وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تطورات أوضاع حقوق الإنسان في عُمان

حقوق الإنسان في عُمان عمّال وافدون
عمّال وافدون، هنود وباكستانيون، يجتمعون بعد إنتهاء العمل في نزوى، عُمان، 22 ديسمبر 2014. Photo Obie Oberholzer/laif

تعرض سجل حقوق الإنسان في عُمان إلى انتقاداتٍ عديدة منذ نهاية عام 2015. تركزت هذه الانتقادات، التي صدرت من قبل منظماتٍ دولية معروفة، في مجالين أساسيين هما: حقوق العمالة الوافدة، وتحديداً خادمات المنازل، وقضايا حرية الصحافة والتعبير التي تراجعت على نحوٍ ملحوظ خلال النصف الأول من العام 2016.

فعلى صعيد حقوق العمالة الوافدة، فإن عُمان هي الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تُصدر تشريعات واضحة المعالم فيما يتعلق بحقوق العمال الأجانب مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى بحسب دراسة لاتحاد التجاري الدولي التي صدرت عام 2014، غير أن الدارسة وجدت أن التشريعات التي أصدرتها دول الخليج الأخرى لا تتطابق والمعايير الدولية المعمول بها، خصوصاً فيما يتعلق بحرية انتقال العمالة، داخل الدولة الواحدة أو خارجها، وبالتالي فإن هذه الدول مجتمعة هي في خانة منتهكي حقوق العمال بحسب الدارسة. ولكن، في وقتٍ سابقٍ هذا العام، درات نقاشاتٌ ومداولاتٌ بين مجلس الشورى ومجلس الوزراء وغرفة التجارة والصناعة حول إصدار قانون جديد للعمل يمنح العمالة الوافدة حقوقاً أفضل. بحسب ما ذكرته الصحافة المحلية.

وفي المقابل، فإن عُمان بين آوائل الدول الخليجية التي سمحت التشريعات فيها بإنشاء نقابات واتحادات عمالية. ففي يوليو 2006، أجازت تعديلات قانون العمل الصادرة بموجب المرسوم السلطاني رقم (74/2006)، تشكيل نقابات عمالية ونصت على إنشاء الاتحاد العام لعمال سلطنة عمان. غير أن ما يجدر ذكره، في هذا السياق، أن الاتحاد العام للعمال والنقابات العمالية والمهنية الآخرى تُعنى، على وجه الخصوص، بحقوق العمال العمانيين، في حين لا تجد العمالة الوافدة من يدافع عن حقوقها سوى سفارات الدول التي يأتون منها.

خادمات المنازل: اتجار واسترقاق

في يوليو 2016، أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش، ومقرها نيويورك، تقريراً موسعاً حول أوضاع خادمات المنازل في السلطنة، وصفت فيه أن “عاملات المنازل عرضة للاتجار والحصار.” وطالبت السلطات العمانية باتخاذ خطوات فورية لإصلاح نظام الهجرة التقييدي الذي يجعل العمال الوافدين تحت رحمة أرباب العمل، وتمكين عاملات المنازل من نفس إجراءات الحماية القانونية التي يتمتع بها العمال الآخرون، والتحقيق في جميع حالات الاتجار بالبشر والعمل القسري والاسترقاق المحتملة. وقد استندت المنظمة الدولية في تقريرها، إلى مقابلات شخصية أُجريت مع 59 عاملة منزل، وصفن وضعهن بالمزري والذي يُشبه الاسترقاق. وبحسب التقرير، توجد في عُمان 130 ألف عاملة منزلية، معظمهن من الفلبين وإندونيسيا والهند وسريلانكا ونيبال وأثيوبيا. غير أن اللجنة العمانية لحقوق الإنسان رفضت ما ورد في تقرير هيومن رايتس ووتش واعتبرته يفتقر إلى المنهجية. وقالت اللجنة العمانية لحقوق الإنسان في تقرير لها إن العمالة الوافدة في البلاد تتمتع بحقوق منصوص عليها في عقود عمل موثقة وأن القانون العماني يكفل للعمالة الوافدة حوق الشكوى والتظلم.

وفي مقالٍ نُشر في 27 أغسطس في الصحيفة العُمانية الناطقة باللغة الانجليزية ” تايمز أوف عُمان،” أثارت الصحيفة مجموعة من الأسئلة عن ساعات العمل التي يتعرض لها العمال الأجانب وعن الإجازات والعلاوات السنوية التي يحصلون عليها، وأشارت الصحيفة إلى أن معظم مستخدمي خدم المنازل في السلطنة لا يفكرون في هذه الأسئلة الواجب التفكير فيها. أسئلة الصحيفة جاءت في استعراضها لقانون العمل الجديد الذي تعمل الحكومة على إصداره في محاولةٍ لتحسين أوضاع العمالة الوافدة في البلاد.

حرية الصحافة والتعبير

وإذا كانت قضية حقوق العمال الأجانب لا تشغل بال كثير من العمانيين، باستثناء بعض ناشطي حقوق الإنسان والنخب المثقفة، فإن ما شهدته الساحة المحلية مؤخراً من ملاحقاتٍ أمنية طالت العديد من الكتاب والصحافيين العمانيين شغلت ولا تزال تشغل قطاع عريض من العمانيين، خصوصاً مع انتشار وسائل الاتصال وشبكات التواصل الاجتماعي. الأشهر الثمانية الماضية شهدت احتجاز القسم الخاص التابع لجهاز الشرطة والذي يُعد الذراع التنفيذي لجهاز الأمن الداخلي، سبعة كتاب وصحافيين عمانيين على خلفية كتابات لهم، بعضها على شبكة الانترنت، أعتبرتها السلطات تجاوزاً للخطوط الحمراء المرسومة. لكن سلطات الأمن أفرجت عن أربعة منهم، فيما عرض ثلاثة للمحاكمة ولا يزال واحد رهن الاحتجاز حتى كتابة هذا التقرير.

ففي يوم 20 ديسمبر 2015، أُستدعي الشاعر والمنتج التلفزيوني ناصر البدري للمثول أمام القسم الخاص، وفور مثوله تم احتجازه لمدة 12 يوماً دون أن توجه له تهمة محددة أو يعرض للمحاكمة، لكن المرصد العماني لحقوق الإنسان قال إن البدري احتجز بسبب تغريدات له على حسابه على تويتر انتقد فيها السلطان قابوس والأوضاع الاقتصادية في البلاد. ويُجرّم النظام الإساسي للدولة (الدستور) انتقاد السلطان، إذ تنص المادة (41) على أن ذات السلطان “مصونة لا تُمس واحترامه واجب.”

وفي 15 ابريل 2016، أُستدعي الكاتب والسينمائي عبدالله حبيب إلى القسم الخاص وتم احتجازه لنحو ثلاثة أسابيع، وذلك على خلفية كتاباته على شبكة الفيسبوك. لكن احتجاز حبيب شكل صدمة لعدد كبير من الكتاب والمثقفين في عمان وخارجها لما يتمتع به من مكانة وما عرف عنه من سلمية وبعد عن الإثارة. وقد اصدر كُتّاب ومثقفون عمانيون وعرب بياناً طالبوا فيه السلطات العمانية الإفراج الفوري عن حبيب. وكان بين أبرز من تبنوا البيان ودافعوا عن عبدالله حبيب صديقه الكاتب والمذيع في إذاعة عُمان الرسمية سليمان المعمري، غير أن رد السلطات كان مفاجئاً، فعوضاً عن الاستجابة إلى دعوة الإفراج عن السينمائي المحتجز، تم احتجاز صديقه الإذاعي المعمري لمدة 22 يوماً. وقد اصدر مثقفون وكتاب عمانيون وعرب بياناً آخر رفضوا فيه احتجاز الإذاعي العماني البارز، كما دعت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ومقرها العاصمة المصرية القاهرة، السلطات إلى سرعة الإفراج عنه. ويُعتبر المعمري أحد أبرز الأصوات التي طالبت بالتغيير والإصلاح عام 2011. وفي 25 يوليو 2016 قامت السلطات الأمنية باحتجاز رئيس تحرير صحيفة “الفلق” الالكترونية المعتصم البهلاني، وذلك على خلفية ما وصف بمطالبته بالتغيير وتجديد الدماء في الحكومة العمانية، حيث ترك رئاسة التحرير بعد الإفراج عنه. لكن البهلاني، وعلى عكس سابقيه إلى غرف الاحتجاز، لم يمكث سوى يومين قبل أن يُطلق سراحه.

وفي الرابع عشر من اغسطس 2106 أحتجز الكاتب الروائي حمود الشكيلي ولا يزال رهن الاحتجاز حتى كتابة هذا التقرير، ورغم أن السلطات لم تكشف عن أسباب احتجازه، فإن السبب يعود، على الأغلب، إلى كتاباته على الفيسبوك والتي ينتقد فيها الفساد والملاحقات الأمنية التي يتعرض لها زملاءه الكتاب والصحافيين.

قضية صحيفة الزمن: الإثارة المستمرة

غير أن القضية الأكثر إثارة وتفاعلاً والتي لا يزال الشارع العماني يتابع فصولها حتى كتابة هذا التقرير، هي ما بات يعرف بـ”قضية صحيفة الزمن” التي تعتقل السلطات منذ نحو شهر رئيس تحريرها واثنين من الصحافيين العاملين فيها، وذلك بعد نشرها تحقيقاً على صفحتها الأولى في تاريخ 26 يوليو2016 تتهم فيه رئيس أعلى سلطة قضائية في عمان، وهو رئيس المحكمة العاليا، بالفساد واستغلال المنصب. وبعد نشر التقرير قامت السلطات الأمنية باعتقال رئيس تحرير صحيفة الزمن إبراهيم المعمري ووضعته رهن الاحتجاز في مكانٍ لم يكشف عنه إلى أن ظهر عند مثوله أمام المحكمة يوم 15 اغسطس 2016.

وفي 9 اغسطس 2016 أصدر وزير الاعلام العماني قراراً بـ”منع نشر وتداول جريدة الزمن بكافة الوسائل ومنها الالكترونية.” وفي 15 اغسطس 2016 قُدم صحافيو الزمن الثلاثة إلى المحكمة بتهمة تتعلق بالمس بمؤسسة القضاء، وقالت اللجنة العمانية لحقوق الإنسان أنها حضرت وقائع الجلسة الأولى من محاكمة الصحفيين المتهمين في جريدة الزمن. وقد تأجل النظر في القضايا  إلى تاريخ 22 أغسطس 2016 وذلك لتمكين محامي صحفيي جريدة الزمن من الاطلاع على ملفات القضايا والالتقاء بالمتهمين مع إبقاء المتهمين في الحبس الاحتياطي.

انتقادات دولية واسعة

وقد تعرضت الحكومة العمانية لانتقادات واسعة من قبل العديد من المنظمات الدولية المدافعة عن حرية التعبير والصحافة. فقد اصدرت منظمة مرسالون بلا حدود بياناً نددت فيه باعتقال رئيس تحرير الزمن، وحذت اللجنة الدولية لحماية الصحافيين حذو مراسون بلاحدود، إذا أصدرت بياناً انتقدت فيه ما تعرض له الصحافيون العمانيون. أما منظمة العفو الدولية فقد وصفت أن ما يتعرض له صحافيو “الزمن” هو عقوبة تفرضها السلطات عليهم بسبب قيامهم بواحبهم المهني.

أما محلياً، فقد أطلق صحافيون وناشطون وسماً (هاشتاغ) على توتير أسموه #الصحافة_ليست_جريمة طالبوا فيه بالحرية لزملائهم في المهنة. وكتب الصحافي وناشر صحيفة ” البلد” الالكترونية تركي البلوشي على حسابه على توتير “لا يسمح لي ضميري، وتجربتي، وعملي كصحفي في #عمان أن أصمت عما يحدث لزملائي في المهنة، مهما قيل عنهم، لن أرضى بما يحدث لهم بسبب مهنة تجمعنا.” أما رياض البلوشي فغرد قائلاً “لو عوقب كل من أساء استخدام نفوذ منصبه والمسؤوليه الموكله له كان افضل من سجن من كشف الغطاء عن التلاعبات.” وقال جابر العجمي “لانها ربما الصحيفة الوحيدة التي حاولت أن تطبق مبادىء الصحافة بكل مهنية واحترافية أصبحت مجرمة!”
لكن السلطات التي أصدرت بياناً مقضباً نقلته وكالة الأنباء الرسمية قالت فيه أن ما نشرته الصحيفة “يعد تجاوزاً صارخاً لحدود وأخلاقيات حرية التعبير،” وأن ما نُشر “إضرار بأحد أهم المرافق التي يتأسس عليها كيان الدولة، وهو مرفق القضاء.” وبالتالي، لا يبدو أن الحكومة سترضخ للضغوط التي تتعرض لها من قبل الرأي العام المحلي ولا تلك التي تتعرض لها من قبل المنظمات الدولية.

ووفقاً للضربات غير المسبوقة على هذا النحو المتسارع التي تعرضت لها حرية التعبير والصحافة في عُمان خلال النصف الأول من العام الحالي، 2016، والتي استعرضناها في هذا المقال، فإن مركز عُمان في التصنيف العالمي، في مجال الحريات، تراجع وهو مرشح للتراجع خلال السنوات القادمة.

التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية عن أوضاع الحريات حول العالم ( 2015/2016)، كشف عما وصفه التقرير بتصاعد حدة القمع والتضييق والملاحقات بحق الصحافيين والكتاب ونشطاء حقوق الإنسان ومنتقدي الحكومة، رغم تعهد السلطات بالأخذ في الاعتبار بتوصيات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جلسة المناقشة الدورية لملف عُمان في شهر نوفمبر 2015. وفي السياق ذاته، جاء تصنيف مؤسسة بيت الحرية لعمان باعتبارها دولة تشهد الحريات فيها تراجعاً ملحوظاً، وقد وضعت المنظمة الأميركية الشهيرة هذا البلد في الدرجة 5,5، أي أفضل بدرجة ونصف فقط عن أسوأ البلدان في العالم.

ولا يُعرف كيف تفكر الحكومة في تحسين سجلها لحقوق الإنسان أو حتى إذا ما كانت مهتمة أصلاً بتحسينة.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles