وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

التدخل السياسي في عمل الشرطة والقضاء وتفشي الفساد في إسرائيل

التدخل السياسي في عمل الشرطة
أصدقاء وأقارب موسى حسونة، فلسطيني إسرائيلي من سكان اللد قُتل بالرصاص في مايو 2021، يرفعون لافتات وصورته خلال مسيرة للاحتجاج على قرار الشرطة في أكتوبر / تشرين الأول بإغلاق القضية ضد القتلة المشتبه بهم. أحمد قرابلي / وكالة الأنباء الفرنسية

جاستن صالحاني

تحقق الشرطة الإسرائيلية هذه الأيّام في مقتل فلسطيني يحمل الجنسية الإسرائيلية. وفي تتبعه للتحقيق أفاد مركز “عدالة الفلسطيني”، وهو منظمة غير حكومية معنية بحماية حقوق الأقلية العربية، تأسس في عام 1996، والشرطة تتعرض لضغوط من كبار الساسة لإغلاق هذا التحقيق. وقد حصل المركز على مقطع مسرب لأفراد من الشرطة الإسرائيلية تؤكد هذه الضغوط.

ويظهر في المقطع ضابط يخبر زميلًا له بأن أحد الوزراء “يتصل كل عشر دقائق” للاطمئنان على مسار التحقيق في قضية موسى حسونة، وهو ما أثار المخاوف من تكرار التدخل السياسي في القضاء الإسرائيلي.

وقد قُتل حسونة، وهو فلسطيني يبلغ من العمر 32 عامًا وأب لثلاثة أطفال، في مدينة اللّد عقب أعمال شغب لمستوطنين إسرائيليين من اليمين المتطرف في مايو 2021. وجاء ذلك على خلفية التوترات التي صاحبت الهجمات الإسرائيلية على المسجد الأقصى وحيّ الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة. وعقب ذلك، ألقت الشرطة القبض على خمسة إسرائيليين، وبعد ثلاثة أيّام  أُطلق سراحهم وأغلقت محكمة إسرائيلية التحقيق بالكامل في أكتوبر 2021. وزعم مكتب المدعي العام أن الإسرائيليين قد أطلقوا النار على الفلسطينيين دفاعًا عن النفس وأن القضية تفتقر إلى أيّ أدلة ذات قيمة. وأفاد الطّب الشرعي أن المشتبه به الخامس أطلق النار خلال الاشتباكات ولم يُبيّن ما إذا كان هو قاتل حسونة.

ومن جهته، قدّم مركز عدالة استئنافًا نيابةً عن عائلة حسونة وذلك لإعادة فتح القضية، وزعم أن التحقيق “معيب” ويشوبه “الإهمال”. كما كشف المركز أيضًا في استئنافه عن مواد إضافية تشير إلى تعرض الشرطة لضغوط من ساسة إسرائيليين طوال فترة التحقيق.

وجدير بالذكر أن إسرائيل تضم 1.8 مليون مسلم ومسيحي أغلبهم من نسل 160 ألف فلسطيني عجز الإسرائيليون عن طردهم بعد إعلان قيام دولتهم عام 1948 ونسبتهم من السكان تصل إلى نحو 20%، أمَا نصيبهم من مقاعد البرلمان فلا يتجاوز 10%، وبحسب ما أفادت مؤسسة فريدم هاوس، يواجه هؤلاء المواطنون أيضًا تمييزًا قانونيًا بالإضافة إلى شتى أنواع التفرقة مقارنة بغيرهم من المواطنين داخل “الخط الأخضر”.

وذكر تقرير فريدم هاوس الصادر عام 2021 عن الحالة الإسرائيلية أن “المواطنين اليهود، وتحديدًا ذوي الأصول الأشكنازية، يتمتعون عادةً بامتيازات عملية أكبر من بقية المواطنين في أمور مختلفة تشمل المعاملة القانونية والظروف الاجتماعية والاقتصادية”.

وأدان خبراء عدة تدهور استقلال القضاء في البلاد على مدى العقد الماضي، ويُعزى ذلك في الأغلب إلى سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، الذي خلفه في يونيو الماضي نفتالي بينيت المعروف بتشدده تجاه الفلسطينيين ومناهضتهم. ولذا من المتوقع أن تستمر السياسات نفسها تجاه القضاء للنيل من استقلال هذا الأخير. وقد اتخذت الحكومات بالفعل خطوات من شأنها تغليب السلطة التنفيذية وصلاحيتها على السلطة القضائية.

ووفقًا لما ذكرته الباحثة داليا شيندلين في تقرير صادر عن مؤسسة القرن، “تشمل الجهود التي جرت على مدار العقد الماضي تشريعات وتغييرات إجرائية وتعيينات قضائية وحملات انتخابية تستهدف النيل من السلطة القضائية. وقد نظّم اليمين المتطرف هجمات إعلامية واستخدم أيضًا منظمات المجتمع المدني المناهضة للقضاء؛ وروّج لخطاب عام هو أقرب للتحريض واستهدف المسؤولين الحكوميين حتى يتجاهلوا تنفيذ الأحكام القضائية.

أتى مقتل حسونة على خلفية عمليات الإخلاء التي شرعت فيها الحكومة الإسرائيلية في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية المحتلة. وزعمت إسرائيل أن الأرض التي اشترتها ثماني عائلات فلسطينية وشيّدت عليها بيوتها غير قانونية وهددت أهلها بالطرد. وقد تعرضت العائلات الفلسطينية لمضايقات المستوطنين والشرطة الإسرائيلية، وانتشر في وسائل الإعلام العالمية مقطع مصور لمستوطن يبرر سرقته لمنزل عائلة فلسطينية. فنزل الفلسطينيون إلى الشوارع في احتجاجات واسعة في أكثر من 20 مدينة، ونُظمت حملة عالمية على وسائل التواصل الاجتماعي جذبت انتباه الملايين للظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون، بالمقابل خرج المستوطنون الإسرائيليون في مسيرات بمدينة اللّد لمواجهة الفلسطينيين.

وفي عام 2017، أقرّت إسرائيل الوضع القانوني لمستوطنات أُقيمت على أراض فلسطينية مملوكة وفقًا لأحكام الملكية الخاصة، وأثار ذلك الحكم جدلًا كبيرًا واعتبر خروجًا سافرًا على حكم آخر صدر عام 1979 كان قد أيد مزاعم قرويين فلسطينيين ضد مستوطنة اسمها ألون موريه في ضواحي نابلس. ويرجع ذلك الجور والظلم على حقوق الفلسطينيين إلى النفوذ والتأثيرات السياسية.

وكان نتنياهو يأمل في تشكيل حكومة جديدة في مارس 2021، ولو نجح في مسعاه لاختار على الأرجح في حكومته شخصيات أكثر تطرفًا من أي وقت مضى؛ ومنهم اليهود العنصريون الذين يؤمنون بسمو اليهود على غيرهم، والمؤيدون لسياسات الضمّ، فضلًا عن اختيار أشد السياسيين مناهضةً للقضاء في إسرائيل. ولأن فترة حكمه قد شهدت انحرافًا أكبر من الحكومة والمجتمع نحو اليمين، نال القضاء نصيبه من هذه التحولات وصار عرضةً لضغوط أكبر.

وبيّنت شيندلين في مقال لها بصحيفة “ذا نيو ريبابلك” في يوليو 2021 أن “تستفيد الدولة الدينية القومية والحكم الدائم للفلسطينيين من ضعف القضاء وهشاشة الحماية الدستورية”.

وفي تصنيف منظمة فريدم هاوس، كان مجموع نقاط إسرائيل في بند سيادة القانون 11 نقطة من أصل 16 نقطة، في حين حققت العلامة الكاملة في بند استقلال السلطة القضائية، وذلك لأنها “تصدر بانتظام أحكامًا ضد الحكومة”. بينما حققت درجات أقل بكثير فيما يتعلق بحماية الحقوق في المسائل المدنية والجنائية، والحماية من الاستخدام غير المشروع للقوة المادية والتعذيب أثناء التحقيق، والمساواة في المعاملة بين شرائح مختلفة من المواطنين بموجب القانون والسياسة العامة.

علاوة على ذلك، ذكر التقرير أيضًا أن “بعض السياسيين اليمينيين يدفعون من أجل إصلاحات من شأنها أن تسمح للكنيست بتجاوز المحكمة العليا عندما تحكم بعدم صحة أحد التشريعات”. ولا ندري إن كانت التسريبات الأخيرة للّقطات المسربة وغيرها من الأدلة الأخرى في مثل هذه القضايا ستؤثر على تصنيف فريدم هاوس في 2022.

تتشدق إسرائيل دومًا بحالة “الأقلية العربية” وتعتبرها دليلًا على التزامها حقوق الإنسان والمساواة، في حين يصف تقرير منظمة العفو الدولية معاملة إسرائيل لغير اليهود من المواطنين بأنها تعبّر عن “نظام تفرقة عنصري“. وقد دعم التقرير ذلك مستشهدًا بعدد من القوانين والسياسات التي تدل على معاملة إسرائيل لمواطنيها الفلسطينيين باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية. وتشمل هذه القوانين منعهم من الحصول على الجنسية الإسرائيلية في حال تزوجوا بمواطنين إسرائيليين، والتمييز المؤسسي على مستوى الدولة ضد الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين على حدّ سواء، فضلًا عن منع أي مواطن فلسطيني من تولي مناصب رفيعة المستوى في الجيش أو الحكومة.

لم يكن مقتل حسونة حادثة منفردة، فقد قتل المستوطنون الإسرائيليون خمسة فلسطينيين وجرحوا 137 آخرين وتسببوا في أضرار جسيمة بالممتلكات في 287 حادثة حتى  22 أكتوبر الماضي، وذلك بحسب ما ذكره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. ووفقًا للبيانات الحكومية، فإن عدد حوادث العنف من المستوطنين ضد الفلسطينيين في النصف الأول من عام 2021 كان أكثر من ضعف حوادث العنف في النصف الأول من عام 2020 وأكثر من حوادث العنف في 2019 بأكمله.

ويكشف تسريب التحقيق في مقتل حسونة عن الامتيازات التي يتمتع بها المستوطنون وما يرتبط بها من ظلم للفلسطينيين. ويُضاف إلى ذلك سيل الأدلة الدامغة التي توضح التمييز والتفرقة التي تشمل الفلسطنيين غير المواطنين فضلًا عن الأقلية الفلسطينية في دولة الاستعمار الاستيطاني.

وبذلك تنقض إسرائيل تمامًا زعمها الأكبر و ادعاءها بأنها “واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط“، فهي تلتزم التزامًا ممنهجًا مبدأ التفرقة والتمييز ضد الفلسطنيين في إسرائيل والأراضي المحتلة. ولربما يكون قبول استئناف مركز “عدالة” يعود الى كثرة الشبهات التي عابت التحقيقات في قضية حسونة، وهي خطوة عقلانية في سبيل تفكيك نظام الفصل العنصري.