وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المغرب: الاصلاحات المقترحة تزيد من حدة النقاش حول إلغاء القوانين التي تنتهك “خصوصية غرف النوم.”

Berbers morocco
متظاهرون يهتفون بشعاراتٍ خلال تجمع حاشد في 20 فبراير 2014 في الرباط للمطالبة بالتغيير في الذكرى السنوية للحركة المؤيدة للإصلاح في المغرب. Photo: FADEL SENNA / AFP

يقترح دعاة حقوق الإنسان في المغرب إصلاحات “تاريخية” للحريات الفردية، إلى جانب سلسلةٍ من التعديلات الأخرى على قانون العقوبات. ومن بين التوصيات إلغاء تجريم الجنس خارج إطار الزواج، وهو ما يطالب به المجتمع المدني منذ بعض الوقت.

وفي هذا الصدد، دعت هيومن رايتس ووتش البرلمان المغربي إلى تبني المقترحات الخاصة بتكريس الحريات الفردية.

فقد حددت المذكرة التي نشرها المجلس الوطني لحقوق الإنسان المرتبط بالدولة في 28 أكتوبر 2019 المواد 480 و490 و491 من قانون العقوبات التي تجرم العلاقات الجنسية المثلية والعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج والزنا على التوالي، والتي تقول هيومن رايتس ووتش أنها تنتهك الحق في الحياة الخاصة على النحو المكفول بموجب الفصل 24 من الدستور المغربي.

ومن الجدير بالذكر أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان تأسس في عام 1990 لتقديم التوجيه بشأن قضايا حقوق الإنسان للمؤسسات المغربية.

وبحسب أحمد بن شمسي، مدير التواصل في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، ستسهم الإصلاحات في مراجعة شاملة لقانون العقوبات، الذي كان قيد نقاشات البرلمان على مدار العامين الماضيين. وقال بن شمسي في بيانٍ أصدرته المنظمة، “ينبغي للبرلمان المغربي أن يُخرِج الدولة من غرف النوم، وأن يسمح للناس بأن يعيشوا حياتهم الخاصة بالتراضي دون خوف من المحاكمة والسجن.”

وفيما يتعلق بالعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، فقد تم في عام 2018 وحده مقاضاة 7,721 من البالغين بسبب ممارسة الجنس بالتراضي خارج إطار الزواج. ومن هذا الرقم، تم توجيه الاتهام بالزنا لـ3,048 منهم، و170 بممارسة العلاقات الجنسية المثلية، و4,503 كانوا أشخاصاً غير متزوجين مارسوا الجنس.

إن معركة نزع الصفة الجرمية عن هذا التصرف الذي يمتاز بالخصوصية في الحياة المغربية مستمرٌ منذ عدة سنوات، إذ كان التطرق لمثل هذه المواضيع من المحرمات ويعدّ موضع ازدراءٍ من قبل الحزب الإسلامي البارز ورجال الدين في البلاد على وجه الخصوص.

ومع ذلك، فإن النقاش الداعي إلى نزع الصفة الجرمية عن مواد قانون العقوبات التي يرى المجتمع المدني أنها إشكالية قد اشتد منذ عام 2012.

تستند المادة 490، التي تحظر صراحةً ممارسة الجنس قبل الزواج، إلى الشريعة الإسلامية. فقد سبق أن صرح وزير العدل مصطفى الرميد إنه سيستقيل من منصبه في حال تمت المصادقة على ممارسة الجنس بالتراضي خارج إطار الزواج.

ومثالٌ على ذلك، شهدت التصورات السلبية عن ممارسة الجنس خارج إطار الزواج تقديم المحكمة نصيحةً لفتاةٍ تبلغ من العمر 16 عاماً بالزواج من مغتصبها للحفاظ على شرف العائلة. انتحرت المراهقة أمينة الفيلالي في عام 2012 بعد تعرضها للضرب على أيدي زوجها وتجاهلها من قبل عائلتها.

كما دعت 22 منظمة نسوية مغربية وزارة العدل إلى إلغاء المادة 490، التي تقضي بالسجن لمدة سنة واحدة إذا ثبتت إدانة المتهم، وأن تسمح بالعلاقات الجنسية قبل الزواج بين البالغين.

من جهتهم، عارض رجال الدين إبطال هذه المواد، إذ قال بن شمسي لفَنَك أن الإسلاميين “سيعارضون ذلك بالتأكيد لأنهم يعتقدون أن هذا هجوماً على قيمهم التقليدية.”

وبحسب قوله، “من المتوقع أن ترفض شرائح المجتمع المحافظة هذه التوصيات. لكن القطاعات الأخرى في المجتمع ستدعمها.”

كما يجادل المحللون أيضاً بأن الرجال والنساء يمارسون الجنس خارج إطار الزواج بالتراضي في كثير من الأحيان. فقد كشفت دراسة أجرتها وزارة الصحة عام 2007 أن 36% من الشباب المغربي و15% من الشابات مارسوا الجنس خارج إطار الزواج، رغم الإعتقاد أن الرقم الفعلي أعلى من ذلك. ومع ذلك، تبرز مخاوف من أن القوانين الأكثر صرامة ستؤذي المجتمع، وتخاطر بزيادة الإحباط الجنسي والتحرش الجنسي.

وفي الوقت نفسه، يختار المزيد من الشباب المغربي تأجيل الزواج، حيث يبلغ متوسط سن الزواج للرجال 32,1 وللنساء 26,4 في المناطق الحضرية، وفقاً لدراسة أجرتها اللجنة العليا للتخطيط في المغرب عام 2014. وقبل جيل، كان متوسط سن الزواج 24 سنة للرجال و17 سنة للنساء. وبحسب عالم الاجتماع عبد الصمد الديالمي، أدى هذا التأخير إلى “الكثير من ممارسة الجنس قبل الزواج والجنس خارج إطار الزواج وظهور الشذوذ الجنسي والمثلية.”

وفي الآونة الأخيرة، أثارت قضية الصحفية هاجر الريسوني وخطيبها رفعت الأمين اللذان حكم عليهما بالسجن لمدة عام بتهمة ممارسة الجنس قبل الزواج والإجهاض المزعوم، النقاش العام حول العلاقات الجنسية بالتراضي خارج إطار الزواج.

كما حُكم بالسجن على العاملين بالمجال الطبي المرتبطين بالقضية. ومن جهتها، أنكرت الريسوني قيامها بالإجهاض، كما يعتقد نشطاء آخرون أن التهمة لفقت لها بدوافع سياسية بسبب تقاريرها الإنتقادية للحكومة.

وفي ذلك الوقت، جادلت هيومن رايتس ووتش أن الجرائم التي اتهمت بها لا ينبغي تجريمها أصلاً.

تم العفو عن الريسوني بعد أكثر من أسبوعين تقريباً في 16 أكتوبر 2019، إذ قالت لوكالة الأنباء الفرنسية إنها تعتقد أن قضيتها أثارت نقاشاً “مفيداً وصحياً” ودعت إلى إلغاء تجريم المثلية الجنسية والجرائم الأخرى التي تزج بصاحبها بالسجن.

كما وقع آلاف المغاربة أيضاً بياناً على الإنترنت يعارض تجريم ممارسة الجنس خارج إطار الزواج وكذلك الإجهاض.

وبموجب المادة 490، يمكن للجيران رفع دعوى ضد الزوجين إذا اشتبهوا في إقامتهم علاقة جنسية خارج إطار الزواج، شريطة الإمساك بهم متلبسين أو اعترافهم بذلك. وعلاوةً على ذلك، يمنع غير المتزوجين بموجب القانون من التشارك في غرفةٍ في الفندق، على الرغم من أن القاعدة لا تطبق على الأجانب.

كما يميل المجتمع المغربي إلى تشويه سمعة الأطفال المولودون خارج إطار الزواج، وكذلك هو حال الأمهات العازبات، ولا تسجل الدولة ولادة الطفل في حال عدم وجود الأب.

وبالإضافة إلى إلغاء القوانين التي تحكم ممارسة الجنس قبل الزواج والإجهاض، أوصى المجلس الوطني لحقوق الإنسان أيضاً بتجريم الاغتصاب الزوجي، وإلغاء عقوبة الإعدام، وإلغاء البنود من قانون العقوبات التي تحظر التبشير، والتي يقول المجلس إنها استخدمت لتبرير ترحيل المسيحيين، إلى جانب إلغاء تجريم الأكل أو الشرب في الأماكن العامة خلال ساعات الصيام في رمضان.

وبعد عدة أيام من نشر المجلس الوطني لحقوق الإنسان المذكرة، رفض رئيس الوزراء سعد الدين العثماني والوزير المكلف بحقوق الإنسان مصطفى الرميد من حزب العدالة والتنمية الإسلامي، الذي يحتل 125 مقعداً في مجلس النواب الذي يضم 395 مقعداً، التوصيات بشأن الحريات الفردية.

في حين أن حزب التقدم والاشتراكية، الذي يمتلك 12 مقعداً في البرلمان، هو الحزب الوحيد الذي يدعم التوصيات. ووفقا لبن شمسي، لا تزال هذه “لعبة مفتوحة” لنرى فيما إذا كان البرلمان سيوافق على المقترحات.

ويقال إن الأحزاب الأخرى ستقترح تعديلاتٍ على مشروع قانون العقوبات خلال المراجعة البرلمانية باعتبارها “تفاعلاً إيجابياً” مع توصيات المجلس. كما أبدت أكثر من 25 منظمة غير حكومية دعمها للتوصيات.

وعلى الرغم من إجراء إصلاح شامل لقانون العقوبات قيد المداولة، إلا أن المواد المتعلقة بالحريات الفردية، وخاصة ممارسة الجنس بالتراضي وخارج إطار الزواج، قد حظيت باهتمامٍ خاص.

ومع ذلك، فإن التغييرات في السياسة لن تغير مواقف الرأي العام على الفور. فالإدانة المجتمعية للمواعدة والتصورات العامة السلبية لممارسة الجنس خارج إطار الزواج قد تبقى قائمةً لبعض الوقت.