وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

اليمن: حيث تواجه حقوق الإنسان العديد من الأعداء

وقفة احتجاجية في صنعاء ضد قوات الأمن
وقفة احتجاجية في صنعاء ضد قوات الأمن، التي فرضت الهجرة القسرية على سكان شمال اليمن، 9 مايو، 2016 Photo Mohammed Hamoud / Anadolu Agency.

لتُوجِد حقوق الإنسان، لا بد من توافر بعض الشروط الأساسية. فنحن بحاجة لأدواتٍ قانونية، ولكن هذا لا يكفي. على الأقل، ليس بأهمية إنفاذ تلك القوانين. وأيضاً، لا بد أن يكون هناك تأييدٌ من الرأي العام. وفي اليمن، تعتبر جميع هذه الجوانب جدليّة.

الإطار القانوني هو الأقل إشكالية، حيث يضمن الدستور اليمني عدداً لا بأس به من الحقوق، إذ تتوفر الانتخابات الحرة، تماماً كما هو حال الرئيس المنتخب والسُلطة القضاية المستقلة. كما يُسمح بتشكيل الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية. في الحقيقة، يُقدم الدستور اليمني حرياتٍ بشكلٍ أكبر من العديد من نظرائه الإقليميين.

كما أنّ حقوق الإنسان الحديثة، مثل الحق في العمل، والحق في التعليم، والحق في الرعاية الصحية مصونة أيضاً بالقانون. وعلاوة على ذلك، فإن البلاد من الدول الموقعة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (غير الملزم)، فضلاً عن كونها عضواً في عشر إتفاقيات أخرى (ملزمة) لحقوق الإنسان، ولطالما كان فيها منصبٌ لوزير حقوق الإنسان لسنوات.

ومع ذلك، فإنّ فعالية هذه التدابير أمرٌ مشكوكٌ فيه. فقد أبدى اليمن تحفظاتٍ على اتفاقاتٍ دولية، وبذلك يقوّض جزئياً بعض حقوق الإنسان التقليدية؛ التي يُنظر إليها إقليمياً باعتبارها غربيةً وغير قابلة للتطبيق عالمياً. النتيجة: يفتقر اليمن إلى الحرية الدينية، والمساواة بين الجنسين، وحقوق المثليين. كما أنّ حرية التعبير محدودةٌ أيضاً، إذ أن الخطوط الحمراء دينية وسياسية على حد سواء.

ولكن، تكمن المشكلة الأكبر في تطبيق القانون: حتى أنّ الحقوق الأقل إثارةً للجدل لم تطبق. بل إن إقامة دولة مستقرة مع قاعدة راسخة من القانون هي أبعد ما تكون عن الواقع. لسنوات، كان اليمن في واقع الأمر ديكتاتورية في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح (2012-1990). فقد كان الفساد والمحسوبية والقبلية وهوس السرقة القاعدة السلوكية.

أما الافتقار إلى حقوق الإنسان الأخرى فلا علاقة له بعدم التنفيذ أو تأييد الرأي العام، بل بسبب انتهاكها من قِبل منفذيها أنفسهم. فهناك تقارير عديدة حول عمليات القتل والخطف والتعذيب والاعتقال التعسفي من قبل قوات الأمن، قبل وأثناء الحرب الحالية على حد سواء.

فمن الأسلم القول أن حقوق الإنسان وحمايتها لم تكن ذات أولولوية كبيرة على أي جدول أعمال، باستثناء عدد لا يحصى من المنظمات غير الحكومية، على الصعيدين المحلي والدولي. ومع ذلك، فإن هذه المنظمات غالباً ما تكون فاسدة مثل الحكومة، التي أنشئت فقط لاستخراج الأموال من الجهات المانحة. وإن كانت النية حسنة، فقد أثبتت عدم جدواها، لعدم قدرتها على حشد تأييد كافٍ.

ولربما كان السبب الأخير أكثر إشكالية من عدم وجود تدابير إنفاذٍ مؤسسية. فإلى حدٍ ما، ينبغي أن تأتي حقوق الإنسان بشكلٍ طبيعي. فهناك زواج الأطفال على سبيل المثال، فلا يوجد في اليمن حدٌ أدنى لسن الزواج وغالباً ما يتم تزويج الفتيات بسن صغيرة.

يمكن للمرء أن يجادل، أو يأمل، أنه حتى مع عدم وجود حدٍ أدنى للسن القانونية، لن يزوّج الأفراد بناتهن بسن الثامنة، إلا أنهم يفعلون. وغالباً ما يكون السبب عدم حصولهم على تعليمٍ كافٍ أو العوز إلى المال، فضلاً عن أن العديد من “السلطات” الدينية والتقليدية تدعي أن تحديد سن للزواج يخالف الإسلام.

ويمكن قول ذات الشيء فيما يتعلق بالحقوق والحريات التقليدية المذكورة آنفاً بشأن الدين والميول الجنسية والمساواة بين الجنسين. فالعديد من اليمنيين، بما في ذلك المتعلمين، لا يؤيدون بالضرورة حقوق المثليين أو الحرية الدينية، بما في ذلك الحق في عدم اعتناق أي ديانة. وبعبارةٍ أخرى، في حال إجراء انتخاباتٍ حرة، فمن غير المحتمل أن تصوت الأغلبية لمرشحين يدعمون الديمقراطية الليبرالية على النمط الغربي.

فغالبية اليمنيين سيؤيدون بحماس الحق في التعليم، والرعاية الصحية، والعمل، والعيش في بيئة آمنة، إلا أنهم لا يبدو ذات الحماس تجاه الحقوق الأكثر إثارةً للجدل. من منظورٍ غربي، قد يكون هذا مثيراً للقلق، ولكن بواقعية، لن يتغير الوضع في أي وقتٍ قريب.

هل الوضع ميؤوسٌ منه؟ هذا ممكن. قبل بضع سنواتٍ فقط، جرت محاولاتٌ لإصلاح العديد من المشاكل في البلاد، بما في ذلك القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان. فقد أشاد الدبلوماسيون والصحفييون وأعضاء المحافل الدولية وفرق التفكير بالطريق اليمني للخروج من ربيعه العربي، وأسموه “النموذج اليمني“.

لم تكن هذه فكرةً سيئة. فقد كانت جميع القضايا المتعلقة ببناء الدولة، وانتقال السلطة، وإعادة السلام وإعادة صياغة الدستور، والمزيد من الضمانات لحقوق المرأة وهلم جرى، قابلة للتحقيق من خلال مؤتمر الحوار الوطني، الذي عقد ما بين عاميّ 2013-2014 تحت إشراف الأمم المتحدة. ومع ذلك، لم تخرج هذه النوايا الحسنة خارج أسوار فندق الموفنبيك في العاصمة صنعاء، حيث تمت مناقشتها بلا نهاية. أما في الخارج، فقد كان الآخرون يستعدون للحرب.

هذه الحرب أعادت اليمن إلى نقطة البداية. فمنذ أن شنت المملكة العربية السعودية وحلفائها في مارس 2015 الحرب على المتمردين الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ظُللت قضايا حقوق الإنسان بالمسائل الإنسانية الأكثر إلحاحاً. فعندما تتعرض المدارس والمستشفيات للقصف، وعندما يصبح الغذاء والماء شحيحاً، تصبح الحرية الدينية أو سد الفجوة بين الجنسين آخر هموم المواطنين.

user placeholder
written by
Ahmad Kamal
المزيد Ahmad Kamal articles