وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

وقف تنفيذ أحكامٍ ضد نشطاء نوبيين يسمح للحكومة المصرية بالحفاظ على سيطرتها

Egypt- Nubians
فرقة مصرية نوبية تؤدي أغانٍ تراثية في مدينة الأقصر الجنوبية في مصر. Photo AFP

تلقى النشطاء النوبيون الـ32 المتهمون بالاحتجاج غير القانوني غراماتٍ مع وقف التنفيذ أو تمت تبرئتهم في 7 أبريل 2019، إلا أن المظالم في المجتمع النوبي في مصر حول ما يقولون إنه تهميشٌ لوضعهم مستمرة.

عادةً ما يعيش النوبيون على ضفاف نهر النيل في شمال السودان وجنوب مصر، ويعود تاريخهم ولغتهم وثقافتهم إلى العصور الفرعونية.

عندما امتلأ خزان السد العالي في أسوان لإنشاء بحيرة ناصر في عام 1964، أثناء رئاسة المرحوم جمال عبد الناصر، غمرت المياه 44 قرية نوبية، بيد أن وعد ناصر بمنح النوبيين أرضاً جديدة لم يتحقق قط.

بدلاً من ذلك، تم تهجير حوالي 50 ألف نوبي إلى القرى الواقعة شمال السد، على الضفة الغربية لنهر النيل بالقرب من كوم أمبو وأسوان: شريطٌ ضيق من الأرض بمساحة محدودة للزراعة. منذ ذلك الحين، طالب النوبيون باستعادة أراضيهم.

تعود القضية الجنائية الحالية إلى سبتمبر من عام 2017، عندما احتجت مجموعةٌ صغيرة من الناشطين في أسوان للمطالبة بإعادة أراضيهم كتعويضٍ عن فقدانهم إياها بسبب إنشاء بحيرة ناصر في الستينيات. إن عودة الأراضي النوبية منصوصٌ عليها في المادة 236 من دستور مصر لعام 2014، التي لم تتغير مع التعديلات التي تمت الموافقة عليها في أبريل 2019.

وعليه، تلقى 25 مدعى عليهم غراماتٍ مبدئية تصل إلى 50 ألف جنيه مصري (2900 دولار) وتم تبرئة سبعة من تهمٍ تتراوح ما بين الاحتجاج غير القانوني إلى إغلاق الطرق والهتاف ضد الدولة وتلقي التمويل الأجنبي. كما سيتم رفع الغرامات إذا ما ارتكب المتهمون “جرائم أخرى.”

فقد توقع ناشطٌ ومحامي نوبي، طلب عدم الكشف عن هويته، الحكم مع وقف التنفيذ، الذي قال لفَنَك في مارس: “إنها وسيلة لعدم إثارة المزيد من الاضطرابات في المجتمع قبل الاستفتاء على التعديلات الدستورية، لكن في الوقت نفسه يضمن ذلك النفوذ للدولة على الناشطين في حال رفعوا أصواتهم مرة أخرى.”

يعدّ المرسوم الرئاسي رقم 444 من القضايا الرئيسية للنشطاء النوبيين، الذي صدر أصلاً في عام 2014 وتمت الموافقة عليه في وقتٍ لاحق من قبل البرلمان في أوائل عام 2016. ويصنف المرسوم قطع الأراضي على طول الحدود المصرية باعتبارها مناطق عسكرية. وتمتد الأرض التي يأمل النوبيون بعودتها من أسوان إلى الحدود السودانية إلى الغرب من بحيرة ناصر، وبموجب المرسوم فإن مساحاتٍ شاسعة من تلك الأرض تعتبر منطقةً عسكرية مغلقة.

تضمن المرسوم الثاني الصادر في عام 2016 إدراج قريتين نوبيتين في مشروعٍ وطني للتنمية الزراعية في منطقة توشكى، غرب بحيرة ناصر. وبحسب ما قاله المحامي مصطفى حسن لنا في فَنَك: “أرادت [الدولة] السيطرة على القرى من أجل المشروع وتجريدهم من تصنيفها باعتبارها قرى نوبية.”

كان خمسة من المتهمين يقودون المعارضة ضد هذين المرسومين. وفي عام 2016، نظموا مسيرة احتجاجٍ نحو القرى في منطقة توشكى. وعلى الرغم من أن الشرطة أوقفتهم وأبقتهم محاصرين في الصحراء لعدة أيام، إلا أن النوبيين نجحوا في إلغاء المرسوم الثاني. وفي هذا الصدد، قال حسن “استمروا في التفاوض حتى تم إلغاء القرار.”

كما رفع المتهمون الخمسة نفسهم قضيةً ضد المرسوم 444. يعيش اثنان منهم، من بينهم الناشط محمد عزمي، في الخارج. وقال حسن، الذي يعتقد أن التهم المتعلقة بالاحتجاج غير القانوني كانت بمثابة وسيلة لعرقلة المعارضة النوبية للمرسوم “التقرير القانوني الأول كان لصالح الناشطين، وبالتالي فإن الحكومة لا تحبهم.”

ووفقاً لحسن، لا تريد الحكومة عودة النوبيين لأنها تستغل الأرض، “هذه أراضي مناسبة لتعدين الجرانيت والطين والزراعة وصيد الأسماك،” بحسب قوله.

برزت المظالم في المجتمع النوبي بعد احتجاز 24 نوبياً شاركوا في احتجاج عام 2017، الذين احتُجزوا لمدة ثلاثة أشهر في مركز احتجازٍ غير رسمي في معسكر تدريبٍ للشرطة جنوب شرق أسوان.

وبحسب ما قاله لنا أحد النشطاء المحتجرين، “في الأيام الثلاثة الأولى لم نكن نعرف لكم من الوقت سنبقى رهن الإعتقال، ولم نكن نعرف شيئاً وكأننا معزولون تماماً. كانت المياه ملوثة، وشعر الكثير منا بالمرض وكان هناك الكثير من العقارب في الزنزانة.” وأضاف “خلال الأيام العشرة الأولى، كان يتم تشغيل الأنوار والمراوح طوال الوقت.”

لم يتم إطلاق سراحهم إلا بعد وفاة أحد المحتجزين، جمال سرور. وقال الناشط إن سرور توفي بعد تعرضه لنوبة سكري وعدم حصوله على العلاج اللازم، إذ قال متذكراً ما حصل “سرور كان يقول إن على أحدنا أن يموت من أجل إطلاق سراح الباقين.”

وبصرف النظر عن عودة الأرض واحتجاز الناشطين، فإن المظالم النوبية تنبع من ما يعتبرونه وضعهم المهمش. وبحسب ما قالته إحدى الناشطات المتهمات لنا، “نريد تعليم أطفالنا اللغة النوبية في المدارس. بدأوا الآن يعانون في المدرسة من مشاكل لغوية لأنهم لا يتحدثون اللغة العربية بشكلٍ جيد ويتعرضون للتخويف.” وتابعت القول “في الأفلام، غالباً ما يكون النوبي خادماً، أو يسخرون منه لأنه يتحدث بلكنةٍ مضحكة.”

بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف من وضع الحكومة أعينها على غرب أسوان، إحدى القرى التي نزح إليها النوبيون، لبناء منشآتٍ سياحية جديدة. وكما تقول الناشطة، “سيشبه الأمر جزيرة الوراق أو ماسبيرو في القاهرة [حيث يتم ترحيل السكان لإفساح المجال أمام مشاريع التنمية]”.

فقد تبرعت هيئة المدينة الصحراوية الجديدة، أسوان الجديدة، شمال غرب أسوان، بالفعل ببعض الأراضي الزراعية، إذ قال أحد المزارعين الذي فقد أرضه، “التعويض بخس.” يعتمد المبلغ الذي يحصل عليه لكل فدان (حوالي 1052 دولاراً) على سعر الأرض الزراعية، في حين تهدف هيئة أسوان الجديدة إلى استخدامها في السياحة، وفقاً للمزارع، الذي يأمل بالحصول على سعرٍ أعلى. ما زال يأمل في الحصول على تعويضٍ أفضل، إذ قال: “عائلتي تعيش من هذه الأرض.”

ومع ذلك، فهو لا يواجه الترحيل، وبصرف النظر عن قطعة أرضه الزراعية الصغيرة، فإن الشريط الذي من المفترض أن يتم تطويره غير مستخدم إلى حدٍ كبير. لذلك يبدو أن المخاوف من تهجير القرية بأكملها سابقة لأوانها، ووفقاً لأحد الناشطين، فهي مجرد شائعات. ومع ذلك، فإن مخاوف المجتمع تشير إلى مستوى عدم الثقة تجاه الحكومة.

كما يرفض المزارع والمحامي حسن بشدة فكرة أن النوبيين يفكرون في الانفصال عن مصر. وقال حسن “تصوّر الحكومة الأمر بهذه الطريقة لتعاملنا على أننا تهديدٌ للأمن القومي.”

بينما قال المزارع إنه يكره كلمة منشقين، “لقد ضحينا بأرضنا مرتين فعلاً- المرة الأولى في عام 1912 بعد بناء السد القديم. لقد ضحينا من أجل هذا البلد أكثر من أي أحد.”