وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المملكة العربية السعودية مترددة في إلغاء نظام الوصاية الذكورية

Saudi Arabia- Saudi women
نساء سعوديات يقفن لالتقاط صورة “سيلفي” قبل مبارة ودية في كرة القدم بين السعودية والبرازيل في ملعب جامعة الملك سعود في الرياض، في 12 أكتوبر 2018. Photo AFP

شرع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بإجراء العديد من التغييرات في المملكة شديدة التحفظ منذ صعوده إلى السلطة في يونيو 2017. كانت بعض هذه التغييرات مجرد تغييراتٍ صورية، بينما أجرى البعض الآخر للقضاء على منافسيه.

ومع ذلك، تمت الإشادة به داخل المملكة وخارجها، لرفعه الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارات في سبتمبر 2017. بيد أنه بعد ستة أشهر، تم القبض على نفس النساء اللاتي كنّ قد أقمنّ حملةً من أجل حصولهنّ على هذا الحق.

محمد بن سلمان ليس الرجل الوحيد الذي يُسيء استخدام سلطته على النساء، فنظام الوصاية في المملكة العربية السعودية يعامل النساء بوصفهن قاصراتٍ قانونياً، مما يتطلب منهن الحصول على إذن من الذكور للسفر والزواج والعمل والآن، القيادة. وبموجب القانون، يكون الأخ أو الأب أو الزوج هو الوصي المعين، مما يمنحهم سلطة اتخاذ مجموعة من القرارات الحاسمة نيابةً عن المرأة.

ووصفت هيومن رايتس ووتش نظام الوصاية بأنه “أهم عقبة أمام تحقق حقوق المرأة في البلاد.”

كما أن نظام الوصاية المسؤول أيضاً عن إجبار أعداد متزايدة من النساء على الفرار من البلاد، وفقًا لآدم كوغل، الذي يراقب المملكة العربية السعودية لمنظمة هيومن رايتس ووتش.

يجمع نظام الوصاية بين القانون والعادات القديمة، مما يجعله مسألةً حساسة. ومن الجدير بالذكر أنه توجد في بلدانٍ أخرى في الشرق الأوسط بعض الأحكام التي تتطلب من المرأة الحصول على إذن من والدها أو زوجها قبل السفر أو الزواج. ففي إيران، على سبيل المثال، يجب أن تحصل المرأة على موافقة زوجها قبل السفر. وقبل نوفمبر 2015، كانت النساء في تونس، التي كان يُنظر إليها على نطاق واسع بكونها بلداً أكثر إرضاءً للنساء في العالم العربي، بحاجة إلى إذن من زوجهن قبل السفر مع أطفالهن. ومع ذلك، لا يوجد بلدٌ شرق أوسطي ينافس المملكة العربية السعودية عندما يتعلق الأمر بإعطاء السلطة للرجال على النساء. ورغم أن محمد بن سلمان كان قد قال في عام 2018 إنه يفضل إنهاء نظام الوصاية، إلا أنه لم يتخذ أي إجراءٍ خوفًا من الإخلال بالعادات الاجتماعية التي يسيطر عليها الذكور.

فقد قال في مقابلةٍ مع مجلة ذا أتلانتيك الأمريكية: “إذا ما أجبت بنعم على هذا السؤال، فهذا يعني أني أخلق مشاكل للعائلات التي لا تريد منح بناتها الحرية.”

ومع ذلك، ضغط نشطاء حقوق المرأة على الحكومة بشجاعة لإلغاء نظام الوصاية منذ سنوات. وعليه، وافقت العائلة المالكة لأول مرة على القيام بذلك في عام 2009 ومرةً أخرى في عام 2013 بعد المراجعة الدورية الشاملة للبلاد في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

لكن بعد كلتا الجلستين، قامت المملكة العربية السعودية فقط بإجراء تغييرات صورية على قانون الوصاية. فقد أنهت الإصلاحات بعض قوانين الوصاية غير الرسمية التي كانت تمنع النساء في السابق من الوصول إلى الخدمات الحكومية أو الحصول على عملٍ دون إذنٍ من ولي الأمر. ومع ذلك، لا تزال المرأة بحاجة إلى موافقة الرجل للحصول على جواز سفر أو السفر إلى الخارج أو الزواج.

فقد دافع رجال الدين المحافظون المدعومون من الدولة عن نظام الوصاية بحجة أنه متجذرٌ في آية قرآنية. إلا أن مناصري المرأة السعوديين من الإسلاميين وغيرهم من علماء الدين ينتقدون هذا التفسير، مدعين أنه لا يوجد مكان في الشريعة، أي الشريعة الإسلامية المستمدة جزئياً من القرآن الكريم، تُذكر فيها الوصاية.

ومرةً أخرى، فإن الجدل الحقيقي ليس له علاقة بتفسير الشريعة، إذ لطالما استشهدت المحاكم السعودية بالأعراف الاجتماعية عند فرض قيودٍ على النساء بفضل غياب قوانين الدولة لدعم النصوص القانونية المستمدة من الشريعة. وهذا يعني أن سلطات الدولة غالباً ما تبرر نظام الوصاية للحفاظ على الممارسات “الثقافية.”

وقال هاني صبرا، محلل شؤون الشرق الأوسط ومؤسس شركة ألف الاستشارية التي تتخذ من نيويورك مقراً لها، لفَنَك، هناك سببان يجعلان القيادة السعودية مترددة في إلغاء نظام الوصاية، إذ أشار أولاً إلى أن جميع الإصلاحات الاجتماعية التي استهلها محمد بن سلمان ذات حافز اقتصادي واضح، والذي كان أحد الأسباب الرئيسية لرفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارات.

وفي الوقت نفسه، يعتقد صبرا أن محمد بن سلمان لربما ظنّ أن إلغاء نظام الوصاية لن يولد نفس المزايا الاقتصادية وبدلاً من ذلك يخاطر بتمكين المرأة سياسياً. كما يمكن أن يغضب رجال الدين المتشددين، المكلفين بتنظيم العادات الاجتماعية.

وقال صبرا: “لا يزال رجال الدين المحافظين مؤثرين للغاية في المملكة العربية السعودية، لذلك ربما تفكر الحكومة، لمَ نغضبهم؟”.

وفي هذا الصدد، تشدد هيومن رايتس ووتش على أن المملكة العربية السعودية صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، التي تلزم المملكة قانوناً بإنهاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة. ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن الحكومة السعودية طلبت تحفظاً عاماً على التصديق على اتفاقية سيداو. وبالتالي، ينص هذا على أن المملكة ليست ملزمة بتضمين أي من بنودٍ من الاتفاقية إذا كانت تتعارض مع الشريعة.

على أرض الواقع، ترفض المملكة تنفيذ أي إصلاحاتٍ ذات مغزى على الرغم من تعليقات محمد بن سلمان فيما يتعلق بأهمية مشاركة المرأة في المجتمع السعودي، إذ قال أثناء الكشف عن خطته التحديثية الطموحة التي تحمل اسم رؤية 2030: “ستواصل [الحكومة] تنمية مواهب المرأة واستثمار طاقاتها وتمكينها من الحصول على الفرص المناسبة لبناء مستقبلها والإسهام في تنمية المجتمع والاقتصاد.”

والآن بعد أن بات من الواضح عدم وجود أي نيةٍ لديه لتمكين المرأة السعودية، يدعو الاتحاد الأوروبي وجماعات حقوق الإنسان الرياض إلى الوفاء بخطابها.

وفي فبراير 2019، عبّر المشرعون الأوروبيون عن قلقهم بشأن الخدمات الحكومية الإلكترونية، في إشارة مرجحة إلى تطبيق أبشر السعودي الذي يسمح للأوصياء الذكور بتتبع حركة زوجاتهم وأخواتهم وبناتهم. كما حث المشرعون المملكة العربية السعودية على إنهاء نظام الوصاية، إلا أن النداء لم يلق آذاناً صاغية.

“محمد بن سلمان ليس ليبرالياً،” بحسب ما قاله صبرا لنا في فَنَك، وأضاف “لم تكن هذه هي الحقيقة قط.”