وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

السلطة الفلسطينية تشدد قبضتها في الضفة الغربية

السلطة الفلسطينية تشدد قبضتها
متظاهرون فلسطينيون يشتبكون مع قوات الأمن الفلسطينية في مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة، في 26 يونيو 2021، عقب مظاهرة تندد بمقتل الناشط الحقوقي نزار بنات أثناء احتجازه لدى قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية. ABBAS MOMANI / AFP

صوفيا أكرم

تتواصل حملة القمع الوحشية التي تشنها السلطة الفلسطينية على الصحفيين والمتظاهرين الفلسطينيين منذ اندلاع المظاهرات في أعقاب وفاة الناشط الفلسطيني البارز نزار بنات في 24 يونيو 2021، والتي وصفتها منظمة العفو الدولية بـ”حملة القمع المروعة.”

السلطة الفلسطينية تشدد قبضتها
متظاهرون يرفعون لافتة كتب عليها “ارحل يا عباس،” وهم يهتفون بشعاراتٍ ويرفعون صور الناشط الفلسطيني الراحل نزار بنات. AHMAD GHARABLI / AFP

فقد خرجت احتجاجات صغيرة وسلمية في عدة مدن بالضفة الغربية، طالب فيها المتظاهرون بالمساءلة عن مقتل الناشط، وبحسب ما ورد، سرعان ما شن ضباط الأمن في السلطة الفلسطينية حملةً على الحشود مستخدمين الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية بمجرد أن بدأ الناس يهتفون “ارحل ارحل يا عباس” مطالبين باستقالة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يشغل المنصب منذ 16 عاماً.

وبحسب التقارير، تعرض المتظاهرون لاعتداءات جسدية من قبل الشرطة وأنصار فتح بينما ظهر أيضاً استهداف الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان من قبل قوات السلطة الفلسطينية أثناء توثيقهم الاحتجاجات. كما تُفيد التقارير أن العديد من الصحفيات اشتكين من تعرضهن للتحرش الجنسي وتم تهديدهنّ بالاغتصاب.  

يعدّ المسّ بشرف الفتيات إحدى الطرق التي تتبعها قوات الأمن الفلسطينية- المخابرات الفلسطينية والأمن الوقائي الفلسطيني- والتي يمكن أن يكون لها تداعياتٍ خطيرة في المجتمع الفلسطيني المحافظ، على حد تعبير الصحفي الفلسطيني المقيم في إسبانيا، معاذ حامد.

تشمل الطرق الأخرى محاولة إغلاق الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي أو نشر شائعات تفيد بأن الشخص قد سبق له التعاون مع إسرائيليين، وهنا يقول حامد إن الأشخاص الأكثر إثارةً للاهتمام هم أولئك الذين لديهم درجة من التأثير على الجمهور الفلسطيني، وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي.

ويقول إن مثل هذه الأساليب بنشر الشائعات والأكاذيب تستخدم منذ عشر سنوات على الأقل. ومن خلال استهداف الصحفيين، تأمل السلطات في وقف توثيق ما يحدث على الأرض ونشر الخوف بين الصحفيين الآخرين.

ويروي حامد كيف غادر فلسطين بسبب الاعتداءات الجسدية التي تعرض لها والتهديدات المرتبطة بتقاريره الصحفية، إذ ما زال حتى يومنا هذا متخوفاً من تداعيات الأمر. وبحسب ما قاله لنا في فَنَك: “ما حصل لنزار بنات. هؤلاء الأشخاص ليس لديهم خطوط حمراء.” 

من جهتها، دعت كلٌ من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى إجراء تحقيق بعد “مخاوف جدية بشأن قيود السلطة الفلسطينية على ممارسة حرية التعبير… ومضايقة نشطاء ومنظمات المجتمع المدني.”

وفي هذا الصدد، وصفت الصحفية والناشطة ميس أبو غوش، في مقطع فيديو نشرته ميدل إيست آي، مشاهد خارج مقر شرطة البيرة في رام الله عندما تم سحلها وضربها من قبل قوات الأمن الفلسطينية.

“كنا نتظاهر أمام مقر الشرطة للمطالبة فحسب بالإفراج عن الشباب المعتقلين،” هذا ما قالته الصحفية هند شريدة التي اعتقل زوجها موضحةً كيف هجم ضباط الشرطة من الذكور والإناث على حشود المتظاهرين مستخدمين غاز الفلفل. 

وأضافت، “تم سحلي عبر الشارع من قبل شرطيتين اللواتي أخبرنّ أحد رجال الشرطة بأن يقوم بإمساكي وضربي. واصلت إحداهن سحلي وطلبت من رجال الشرطة الإمساك بي وضربي… أرادوا أن نوقع على تعهد إلا أننا رفضنا. اتصلنا بأحد المحامين بعد أن قلنا مراراً وتكراراً أننا نريد استشارة محامٍ الذي طلب منا عدم التوقيع على التعهد. فقد أخبرونا أن هذا مجرد إجراءٍ لضمان احترامنا للقانون، إلا أننا أخبرناهم أننا لم نفعل ما يخرق القانون وما يستوجب منا التوقيع على التعهد.”  

كما يعتبر الناشط نزار بنات، الذي توفي عن عمرٍ يناهز الـ43 عاماً، من أشد منتقدي السلطة الفلسطينية حيث نشر قبل وفاته مقاطع فيديو على الفيسبوك ذكر فيها أنه يخشى من استهدافه. 

و يقول المسؤولون إنه أصيب بصدمةٍ عصبية، مما أدى إلى قصور حاد في القلب والرئة، لكن عائلته رفضت نتائج التحقيق ورووا كيف اقتحم أكثر من 20 ضابطاً من السلطة الفلسطينية منزله بينما كان في السرير وبدأوا في ضربه بالعصي والقضبان المعدنية قبل اعتقاله. 

وتظهر لقطات كاميرات المراقبة التي حصلت عليها شبكة القدس الإخبارية اللحظات الأولى لاعتقال نزار بنات.

وعليه، أكد تقرير الطب الشرعي أن الناشط تعرض للضرب على الرأس وأن وفاته لم تكن طبيعية. 

ومن الجدير بالذكر أن نزار بنات كان غالباً ما يلجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي لانتقاد السلطة الفلسطينية والدفاع عن حرية التعبير، إذ يتابعه على صفحته على الفيسبوك 114 ألف متابع. 

كما لطالما عُرف بانتمائه لحركة فتح، بيد أنه كان يخوض مؤخراً حملته الانتخابية كمرشح في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني. 

فقد سبق وتعرض بنات، أثناء تواجده في منزله برفقة زوجته وأطفاله في مايو 2021، لإطلاق نارٍ على منزله، إذ كان يعتقد أن حركة فتح كانت وراء الهجوم ودعا الاتحاد الأوروبي إلى قطع المساعدات عن الحركة، التي يعتبر الاتحاد الأوروبي من أكبر مانحيها. 

كما استنكر بنات مسبقاً تعاون السلطة الفلسطينية مع إسرائيل ، منتقداً موافقتها على أخذ مليون جرعة لقاح لفيروس كورونا توشك صلاحيتها على الانتهاء مقابل شحنة مستقبلية من لقاحات فايزر.

يُزعم تعاون إسرائيل مع السلطة الفلسطينية فيما يتعلق باعتقال نشطاء بارزين، مثل محامي حقوق الإنسان فريد الأطرش، الذي برز نشاطه خلال الاحتجاجات الحالية وكان من أشد منتقدي حملة السلطة الفلسطينية على المعارضة، حيث اعتقلته السلطات الإسرائيلية أثناء مروره بنقطة تفتيش في بيت لحم.

علّق البعض على ما يبدو أنه اتفاقٌ أمني مفيد للطرفين حيث تعتقل قوات السلطة الفلسطينية نشطاء مزعجين وتسلّمهم إلى إسرائيل.

كما اتهم بنات السلطة الفلسطينية باستخدام طرقٍ عدة لإسكات الناشطين بعد قتلها المعارضين، إذ تم توثيق هذا النمط من القمع من قبل جماعات حقوق الإنسان لسنوات حتى الآن.

ففي عام 2017، أغلقت السلطة الفلسطينية 30 موقعاً الكترونياً ينتقدها بينما قبل عامٍ واحد، حذرت جماعات حقوق الإنسان من قيام السلطة الفلسطينية باعتقال وإساءة معاملة وتوجيه تهم جنائية للصحفيين والنشطاء الذين ينتقدون السلطات سلمياً، بعد أن وثقت نمطاً من الانتهاكات منذ عام 2015. كما وثق مركز مدى، المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية، 192 حادثة في ذلك العام – بزيادة قدرها 68% عن العام السابق – حيث تم انتهاك حق الصحفيين في حرية التعبير من خلال استخدام الاعتقال التعسفي أو الاعتداء الجسدي أو حظر تغطية بعض القصص الإخبارية.

واليوم، الرأي السائد هو أن هذه مجرد محاولةٍ بائسة من قبل محمود عباس للتشبث بالسلطة وسط تراجع شعبيته، إذ يخشى أنصار الزعيم من عدم الاستقرار خلال حقبة ما بعد عباس، لكن يبدو أن المجتمع الدولي، الذي كان أكثر انشغالًا بتعاون إسرائيل و السلطة الفلسطينية، لا يُلقي بالاً بالقبضة الأمنية المشددة والاستبدادية المتزايدة من قبل السلطة الفلسطينية.

ومن الجدير بالذكر أنه لم يتم إجراء الانتخابات منذ عام 2006 ، ويرجع ذلك جزئياً إلى قِلة فاعلية المجلس التشريعي الفلسطيني، على الرغم من انتهاء ولاية عباس في عام 2009. فقد ألغى عباس الانتخابات المقرر إجراؤها في مايو 2021، بدعوى عدم اليقين بشأن ما إذا كانت إسرائيل ستسمح بإجراء الانتخابات. ومع ذلك، يقول مراقبون إن عباس يخشى خسارة كرسيه. 

ووفقاً للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، في تلك السنوات المرحلية، تمكن عباس من تطوير جهاز الأمن في الضفة الغربية للمساعدة في تعزيز موقعه في السلطة من خلال المساعدة في فرض القمع.

وفي الوقت الراهن، يريد الصحفيون الفلسطينيون محاسبة المسؤولين عن الهجمات على الصحافة، مثل رئيس شرطة السلطة الفلسطينية. فقد دعت نقابة الصحفيين الفلسطينيين إلى مقاطعة عالمية للمؤتمرات الصحفية للسلطة الفلسطينية إلى أن يحدث ذلك، لكن حامد يشك في أن النقابة ستضمن تحركاً ذا مغزى، إذ باعتقاده هناك تقارب كبير يجمعهم مع عناصر من السلطة الفلسطينية.

بدلاً من ذلك، يمكن أن يكون للمجتمع الدولي الأثر الأكبر في ممارسة الضغط على السلطة الفلسطينية لوقف الانتهاكات.

وعلى حد تعبير حامد، “السلطة الفلسطينية حساسة للغاية لصورتها في المجتمع الدولي. لذا، إذا حاول المجتمع الدولي التحرك ضد السلطة الفلسطينية، فإن السلطة الفلسطينية ستصاب بالذعر. [يمكننا أن نرى] أن هذا يحدث الآن.”