وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الوطنية السورية تدور حول مفهوم الذكورة

Syria- Hafez al-Assad
عامل سوري في لبنان حفر اسم حافظ الأسد على صدره وبيده صورة للأسد الأب وابنيه باسل وبشار بعد يومٍ واحد من وفاة الأسد الأب في عام 2000. المصدر: AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالة للكاتبة السورية رهف الدغلي سلطت فيها الضوء على ما يعتري الهوية الوطنية السورية من هيمنةٍ ذكورية خلال العقود الأربعة الماضية التي خضعت فيه سوريا لحكم الأسد الأب والابن. وترى المحاضرة المتخصصة في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر بجامعة مانشستر أن الانتماء لسوريا يفرض على المرء أن يكون ذكراً، خاصةً إذا ما كان ذلك في وقت الحرب. وبحسب ما تشير له الدغلي، فإن هذه الرسالة تم توجيهها على الملأ في سوريا وبصورةٍ متكررة خلال النزاع الكارثي الدائر في البلاد منذ ست سنوات.

وتلفت صاحبة المقالة النظر إلى الكلمات الشهيرة التي ذكرها الرئيس السوري الحالي بشار الأسد بوضوح في خطابه الشهير بتاريخ 26 يوليو من عام 2015، حيث أكد على عمق العلاقة بين بطولة التضحية والعسكرة والانتماء الوطني والمواطنة. وفي ذلك الخطاب، قال الأسد: “إن الوطن ليس لمن يسكن فيه وليس لمن يحمل جواز سفره أو جنسيته، الوطن هو لمن يدافع عنه ويحميه”، مشيراً إلى ضرورة دعم الجيش “بالعنصر البشري لضمان تأديته لمهامه في مكافحة الإرهاب“.

وبحسب ما تراه الدغلي، فإن المواضيع الرئيسية التي تم طرحها في ذلك الخطاب ما تزال تحمل أثراً واضحاً على ملامح الوطنية السورية. فسوريا “وطنٌ” للرجال السوريين المستعدين للموت في سبيلها، كما أن تضحيتهم الشخصية تتطلب تمتعهم بالقدرة العسكرية والقوة البدنية، وهاتان الخصلتان باتتا اختباراً لمدى ولاء الشخص للوطن. وتؤكد الدغلي على تمتع الجيش بحصة الأسد من هذه المعادلة، مشيرةً إلى أن ما يقوم الجيش بتحقيقه من “إنجازات” يجب “أن يحظى بتقدير السوريين”. وبكلماتٍ أخرى، فقد بات السوري المثالي هو الرجل العسكري.

وفي الوقت الذي باتت فيه هذه الأفكار تهيمن على النزاع السوري، فإنها لم تعد غريبة على المواطن السوري العادي. وتلفت الدغلي النظر إلى أن مفهوم الوطنية السورية الذي يتبناه الأسد لا يعدو عن كونه نسخةً مكثفةً ومضخمةً للغاية من تلك الأيديولوجية الوطنية التي عاشها السوريون خلال العقود الأربعة الماضية.

نادي الأطفال

تقوم الدغلي في هذا القسم من المقالة بتسليط الضوء على السياسات التي يتم تنفيذها في المراحل التعليمية المختلفة لتعزيز الوطنية الذكورية في سوريا. وبصورةٍ مماثلة لجميع الطلاب الذين درسوا في المدارس السورية، فقد درست الدغلي مادة التربية القومية في مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي. وتلفت صاحبة المقالة النظر إلى تجنيد الطلاب الذكور في المنظمات التابعة لحزب البعث الذي يهيمن عليه الأسد. وتم تخصيص منظمة طلائع البعث لتلاميذ المرحلة الابتدائية، في حين يستهدف اتحاد شبيبة الثورة طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية. وتقوم هاتان المنظمتان بتعبئة الأولاد عبر التدريب القسري وفرض العضوية عليهم في المجموعات شبه العسكرية.

وكان طلاب المدارس يحضرون حصةً مخصصةً لمادة التربية القومية في كل أسبوع يستمعون فيها إلى كيفية الانتساب إلى حزب البعث وتفعيل عضويتهم فيه عبر استخدام رشاش الكلاشينكوف، وإظهار الحب للوطن والقائد، وبشكلٍ خاص عبر التمتع بجسد قوي.

ويضاف إلى تلك الممارسات المعسكر الصيفي الإلزامي الذي كانت مدته 15 يوماً ويهدف إلى تعريف الطلاب الذكور على الحياة العسكرية، وذلك في محاولةٍ لتحضيرهم للخدمة الإلزامية عندما الانتهاء من دراسة المرحلة الثانوية. وفي الوقت نفسه، كان يتوجب على الطالبات حضور حصص للتعرف على الماضي المجيد للأمة – وهي قصة يتم سردها عبر استعراض الأعمال البطولية للرجال.

وتضيف الدغلي: “حفظنا عن ظهر قلب الشعار الشهير “بالروح بالدم نفديك يا حافظ” خلال المسيرات الجماعية التي كانت تفرض علينا للاحتفال بـ”القائد العظيم”. كما تعلّمنا الأناشيد القومية للاحتفال بالأعمال البطولية التي يقوم بها الرجال وما يظهرونه من قوة وشجاعة، وبما يعزّز من فكرة بناء الوطن بهمم الرجال”.

أمّة الرجال

ترى صاحبة المقالة أن هذه الثقافة الذكورية تحجب بالضرورة ما تحققه النساء السوريات من إنجازات، وهو ما يقلّص من دورهن ويحصره بتقديم الدعم للرجال. ويكمن دور النساء ضمن القصة الوطنية في احترام وتقدير الصور الأبوية الحامية، خاصةً في ظل منح حافظ الأسد ومن ثم ابنه بشار صورة الأب والحامي والقائد لجميع السوريين.

وحتى وإن كانت الوطنية السورية تستند إلى الحب العائلي، فإن هذا الحب لا يمكن تحقيقه إلا بعبارات ذكورية – وفقط عبر الرجال الوطنيين الذين يخدمون كجنود عظماء لهذه الأمة.

وتضيف الدغلي: “لا تظهر هذه الحالة اللانهائية من الوطنية الذكورية في الصفوف المدرسية ومعسكرات التدريب فحسب، بل أيضاً في جميع نواحي الحياة اليومية. وإذا مشيت في شوارع أي مدينةٍ من المدن السورية، فإن الهالة التي تحاط بها قوة وبطولة الرجال تظهر في كل مكان؛ حيث يعتبر اللون الكاكي اللون المهيمن وصور حافظ الأسد هي الصورة الأبرز”.

وفي ظل معاناة سوريا من نزاعٍ مرير حصد الأخضر واليابس، فإن الشعب السوري يواجه سيناريوهاتٍ متعددة تحمل في طياتها مجموعة خاصة من المشاعر الوطنية. وبحسب صاحبة المقالة، يأمل الكثير من السوريين بأن يخسر “النظام الحالي” قوته الكفيلة بمراقبة وتشكيل أي رواية وطنية من أي نوعها، حتى في حال بقاء هذا “النظام” في السلطة.

وتختم الدغلي مقالتها بتأكيد أن هذا الطرح للوطنية الذكورية لا يثير تساؤلاتٍ صعبة حول ماهية الشعب السوري فحسب، بل أيضاً حول قدرة السوريين على تنظيم شعور من المحبة والانتماء الوطني في مستقبلٍ أقل ما يقال فيه أنه بات غير واضح المعالم.

The Conversation