وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية تحت مرمى النيران الدولية

اجتذب سجل حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية الاهتمام الدولي بعد خلافٍ دبلوماسي مع السويد، حيث اندلعت شرارة الخلاف بعد أن نددت مارغو والستروم، وزيرة خارجية السويد، قمع حرية المرأة في المملكة العربية السعودية ووصفت انتهاك حقوق المرأة بـ”الديكتاتورية”. كما انتقدت الأحكام الصادرة ضد الناشط والمدوّن السعودي رائف بدوي، الذي حُكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات وألف جلدة لتشجيعه العلمانية وحرية التعبير وتشكيكه في ممارسات رجال الدين في البلاد. ووصفت الحكم بأنه مشابه لـ”أساليب القرون الوسطى” وأضافت بأنه “محاولة قاسية لإسكات الأشكال الحديثة للتعبير عن الرأي”.

أعتقل بدوي، مؤسس منتدى “الشبكة الليبرالية السعودية” على شبكة الإنترنت، في يونيو 2012 بموجب أحكام قانون الجرائم الإلكترونية وأمر بإغلاق الموقع الذي نشر المحتوى الذي يُنظر إليه بصفته معادٍ للإسلام وغير أخلاقي. قضيته، التي تدل على الميل المتواصل لمضايقة نشطاء حقوق الإنسان في السعودية، أثارت الغضب في جميع أنحاء العالم واستنكار الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وكندا وغيرها.

وتفاقم الخلاف السويدي السعودي عندما مُنعت والستروم من إلقاء كلمتها في الجلسة الافتتاحية لاجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة بعد عدة أسابيع، حيث كانت قد دُعيت كضيف شرف إلى الاجتماع لمدح قرار حكومتها الاعتراف بدولة فلسطين في أكتوبر2014. وقد وصفت إلغاء كلمتها بـ”العار” وصرحت “التفسير الذي أُعطي لنا أن السويد سلطت الضوء على وضع الديمقراطية وحقوق الإنسان ولهذا السبب لا يُريدون أن أتكلم”. وأعرب الاتحاد الأوروبي أيضاً عن “أسفه” لمثل هذا القرار. ونتيجةً لذلك، ألغت السويد صفقة أسلحة مع السعوديين في أعقاب الحادث.

وفي الوقت نفسه، تعالت أصوات السعوديين في سلسلة من الاحتجاجات ضد ما اعتبروه تدخلاً في شؤونها الداخلية من قِبل طرف خارجي، حتى أنّ البعض ذهب إلى اعتبار تعليق والستروم “إهانةً للإسلام”.

وعلاوة على ذلك، أعلن مجلس الوزراء السعودي إدانته لتصريحات الوزيرة السويدية، حيث شدد على أن مبادىء الإسلام التي يتبّعها 1,5 مليار مسلم في جميع أنحاء العالم لا تخضع لأي مساومة. ودون أي إشارة إلى رائف بدوي، أضاف مجلس الوزراء أن مهاجمة النظام القضائي في المملكة العربية السعودية وكذلك الأنماط الاجتماعية والثقافية لمجرد أنها تختلف عن النمط السائد في الدول الأخرى أمر “يتعارض مع مبادئ المجتمع الدولي التي تدعو إلى احترام الأديان فضلاً عن التنوع الاجتماعي والثقافي “.

كما انضمت وزارة الخارجية السعودية إلى الجموع المنددة حيث شجبت ما أسمته بـ”الحملة الإعلامية حول قضية رائف بدوي” وانتقاد النظام القضائي للمملكة. ونقلت وكالة الانباء السعودية الرسمية عن المتحدث باسم الوزارة قوله ” لا تقبل المملكة أي شكل من أشكال التدخل في شؤونها الداخلية، وترفض… الهجوم على استقلال نظامها القضائي”. وأضاف المتحدث أن “بعض الأطراف الدولية تسعى إلى تسييس قضية حقوق الإنسان من خلال مهاجمة الحقوق السيادية للدول بشكلٍ إنتقائي، وهذا أمر غير مقبول”. وصعدت السعودية من ردودها الدبلوماسية الغاضبة باستدعاء المملكة العربية لسفيرها لدى السويد.

ويبدو أن كلمة الوزيرة السويدية أحدثت حالة غضب في الأوساط الدينية في جميع أرجاء المملكة وعلى رأسهم مفتي عام المملكة الذي قال “إن من يسيء إلى القضاء الشرعي المستقل إما جاهل أو مغرض ولن يصلوا إلى شيء؛ لأن هذه الأباطيل يكذبها الواقع المحسوس”. وزعم أن تصريحات والستروم محض كذب وافتراء، وأضاف أن القضاء الشرعي في المملكة مستقل ولا سلطان لأحد عليه لأنه مبني على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وأردف قائلاً “ديننا يعطي كل ذي حق حقه، وبلادنا رغم كثرة من يسكنها من بلاد متعددة إلا أنه لا ظلم لأحد، فدماء المؤتمنين وأعراضهم محترمة وأموالهم محترمة، والمحاكم تقبل من يترافع إليها مسلمًا أو غير مسلم، وتحكم على الجميع بأحكام الله. وأن كل من يدعي أن حقوق المرأة في المملكة منقوصة فقد خالف شواهد الواقع، كون المرأة في بلادنا معطاة حقوقها على أحسن ما يكون”. وأيّد رجال دين آخرون تصريحاته قائلين أنّ “الهجوم على المملكة العربية السعودية اعتداءٌ على الإسلام”.

وأعلن السناتور الجمهورى راند بول عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كنتاكي الذي ينوي الترشح للإنتخابات الرئاسية الأمريكية دفاعه عن والستروم حيث ندد بـ”الحرب على المرأة” في المملكة العربية السعودية ودعا جميع الأمريكيين مقاطعة البلاد. وصرّح “أتذكرون عندما أساءت جنوب افريقيا التصرف؟ نظمنا مقاطعة لجنوب افريقيا. يتوجب علينا مقاطعة المملكة العربية السعودية وعدم أخذ الأموال من الحكومة السعودية”.

وفي غضون الأشهر الأخيرة، اكتسب الهجوم على سجل حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية زخماً كبيراً. فقد اتهم بعض المحللين وزير الداخلية السعودي، محمد بن نايف، بمطاردة المعارضين والمدونين والناشطين دون رحمة، واعتقال العديد منهم بتهم “إرهاب الدولة” الغامضة. وارتفع وتيرة التحقيق مع، وتوقيف، واحتجاز، الصحفيين والرياضيين والشعراء والمدونين والناشطين والمغردين على تويتر منذ تعيين الوزير في نوفمبر 2012. هذا وصدر قانون مكافحة الإرهاب الصارم الجديد في فبراير 2014.

ويُشير بعض المحللين إلى حالة وليد أبو الخير، محامي حقوق الإنسان البارز، مؤسس ورئيس مرصد حقوق الإنسان في السعودية (MHRSA). كما أنه حصل على جائزة أولوف بالمه عام 2012 لحقوق الإنسان بسبب “نضاله المستمر والقوي والتضحية بالنفس من أجل تعزيز احترام حقوق الإنسان والحقوق المدنية لكل من الرجال والنساء في المملكة العربية السعودية”. وقد اتهم من قبل المحكمة الجزائية المتخصصة في العاصمة الرياض في أكتوبر 2013 بعدة جرائم بما في ذلك خرق الولاء للحاكم وعدم إطاعة الحاكم وعدم احترام السلطات، وإهانة القضاء وتحريض المنظمات الدولية ضد المملكة وتأسيس منظمة غير مرخصة. وفي يوليو 2014، حُكم عليه بالسجن لمدة 15 عاماً، ومنذ ذلك الوقت تم نقله من سجن إلى آخر ويُعتقد أن رفضه الاعتراف والاعتذار للمحكمة كانا وراء انتقاله الأخير. وبصفته محامٍ، كان قد دافع عن رائف البدوي في المحكمة.

وفي ديسمبر 2014، ألقي القبض على امرأتين سعوديتين وتم اعتقالهما لمدة شهر تقريباً بسبب تحديهما حظر قيادة السيارات على المرأة السعودية. ومثلتا أمام محكمة أنشأت للنظر في قضايا الإرهاب. ويُعتبر هذا الاحتجاز الأطول للنساء اللواتي جلسن خلف مقود القيادة في التاريخ السعودي.

هذه ليست سوى بعض القضايا البارزة التي جذبت اهتماماً عالمياً. كما توثق المنظمات الدولية لحقوق الإنسان حالات أخرى لا تُحصى، وكثير منهم ما زالوا ضحايا مجهولي الهوية لنظامٍ يُعتبر أنه يقيد حق المواطنين السعوديين في حرية التعبير بطريقة تسترضي المؤسسة الحاكمة.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles