وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المرأة السعودية تفوز بحقها في القيادة

 Saudi arabia-past to present- Manal Al Sharif
الناشطة السعودية منال الشريف ترفع علامة النصر بينما تقود سيارتها في دبي. Photo AFP

احتفل نشطاء حقوق المرأة الذين دافعوا لتحقيق المساواة بين الجنسين في المملكة العربية السعودية بنصرٍ طال انتظاره في 26 سبتمبر 2017 مع الإعلان عن صدور أمرٍ ملكي يرفع الحظر المثير للجدل في البلاد عن قيادة النساء للسيارات.

وذكرت وكالة الأنباء الرسمية أن الأمر ساري المفعول فوراً إلا أن تعميمه سيستغرق أشهراً. وقد شكلت لجنة وزارية لبحث ترتيبات تطبيق الأمر الملكي، الذي من المتوقع تنفيذه بحلول 24 يونيو 2018.

كما غردت الناشطة الحقوقية منال الشريف بعد رفع الحظر على تويتر “السعودية لن تكون كما كانت في السابق” و”أول الغيث قطرة.” فقد اعتقلت الشريف في عام 2011 بعد نشرها فيديو على يوتيوب وهي تقود سيارتها بنفسها، كجزءٍ من حملة دعت فيها النساء للمشاركة في حملة قيادة المرأة في السعودية (Women2Drive)، وأمضت تسعة أيامٍ في السجن. وبكل جرأة، واصلت المطالبة بإجراء تغييراتٍ في النظام السعودي، الذي يعامل المرأة بمعايير مختلفة عن الرجل، استناداً إلى تفسيرات متحفظة للغاية للإسلام.

وفي بيانٍ نشرته بعد رفع الحظر، أشادت الشريف بزملائها من النشطاء الذين دافعوا عن التغيير، بينما وعدوا بالمضي قدماً نحو المزيد من الإصلاحات واسعة النطاق. وكتبت بهذا الشأن “فقدت النساء اللواتي ناضلن من أجل إنهاء هذا الحظر حريتهن، ووظائفهن، وعرضن سلامتهن للخطر، وتمت مصادرة واحتجاز سيارتهن. تعرضن لمضايقاتٍ وتم سجنهن واستهدفت أسرهن. نُعتنّ بكل الصفات المهينة وتمت مهاجمتهنّ بشراسة. فقدن حياتهنّ التي كنّ يعشنها لجرأتهنّ بقيادة السيارة في شوارع المملكة العربية السعودية.”

وأضافت “اليوم، 26 سبتمبر 2017، يوافق تاريخ إنهائنا لواحدٍ من أكثر القوانين صرامةً في التاريخ الحديث. سيواصل النشطاء في مجال حقوق المرأة متابعة ومراقبة كيفية تنفيذ هذا القانون، وسيواصلن حملة إلغاء ولاية الذكور المفروضة عليهن. نحن لا نطالب سوى بالمساواة الكاملة للمرأة.”

فحظر القيادة على المرأة غير منصوصٍ عليه في القانون السعودي، إلا أن إصدار النساء لرخصٍ للقيادة كان غير قانوني حتى اليوم، فضلاً عن كون ممارسة القيادة محظورة بموجب فتاوى دينية.

وفي عام 1990، نظمت النساء السعوديات أول احتجاجٍ جماعي ضد الحظر المفروض بحكم الأمر الواقع على قيادة النساء. وخرجت الاحتجاجات بعد أن شاهدت النساء السعوديات المجندات الأمريكيات يقدنّ السيارات في قواعد عسكرية في البلاد خلال حرب الخليج الأولى. خرجت حوالي 40 إمرأة في موكبٍ بسيارتهنّ في شوارع العاصمة الرياض في محاولةٍ للفت الأنظار إلى قضيتهن إلى أن تم إيقافهن من قبل الشرطة. وواجهت السائقات عواقب وخيمة: فقد منعنّ جميعهنّ من السفر خارج البلاد لمدة عام، كما تمت إقالة اللواتي يعملن في وظائف حكومية، فضلاً عن تعرض العديد منهن لمضايقاتٍ علنية.

وبعد الاحتجاج، أصدر مفتي المملكة العربية السعودية آنذاك، عبد العزيز بن باز، فتوى أضفت على الحظر طابعاً رسمياً، إذ قال ان السماح للمرأة بالقيادة قد يؤدي إلى خروجها للقاء رجالٍ لا تربطها بهم أي قرابة وخلعها للحجاب، مما سيسبب فوضى اجتماعية. وقد أعقبت الفتوى بتوجيهاتٍ من وزارة الداخلية تحظر قيادة المرأة.

وقد اندلعت موجة أخرى من الاحتجاجات ضد هذا الحظر في عام 2007، عندما جمعت الناشطتان وجيهة الحويدر وفوزية العيوني نحو 1100 توقيع في عريضةٍ تدعم حق المرأة في قيادة السيارة وسُلمت للملك عبد الله، الذي صرّح بعد فترةٍ وجيزة من توليه للعرش عام 2005 أنه متأكد أن المرأة ستقود السيارة في نهاية المطاف إلا أن المجتمع لم يكن مستعداً.

وفي العام التالي، نشرت الحويدر مقطع فيديو على اليوتيوب وهي تقود سيارتها بنفسها، ناشدت خلاله وزير الداخلية رفع الحظر. وفي عام 2011، ووسط احتجاجات الربيع العربي التي عمت المنطقة، أطلقت الشريف ونشطاء آخرين حركة قيادة المرأة في السعودية (#Women2Drive movement)، مما دفع العشرات من النساء إلى قيادة السيارات علناً في 17 يونيو من نفس العام. تم اعتقال الشريف بسبب دورها في الاحتجاجات إلى أن دعا الملك إلى إطلاق سراحها.

استمرت الحملة في عام 2013، عندما تم اعتقال المزيد من الناشطات بسبب تحديهنّ للحظر. وفي 10 أكتوبر 2013، اعتقلت الشرطة المدونة إيمان النفجان وامرأة أخرى، التي كانت تقود السيارة بينما صورتها النفجان. تم إطلاق سراحهن بعد أن وقعن و”أولياء أمورهنّ” من الذكور على تعهدٍ بعدم قيادة المرأة للسيارة مجدداً. وبعد عدة أسابيع، في 26 أكتوبر2013 ، قادت العشرات من النساء سيارتهن في تحدٍ للحظر كجزءٍ من حملةٍ وطنية.

وفي العام التالي، اعتقلت الناشطة لجين الهذلول واحتجزت لمدة تزيد عن شهرين بعد محاولتها قيادة السيارة من الإمارات العربية المتحدة إلى المملكة العربية السعودية. كما سُجنت إمرأة أخرى، الصحفية ميساء العمودي، التي توجهت إلى الحدود لمساندة الهذلول.

وفي مجالاتٍ أخرى، حققت المرأة السعودية مكاسب تدريجية في الحقوق على مدى السنوات العديدة الماضية. ففي عام 2015، ولأول مرة، سمح للمرأة بالتصويت والترشح في الانتخابات المحلية. ومع ذلك، لم يُنتخب سوى عدد ضئيل ولم يسمح للنساء المنتخبات بحضور جلسات المجلس في نفس الغرفة التي يوجد بها الرجال. وفي عام 2016، انتقلت الحكومة أيضاً إلى تقليص سلطات الشرطة الدينية، التي يُسمح لها اليوم بتوبيخ الناس علناً دون اعتقالهم لارتكابهم انتهاكات (ملموسة) للقانون الديني.

كما أصبح سوق العمل سهل المنال بشكلٍ متزايد للنساء، ويرجع ذلك جزئياً إلى التغييرات القانونية التي فتحت أبواب الوظائف أمام المرأة في قطاعي الخدمات والتجزئة، في محاولةٍ لاستبدال الذكور من العمالة الأجنبية بنساء سعوديات والحد من إعانات البطالة، التي تكلف الحكومة اليوم حوالي 10,6 مليار دولار سنوياً.

وفي ضوء ذلك، فإن إلغاء حظر القيادة هو ببساطة مسألة ذات فائدة اقتصادية، إذ تعتبر التنقلات أحد العوائق الرئيسية التي منعت النساء من دخول القوى العاملة. وبدون وجود نظام للنقل العام يعمل بكامل طاقته، يجب على النساء اللواتي يحتجن إلى الانتقال إلى العمل إما الاعتماد على أقاربهن الذكور أو استئجار سائقين أو سيارات أجرة، وهو ما يمكن أن يكون باهظ التكلفة بالنسبة للنساء العاملات في وظائف منخفضة الأجر. وعلاوة على ذلك، فإن الاعتماد على السائقين الذكور يتعارض مع نفس المبادىء الدينية التي دفعت الحظر على قيادة المرأة في المقام الأول، وهي الاختلاط برجال لا تربطهنّ بهنّ صلات قرابة.

وأصدر الأمير السعودي ذو النفوذ، الوليد بن طلال، المؤيد منذ فترةٍ طويلة لرفع الحظر، بياناً في نوفمبر 2016 قال فيه “… أو أن تستمر [النساء] في الاعتماد على سائق أجنبي يخصها ويستقطع حصة من دخلها ودخل أسرتها، أو تبقى تحت رحمة سيارات الأجرة والمزيد من الرجال الأجانب تقضي وقتها معهم جيئة وذهاباً في زحمة السير، وكثيراً ما تكون في “خلوة” هي أكثر ما يبغض الشرع والمسلم الغيور.”

مع رفع الحظر عن القيادة، فإن الهدف التالي للنشطاء هو نظام الوصاية، الذي يجعل المرأة تعتمد بموجب القانون على أقاربها الذكور، مما يتطلب موافقتهم على قرارات حياتية مصيرية مثل الزواج أو السفر إلى الخارج أو استئجار شقة. وعلى الرغم من تخفيف بعض المتطلبات مؤخراً، ستبدو أي تأكيداتٍ على المساواة في المملكة جوفاء بالنسبة للعديد من النساء السعوديات طالما بقي هذا النظام قائماً.