وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

لا إدانات للمجتمع الدولي بحق انتهاكات السعودية لحقوق الإنسان حتى الآن

saudi crown prince
صورة للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز (يمين) ونجله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تُعرض في الموقع التاريخي بحي الطريف بالدرعية الواقع في ضواحي العاصمة السعودية الرياض، في 20 نوفمبر 2020 خلال قمة مجموعة العشرين. Photo: FAYEZ NURELDINE / AFP

فلورينس ماسينا

استضافت المملكة العربية السعودية قمة مجموعة العشرين الثانية بالرياض، وهو منتدى دولي للحكومات ومحافظي البنوك المركزية من 19 دولة إلى جانب الإتحاد الأوروبي، التي عُقدت في 21-22 نوفمبر 2020 بشكلٍ إفتراضي عبر الإنترنت، حيث ركزت على فرص لقاح فيروس كورونا مع تجاهلٍ تام لقضايا حقوق الإنسان التي تواجه المُضيف الإفتراضي.

بعد أول اجتماعٍ إفتراضي لمجموعة العشرين في مارس الماضي، حيث تمت مناقشة تحديات جائحة فيروس كورونا، ركز الاجتماع الثاني الذي عُقد في نوفمبر بشكلٍ أساسي على اللقاح. ومن بين الموضوعات الأخرى التي تم تناولها مكافحة الفساد إلى جانب المصادقة على عددٍ من التشريعات والمعاهدات المختلفة فضلاً عن دعوة المملكة العربية السعودية الإنضمام إلى فريق العمل المعني بالرشوة التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وحماية البيئة والسياحة، وتمكين المرأة عالمياً وتحديداً في المجالين الاقتصادي والسياسي.

تعد هذه النقطة على وجه التحديد مدعاةً للسخرية، ذلك أن المملكة العربية السعودية ليست الدولة الأكثر تحرراً بالنسبة للمرأة في العالم. بالواقع، لا يزال نظام الوصاية قائماً، وهو نظامٌ ينص على وجوب أن يكون لكل إمرأةٍ وصي ذكر الذي يتمتع بسلطة اتخاذ مجموعة من القرارات الحاسمة بالنيابة عنها. وبحسب تقريرٍ لمنظمة العفو الدولية الحقوقية حول المملكة العربية السعودية عام 2019، “لم تنص الإصلاحات على السماح للمرأة بالزواج بدون إذن من ولي أمرها، أو السماح لها بإعطاء الموافقة على زواج أبنائها. وما زالت النساء والفتيات يواجهن تمييزاً مجحفاً ممنهجاً في القانون وفي الواقع الفعلي في مجالات أخرى، مثل الزواج والطلاق والميراث والقدرة على نقل جنسيتها لأبنائها. وما زالت النساء والفتيات يفتقرن إلى الحماية الكافية من العنف الجنسي وغيره من أشكال العنف، وما زال يتعيَّن عليهن الحصول على إذن من أحد أولياء الأمر الذكور لمغادرة دور الرعاية المخصصة لمن سبق لهن التعرض للإيذاء الأُسري.”

أجريت الإصلاحات التي تُشير إليها المنظمة في أغسطس 2019 وتمثل أكبر تخفيفٍ لحدة القوانين المتعلقة بالنساء والفتيات في المملكة حتى الآن. وفي هذا الصدد، تسرد منظمة المساواة الآن التدابير الجديدة، إذ تقول أن النساء بتنّ اليوم “محمياتٍ من التمييز الوظيفي، وقادراتٍ على تسجيل المواليد والوفيات، وقادرات على الحصول على سجلات الأسرة، وقادرات على اتخاذ قراراتٍ طبية تخصهنّ فيما يتعلق بالحمل والولادة، ويتمتعنّ بالقدرة على السفر إلى الخارج دون صحبة ولي الأمر،” إذ تأتي جميع هذه التطورات بعد عامٍ من منح المرأة السعودية الحق في قيادة السيارات في يونيو 2018.

ظاهرياً، قد يبدو وكأن المملكة العربية السعودية كانت على أتم الاستعداد لتحديث نهجها تجاه المرأة وحقوق الإنسان، مما يمنح المملكة صورةً مجددة تتعارض مع الطموحات التي عبر عنها ولي العهد محمد بن سلمان برؤيته 2030. فقد طلب منا آدم كوغل، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية، تناول هذه المعلومات بحذر، فعلى حد تعبيره لنا في فَنَك: “خففت المملكة العربية السعودية بعض الجوانب المتعلقة بنظام الوصاية الذكوري بما في ذلك السماح للمرأة بالقيادة والسفر دون قيود، كما تُشجع النساء على الحصول على تعليمٍ عالٍ والإنضمام إلى القوى العاملة، بيد أنه تم تقويض العديد من الإصلاحات في ظل حقيقة أن نشطاء حقوق المرأة الذين دافعو عن هذه الإصلاحات إما خلف قضبان السجن أو في المنفى أو يتم إسكاتهم.”

Saudi G20 summit
ممثلو وسائل الإعلام السعودية والأجنبية يستمعون إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أثناء إلقاءه كلمة عن بُعد أثناء مؤتمرٍ صحفي، في المركز الإعلامي لقمة مجموعة العشرين بالعاصمة الرياض، 22 نوفمبر 2020. Photo: FAYEZ NURELDINE / AFP

فقد سجنت أو نفيت معظم الناشطات في مجال حقوق المرأة في السعودية خلال العامين الماضيين، حيث كثفت المملكة حملتها القمعية ضدهن. فعلى سبيل المثال، ألقي القبض على إيمان النفجان في مايو 2018 مع لجين الهذلول وعزيزة اليوسف وعائشة المانع ومديحة العجروش، وجميعهن ناشطات في مجال حقوق المرأة. أطلق سراح النفجان بعد عام وهي ممنوعة الآن من مغادرة البلاد. كما يمكننا تسمية غيرهّن من الناشطات في مجال حقوق الإنسان والمرأة، مثل سمر بدوي ونسيمة السادة ونوف عبد العزيز المسجونات منذ عام 2018، في حين تم إطلاق سراح شدن العنزي وهتون الفاسي وأمل الحربي مؤقتاً في مايو 2019.

علاوةً على ذلك، قررت المملكة العربية السعودية العزف على أوتار المستقبل المحتمل للناشطات اللواتي يقبعنّ في السجون قُبيل قمة مجموعة العشرين. ففي مقالٍ نشرته صحيفة الغارديان في 10 نوفمبر 2020، وردت إعداءاتٌ عن نية المملكة العفو عن الناشطات المحتجزات، بيد أن هذه المزاعم لم تتجسد على أرض الواقع حتى يومنا هذا. وفي ردها على المقال المذكور، قالت الباحثة المختصة بحقوق المرأة في هيومن رايتس ووتش، روثنا بيغم: “قال السفير لـ الغارديان زوراً إن المحاكم السعودية وجدت النساء مذنبات بما هو أكثر من مجرد الدفاع عن حق المرأة في القيادة. في الواقع، لم تُدَن أي من النسوة، وعُلقت محاكماتهن الصورية لأجل غير مسمى منذ منتصف 2019. قد يوحي العفو أو الصفح بأن النساء مذنبات بارتكاب جريمة، لكن على السلطات إطلاق سراحهن فقط دون قيد أو شرط وإسقاط التهم التي تنطوي على انتهاكات. تدعو هيومن رايتس ووتش الحكومات حول العالم إلى المطالبة بالإفراج غير المشروط عن هؤلاء النساء وباقي النشطاء الحقوقيين المحتجزين في السعودية.”

لطالما طالبت هيومن رايتس ووتش وغيرها من المنظمات الحقوقية قادة العالم بالإتفاق على عقوباتٍ تجاه المملكة العربية السعودية لتتغير الأوضاع داخلها لكن دون أي جدوى إلى الآن. بالواقع، قال كوغل لفَنك: “منحت دول مجموعة العشرين المملكة العربية السعودية رئاسة مجموعة العشرين لعام 2020، على الرغم من اعتداء الحكومة السعودية المستمر على الحريات الأساسية، بما في ذلك سجن ومضايقة المعارضين ونشطاء حقوق الإنسان، والهجمات غير القانونية على المدنيين في اليمن، والاستخفاف بالدعوات الدولية للمساءلة عن جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي من قبل عملاء تابعين للدولة. وبعد انتهاء اجتماع مجموعة العشرين، لم تهدر السلطات السعودية أي وقت في استئناف محاكمات نشطاء حقوق المرأة التي كانت معلقة لأكثر من عام.” في واقع الأمر، أحيلت قضية لجين الهذلول إلى المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض في 25 نوفمبر 2020، كما أدينت نسيمة السادة وحكم عليها بالسجن خمس سنوات مع وقف التنفيذ لمدة عامين في نفس اليوم.

يبدو من الواضح أن المملكة تتمتع بالقدرة على مواصلة طريقها بعيداً عن أي انتقاداتٍ أو إجراءاتٍ فعليه من قبل المجتمع الدولي، وإسكات أي صوتٍ تعتبره مخالفاً لمصالحها وقيمها، بل على النقيض من ذلك، باتت المملكة العربية السعودية تكتسب اهتماماً دولياً، دون أي رقابة، باستضافتها قمة العشرين إفتراضياً، وغيرها من الأحداث الرياضية، إلى جانب المزاعم التي أثيرت في الآونة الأخيرة باستضافتها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. في نهاية المطاف، ما يزال هذا اهتماماً من غير المرجح أن يعرّض المملكة العربية السعودية للمساءلة عن انتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.