وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الغسيل الوردي: إحدى استراتيجيات إسرائيل العديدة لصرف النظر عن جرائمها ضد الفلسطينيين

يصوّر الجيش الإسرائيلي نفسه على أنه "الأكثر صداقةً مع مجتمع الميم-عين في العالم"، على الرغم من أن الفلسطينيين من أفراد هذا المجتمع لم يسْلَموا من القصف العشوائي، ولا الاعتقالات التعسّفية وخروقات نقاط التفتيش.

الغسيل الوردي
علم قوس قزح يتدلى من قارب خلال حدث أسطول “الفخر” في بحيرة طبريا في شمال إسرائيل في 24 يونيو 2022 ، بمناسبة شهر الفخر الدولي. جالا ماري / وكالة الصحافة الفرنسية

دانا حوراني

يشيرُ النشطاءُ الفلسطينيون إلى مصطلح “الغسيل الوردي” لإدانة استغلال إسرائيل لحركة مجتمع الميم-عين كوسيلةٍ لصرف نظر العالم عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها ضد الفلسطينيين منذ عقود.

على سبيل المثال، على موقع “TouristIsrael” – وهو مزوّد خدمات سفر إسرائيلي شهير – تمّ وصف الدولة ومدينتها تل أبيب على أنهما “الأكثر قبولًا وانفتاحًا في الشرق الأوسط في ما يتعلق بالمثليين”.

أما المعلومات التفصيلية حول حانات المثليين والشواطئ ومسيرات الفخر خلال شهر يونيو، مع التركيز على أن تل أبيب “المضيف الوحيد لمسيرة فخر المثليين في الشرق الأوسط”، تتجاهل حقيقة أن الاحتفالاتَ تُقامُ على قمّة أنقاض قُرى فلسطينية تم تطهيرها عرقيًا، وسط جرائم يومية بحق الفلسطينيين من كافة الميول الجنسية.

ويصوّر الجيش الإسرائيلي نفسه على أنه “الأكثر صداقةً مع مجتمع الميمعين في العالم“، على الرغم من أن الفلسطينيين من أفراد هذا المجتمع لم يسْلَموا من القصف العشوائي، ولا الاعتقالات التعسّفية وخروقات نقاط التفتيش.

ووفقًا للخبراء والنشطاء، فإن الغسيل الوردي له عواقب ثقافية وسياسية ضارّة. فعلى نقيض رواية إسرائيل عن الدولة الحديثة التي تحمي “المثليين الفلسطينيين“، تعمل المنظّمات غير الحكومية الفلسطينية والحلفاء الدوليون والأكاديميون بلا كلل للكشف عن العقبات التي يواجهها أفراد مجتمع الميم-عين الذين يعيشون تحت الاحتلال. كذلك لتذكير العالم بسياسات إسرائيل غير الديمقراطية.

دعمٌ انتقائيٌّ لمجتمع الميم-عين

وفقًا للناشط الفلسطيني عمر محمد، فإن إسرائيل تخلق روايةً ثنائيةً يُقارَن فيها “انفتاح” إسرائيل بـ “تخلّف” فلسطين.

يستخدم الاحتلال هذه الازدواجية لمناشدة الغرب ليس فقط عن طريق الغسيل الوردي، بل أيضًا من خلال النشاط البيئي المزعوم (ظاهرة الغسل الأخضر)، وما يُسمى بالمقاربات النسوية للسياسة (الغسيل الأرجواني).

وقال محمد لفَنَك: “إسرائيل ترسم فلسطين كدولةٍ بدائيةٍ بالقول أنّنا نهدم مساحاتنا الخضراء أو أنّنا لا نمنح المرأة حقوقًا متساوية، كطريقةٍ لتبرير احتلالها المستمر. إنّها تريد أن تقدّم نفسها على أنّها منقذ شرقٍ أوسطيٍّ بينما ترتكب أخطر الاعتداءات.

ونتيجةً لذلك، تنفُرُ إسرائيلَ أفراد مجتمع الميم-عين الفلسطينيين وتضلّلهم للاعتقاد بأنهم مرفوضون من جميع الأطراف.

وأضاف محمد: “أولئك الذين يؤيّدون هذه الرواية ويشعرون بأنهم مُسْتَبْعَدين وغير محبوبين من ثقافتهم الخاصة والمجتمع الأوسع من حولهم، هم بالأخصّ معرّضون للخطر”.

وعلى الرغم من أن المجتمع يواجه مواقفَ ذكورية راسخة ورهاب المثلية، لم تتدخّل إسرائيل أبدًا لمساعدة أو منح حق اللجوء للفلسطينيين من مجتمع الميم-عين القادمين من قطاع غزة أو الضفة الغربية.

وهذا يتعارض مع اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، والتي تمنح حق اللجوء لأولئك الذين لديهم “خوف مبرّر من الاضطهاد“، التي وقّعتها إسرائيل ولكنها تعتبرها غير قابلة للتطبيق على المواطنين الفلسطينيين.

وعلاوةً على ذلك، عندما تم العثور على جثّة الشاب الفلسطيني المحترق محمد أبو خضير في غابة القدس في 2 يوليو عام 2014، استمرّت وسائل الإعلام الإسرائيلية في طرح نظرية “جرائم الشرف” التي تُدين الأسرة لقتل طفلها لكونه مثليًا. وأصرّت الأسرة على أن هذه المزاعم كاذبة وثبتت صحّة كلامهم عندما ألقت الشرطة الإسرائيلية القبض على ستة من المشتبه بهم اليهود بتهمة اختطاف وقتل الشاب البالغ من العمر 16 عامًا.

ومن سخرية القدر، أيّدت القوى الاستعمارية الغربية رهاب المثلية الجنسية والمخاوف من الاضطهاد.

الاستعمار والغسيل الوردي

يقوم النظام القانوني الفلسطيني على مزيجٍٍ من التشريعات الدينية البريطانية والمصرية والعثمانية ومؤخّرًا الفلسطينية، بالإضافة إلى التوجيهات العسكرية الإسرائيلية. ومنذ عام 1948، لا يزال عدد كبير من هذه القوانين من دون تغيير.

وتم الحصول على “القانون الجنائي” لعام 1936، الذي يجرّم السلوك الجنسي المثلي بين الرجال، من البريطانيين خلال فترة انتدابهم على فلسطين. وهناك القليل من الأدلة على تطبيق القانون في الوقت الحاضر، ومن الناحية العملية يبدو أنه عفا عليه الزمن إلى حدٍّ كبير.

وصرّح رئيس تحرير الكتاب السنوي الفلسطيني للقانون الدولي، أنيس ف. قاسم، لـ “الانتفاضة الإلكترونية” أن قانون العقوبات يتجاهل الأفعال التي يرتكبها البالغون من الجنس نفسه بإرادتهم الحرة.

وقال قاسم: “بعد التحقّق من الحالات المُبَلَّغ عنها – كما نُشِرَت – ومع الممارسين الكبار والصغار، لم أجد أي قضية قضائية تتعلّق بالمثلية الجنسية”.

ومن ناحيةٍ أخرى، يؤكّد “المغسّلين الورديين” أن “الشرق معادٍ للمثلية الجنسية باستمرار لأنه يرفض اعتناق الليبرالية الغربية”. بينما تدّعي جماعة حقوق المثليين الفلسطينيين، القوس، أن “الغسيل الوردي هي عرض من أعراض المرض، [بينما] الاستعمار الاستيطاني هو جذر المرض”.

والغسيل الوردي، كما قال المؤلف جوزيف أ. بون في كتابه “Homoerotics of Orientalism“، يمحو عدّة قرونٍ من التاريخ حيث “الغرب المسيحي المتوتّر الذي اتّهم الشرق المسلم الفاسق بإيواء ما يُطلَق عليه بتعبير تلطيفي “نائب الذكر” (الشاذين جنسيًا).”

وبالنسبة لمحمد، فإن الجدل حول من هو الأكثر تسامحًا لا يخدم سوى “المغسّلين الورديين” لأنّه يصرف الانتباه عن الفصل العنصري الإسرائيلي.

وقال محمد: “إنّها لعبة خاسرة بالنسبة لنا وحجّة فائضة عن الحاجة للمشاركة فيها. فما الهدف من أن تكون أكثر تسامحًا مع حقوق مجتمع الميم-عين عندما تقتل الفلسطينيين الأبرياء باستمرار؟”.

وعلاوةً على ذلك، فإن إبطال وإسكات الأصوات الفلسطينية المؤيدة لمجتمع الميم-عين يتجاوز حدود الاحتلال. فقد أُلغِيَت مؤخّرًا دعوة الكاتب والناشط الفلسطيني محمد الكرد من قِبل معهد جوته لعقد مؤتمر بعنوان “بيع الفاشية؟ تذكر ما لم يباع” الذي من المقرّر عقده في ألمانيا في الفترة من 23 إلى 26 يونيو. وصرّح المعهد على تويتر أنه ” لم يكن الكرد المتحدّث المناسب لهذا المنتدى. ففي منشوراتٍ سابقة على مواقع التواصل الاجتماعي، أدلى بتعليقاتٍ عديدةٍ حول إسرائيل بطريقةٍ لا يجدها معهد جوته مقبولة “.

ونتيجةً لذلك، تعرّض المعهد للإدانات من قِبل الناشطين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي لتعارضهم مع هدف المائدة المستديرة. ومن ناحيةٍ أخرى، تلقّى الناشط رد فعل عنيف وشديد لدعمه المفتوح لمجتمع الميم-عين.

القومية المثلية كسلعة ثانوية

وفقًا لجاسبير بوار، وهو مُنظِّر مثلي مقيم في الولايات المتحدة، تحدث القومية المثلية عندما تطبّق الدولة المثلية الجنسية الليبرالية على أفراد مجتمع الميم-عين غير المعياريين، وبالأخص المسلمين الذين يتم تقديمهم على أنهم “أشرار” معادون للمثلية، لا سيما في أعقاب 9 / 11.

ويشير الباحث اللبناني رالف حداد في دراسته، “إضفاء الطابع المثلي على الاحتلال: جنسيات الاستعمار الإستيطاني في عصر القوميّة المثليّة” لمجلة “كحل” إلى أنه وفقًا لبوار، فإن تجربة الذكور المثليين من رابطة الدول المستقلة في الولايات المتحدة ترسم معايير التقدّم. فأصبح يتم تقييم البلدان بناءً على حقوق السكان المثليين في الزواج من الجنس نفسه والخدمة العسكرية وتبنّي الأطفال.

وبحسب حداد، فإن هذا يزيد من نفور مجتمع الميم-عين في جنوب العالم ويقلّل من تجاربهم.

ونتيجةً لذلك، أصبحت الهوية الغربية للمثليين هي المعيار السائد، في حين تم محو التجارب المختلفة، مثل التجربة الفلسطينية، من المجال العام، كما يقول الباحث.

وقال حداد: “إن خطاب مجتمع الميم-عين الأوروبي-الأمريكي الذي يركّز على احتفالات الفخر وقصة “الكشف عن التوجّه الجنسي”، لا يعني أن معركة أي شخص آخر هي أقل شرعية، خاصةً إذا اختاروا التعبير عن مثليّتهم بشكل مختلف”.

ويشير محمد إلى أن هذا يضرّ بشكل خاص بأفراد مجتمع الميم-عين في فلسطين، الذين يستوعبون هذه القصص ويشعرون بالنقص نتيجةً لذلك.

وأضاف حداد: “في حين أنه من الضروري مناقشة التحيّز الطائفي في بلادنا في الشرق الأوسط، يجب ألا نغفل عن النضال الفلسطيني الذي يدور حول مواجهة الاستبداد والتمييز والفظائع الإسرائيلية”.

ولمواجهة سياسة الغسيل الوردي، طوّرت منظّمات مثل PQBDS والقوس و  Pinkwatching Israel استراتيجية مراقبة اللون الوردي، التي تطالب فيها بالعدالة السياسية والاقتصادية لجميع الفلسطينيين.

ونتيجةً لذلك، فإن مجتمع الميم-عين وحلفاؤه يقاتلون على عدّة جبهات، وكان أكبر صراع ضدّ قوّة غزو تحاول محوهم من الخريطة، وفقًا لمحمد.

كما أوضح محمد أنه “على الرغم من كل الكراهية والتحيّز، لم يتّخذ المجتمع خطوات كبيرة إلى الأمام في السنوات الأخيرة”. وأضاف الناشط “لا خيار أمامنا سوى محاربة النظام البطرياركي (الذكوري الأبوي) والاحتلال في آنٍ واحد. ونضالنا في فلسطين فريد من نوعه، نحن عنيدون ولن نستسلم”.