالة لضحايا الاضطهاد. لا ينبغي لنا أن نختار… إن احتواء السبسي للنسوية المزيفة، حتى عندما ابتعد عن أسس الديمقراطية، هو جزءٌ من نمط أكبر. فهو يتبع نفس الاستراتيجية التي اتبعها الدكتاتوريون الذين عمل معهم في السابق: إعلان التقدم في حقوق المرأة لإخفاء ممارساته المناهضة للديمقراطية عن أعين الغرب.”

Specials- Inheritance law Tunisia
المصدر: AFP

من ناحيته، يرتبط الجدل حول المساواة في الميراث بقدرة المرأة التونسية على الزواج من شخصٍ غير مسلم. ولا تزال المرأة التونسية ترث نصف ما يرثه شقيقها، وفقا للقرآن الكريم، وخلافاً للرجل، يبقى زواجها في نهاية المطاف من غير المسلم باطلاً في نظر الدولة. ويتفق هذا مع التعميم الصادر عام 1973، والذي تعهد السبسي بإلغائه.

“هذه المبادرة خطيرة ومفاجئة. هل هذا هو التوقيت المناسب؟ هل هذه حقاً أولوية وطنية اليوم، بالنظر إلى السياق الاقتصادي والاجتماعي السائد في البلد؟” تساءلت منية إبراهيم، وهي عضو في حزب النهضة الإسلامي، في مقابلةٍ مع فرانس 24: “ألا يجب علينا أن نكون أكثر اهتماماً بتطور البلد؟”.

أما في المغرب، فقد أشعل المجلس الوطني لحقوق الإنسان النقاش حول قانون الميراث، عندما أثار مسألة مراجعة قانون الأسرة لضمان المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، وفقا للمادة 19 من الدستور. وهنا أيضاً، أصبح النقاش مثيراً للجدل وأثار جدلاً واسعاً على شبكة الإنترنت وخارجها.

ورحب معظم المدافعين عن حقوق المرأة وبعض الأحزاب السياسية، بما فيها حزب الأصالة والمعاصرة بالمبادرة، بيد أن حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم، وصف الاقتراح بأنه “خطوة غير مسؤولة” و”انتهاكٌ صارخ” للدستور.

ووفقاً لسعد غراوي، من ذي أرب ويكلي، فقد حفز الجدل حول الميراث في المغرب العلماء الدينيين والعلمانيين على حد سواء، وكذلك الناشطين والسياسيين. فعلى سبيل المثال، قال الداعية محمد عبد الوهاب رفيقي إن تونس اتخذت خطوة جريئة ينبغي النظر فيها في المغرب.

وأياً كان رأي الشعب التونسي أو المغربي، فقد رفع الجدل حول الميراث ستار المحرمات الذي لطالما أحاط بهذه القضية منذ عقود. وفي كلا البلدين، تم إدراج المساواة بين الجنسين في دساتير ما بعد الربيع العربي. وبالنسبة للعديد من منظمات حقوق المرأة، فإن الميراث هو أولاً وقبل كل شيء قضية اقتصادية يُحجم فيها الرجال عن تقاسم ثرواتهم حتى وإن ساهمت المرأة في بنائها. ولطالما جادل الرجال حول “قدسية” قانون الميراث “في حين أن هناك العديد من الأمور الأكثر قدسية، مثل عدم شرعية الربا،” بحسب سعيدة الادريسي، رئيسة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، وأضافت “سنطلق معركة المساواة في الميراث والمطالبة بحقوقنا.”