وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

(2015) محنة العمّال المهاجرين في دول الخليج

تكشف تقريرنا لعام 2015 عن سوء المعاملة التي يتعرض لها عمال المهاجرين في دول الخليج بسبب نظام الكفالة الذي يربط تصاريح العمل بصاحب العمل الوحيد. ويؤدي هذا إلى العمل القسري والاستغلال، مما يمنع العمال من الخروج أو الإبلاغ عن الإساءة. ويجذب العمال إلى الخليج بأجور أعلى ولكنهم غالبًا ما يواجهون ظروفًا مسيئة عند الوصول.

يمكن لأي زائر يصل على متن طائرة ما لإحدى دول مجلس التعاون الخليجي الست، أن يلاحظ على الفور التناقض بين زائري هذه الدول من الغرب (الذين غالباً ما يحصلون على تأشيرة الدخول بكل سهولة في المطار)، وبين الطوابير الطويلة للآسيويين، إذ يصل هؤلاء إلى المنطقة للقيام بالأعمال التي لم يعتد عليها المواطنون الخليجيون أو لا يرغبون في القيام بها. وبهذا، ينضمون إلى ملايين العمّال المهاجرين، ومعظمهم من آسيا، الذين يشكلون جزءاً أساسياً من القوى العاملة لدول مجلس التعاون الخليجي منذ أن شهدت هذه البلدان طفرات نفطية. حتى أن بعض مواطني هذه الدول، مثل قطر، والكويت، والإمارات العربية المتحدة، أصبحوا على مر السنين، أقلية في بلدانهم. وتتصدر قطر هذه القائمة، حيث تبلغ نسبة غير المواطنين 87% من مجموع السكان و94% من القوى العاملة (انظر الشكل 1).

في أيّ من هذه البلدان، يشّكل العمّال المهاجرون غالبية القوى العاملة في مجالات البناء، والبيع بالتجزئة، والصناعة، والأعمال المنزلية. وفي المقابل، غالباً ما يُفضل مواطنوا دول الخليج الوظائف الحكومية (المضمونة) التي توفر بشكلٍ عام أجوراً أعلى والمزيد من الاجازات.

وتعتبر مجموعتي المهاجرين التي كانت محور منظمات حقوق الإنسان، عمّال البناء وعمّال المنازل.

تقوم دول الخليج بتوظيف جيوش من عمّال البناء، معظمهم من آسيا- الهند، وبنغلاديش، والباكستان، ونيبال- لبناء المشاريع الضخمة التي تمتاز بها هذه الدول والتي تستخدمها لعكس صورة حضارية عن البلاد، باعتبارها دولاً تقدمية. وتتمتع دول الخليج، لا سيما قطر والإمارات العربية المتحدة، بقدرتها على استكمال بُنية تحتية ومشاريع تجارية رفيعة المستوى مثل برج خليفة في دبي (عمل ما بين 10,000 إلى 12,000 عامل على بناء البرج)، وملاعب لنهائيات كأس العالم لعام 2022 في قطر، وجامعة عريقة ومتاحف في جزيرة السعديات في أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة.


عامل آسيوي ينظّف باحة مسجد الشيخ زايد الكبير في أبو ظبي بينما السياح يظهرون في الخلفية
عامل آسيوي ينظّف باحة مسجد الشيخ زايد الكبير في أبو ظبي بينما السياح يظهرون في الخلفية Photo Fanack


وعلى الرغم من أن دول مجلس التعاون الخليجي لا تعتبر كيان موّحد، إذ تواجه كل دولة منها تحديات خاصة فيما يتعلق بإدارة الهجرة والقوى العاملة، إلا أن هناك العديد من أوجه التشابه بأوضاع العمّال فيها. إنّ الظروف التي يواجهها العديد من هؤلاء العّمال، إلى جانب العاملين في القطاعات الأخرى، تصل إلى حدٍ كبير إلى العمل القسري والإتجار بالبشر:

• يتم استأجار العمّال للعمل في الخليج عن طريق الغش والخداع
• الإقامة القانونية للعمّال مقيدة، تحت نظام الكفالة، لصاحب عمل واحد فقط
• العمّال محرمون من حق نقل العمل إلى طرف ثالث
• العمّال محرومون من حقوق العمّال الأساسية الأخرى، مثل الحد الأدنى للأجور والحق في تنظيم الاضرابات.

تجعلهم هذه الظروف عُرضة، إلى حدٍ كبير، لسوء المعاملة والاستغلال.


نسبة الوافدين والمواطنين في اجمالي عدد السكان و القوة العاملة و القطاع الخاص في دول مجلس التعاون الخليج
الشكل 1: نسبة الوافدين والمواطنين في اجمالي عدد السكان و القوة العاملة و القطاع الخاص في دول مجلس التعاون الخليجي. المصادر: منظمات الإحصاءات الوطنية, Gulfmigration.eu, الأمم المتحدة. اضغط للتكبير.

التغرير بجذبهم إلى الخليج ومن ثم محاصرتهم

أحد أهم المشاكل المحورية التي تواجه العمّال المهاجرين في دول الخليج هو نظام الكفالة، الذي يُقيّد العامل وتصريح عمله، برب عمل واحد، الذي عادةً ما يكون من مواطني البلد. صمم هذا النظام في الأصل لتنظيم العمالة الأجنبية وتفويض الرقابة على ومسؤولية المهاجرين للمواطنين أو الشركات.

إلا أن النظام، في كثير من الحالات وليس جميعها، يشد الخناق على أولئك، وبدرجاتٍ مختلفة، الذين يتعرضون للأذى (مثل حجب الرواتب أو الأذى الجسدي) من قِبل أرباب العمل. ويحظر نظام الكفالة على العمّال تغيير أرباب العمل أو مغادرة البلاد دون إذن صاحب العمل. وفي حال حصل ذلك، يمتلك الكفيل الحق في إلغاء التأشيرة، ويخاطر العامل بالتعرض للاعتقال أو الترحيل.


التحويلات المالية للعمال من دول الخليج عام 2014
الشكل 2: التحويلات المالية للعمال من دول الخليج عام 2014 (مليون دولار) المصدر: البنك الدولي

وفي البحرين والإمارات العربية المتحدة فقط، يُسمح للعمّال، في ظل ظروف صارمة، تغيير وظائفهم دون إذن صاحب العمل. وينطبق هذا على جميع العاملين، سواء من ذوي الأجور المرتفعة أو المنخفضة، وأياً كانت جنسياتهم.

ويُعرف النظام على نطاقٍ واسع، بأنه يجعل المهاجرين عُرضة للاستغلال الذي قد يصل إلى حد العمل القسري. وجادل المقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان للمهاجرين، فرانسوا كريبو، بأن هذا النظام يخلق حالة من عدم التوازن، حيث يدفع أرباب العمل رسوماً مرتفعة لتوظيف العمال، وبالنظر إلى استثماراتهم الضخمة، يشعرون بحاجتهم إلى الاحتفاظ بالعّمال.

وفي قطر، تتراوح رسوم الاستقدام ما بين 6,000 إلى 15,000 ريال قطري (1,600- 4,000 دولار)، وذلك وفقاً لمنظمة حقوق المهاجرين (وهي منبر لمنظمة أهلية محلية تهدف إلى زيادة الوعي حول محنة العمال المهاجرين). ووفقاً لأصحاب العمل، فهم لا يملكون ضماناتٍ بأنّ الموظف سيستوفي احتياجات العمل.

ودعى المقرر العام، فرانسوا كريبو، إلى إلغاء نظام الكفالة وإدراج حقوق العمّال كاملة.

وفي حين أن قوانين الكفالة تتشابه من حيث الجوهر في جميع دول الخليج، تعتبر قطر والمملكة العربية السعودية الدول الوحيدة التي تطلب من المهاجرين الحصول على تأشيرة خروج قبل مغادرة البلاد. وعندما يرفض صاحب العمل إصدار تأشيرة خروج، يصبح العامل محاصراً. ويؤثر هذا على الذين يتقاضون أجوراً مرتفعة (الغربيين) وكذلك عمّال الأجور المنخفضة. وسلطت الأضواء على قضية لاعب كرة القدم الفرنسي، زاهر بلونيس، الذي لعب لصالح المنتخب القطري لكرة القدم، عام 2013 عندما مُنع من الحصول على تأشيرة للخروج لمدة عامين تقريباً بسبب خلاف قانوني مع إدارة المنتخب.

وهذا لا يعني أن العمال في الدول الأخرى يملكون حرية المغادرة عند الضرورة، إذ قد يواجهون تهماً جنائية في حال “الفرار” وقد يتعرضون للاعتقال.

الأكثر تضرراً من نظام الكفالة هم أولئك الذين تم استدراجهم إلى الخليج بوعودٍ بحصولهم على رواتب مرتفعة ومنافع أخرى، إلا أنهم أنهم يكتشفون تعرضهم للخداع بمجرد وصولهم. ويدفع المهاجرون الفقراء من دولٍ مثل بنغلاديش ونيبال، رسوماً باهظة لوكالات التوظيف (تصل إلى آلاف الدولارات)، حيث عادةً ما يقترضون هذه الأموال في ديارهم. ولدى وصولهم، غالباً ما يتم سحب جوازات سفرهم منهم (على الرغم من أن هذا مخالف للقانون في جميع دول مجلس التعاون الخليجي)، ويجبرون على توقيع عقود تختلف عن تلك التي وقعوّها في ديارهم، ويجدون أن الراوتب أقل بكثير مما كان متوقعاً. وتشير الاحصاءات الصادرة عن هيئة تنظيم سوق العمل في البحرين إلى أنه في عام 2011، 65% من العمال لم يطلعوا على عقود توظيفهم، وأنّ 89% لم يكونوا يدركون، عند وصولهم، شروط عملهم. ونتيجة لذلك، يعاني العديد من المهاجرين لتسديد الديون التي اقترضوها من أجل الحصول على الوظيفة، ناهيك عن التجاوزات التي يعاني منها كثيرون، بما في ذلك حجب الرواتب، والخصم من الرواتب، وساعات العمل الطويلة، وأماكن الأقامة غير الملائمة.

وبسبب نظام الكفالة، لا يملك العمّال غالباً وسيلة لتقديم شكوى أو الإبلاغ عن ظروف العمل السيئة، إذ يعتمدون اعتماداً كلياً على أهواء أصحاب العمل للحصول على إقاماتهم القانونية في البلاد.

ومع ذلك، لا يزال الخليج يجذب العمّال من الدول التي تنخفض فيها الرواتب، وحيث يعتمد كثير من الناس على التحويلات المالية من أفراد الأسر الذين يعملون في المنطقة(انظر الشكل 2). ووفقاً لمنظمة العمل الدولية، يكسب موظف في المملكة العربية السعودية حوالي 1400 دولار في الشهر، في حين أن متوسط الراوتب في الفلبين 100 دولار. ومن جهة أخرى، يكسب عامل بناء في بنغلاديش في المتوسط 65 دولاراً في الشهر، في حين انه يمكن أن يكسب حوالي 500 دولار في الكويت.


حجب الأجور

أحد أكثر الانتهاكات لحقوق العمال انتشاراً في منطقة الخليج هي تأخير دفع الأجور أو حتى عدم دفع الأجور، والتي يعاني منها العمال في العديد من القطاعات. يشّكل هذا مشكلة كبيرة بالنسبة للعمال، حيث أن العديد منهم مثقلون بالديون حتى قبل وصولهم إلى البلد المضيف، بسبب الرسوم التي يضطرون إلى دفعها لوكالات التوظيف. فهم يكافحون من أجل تغطية نفقاتهم، وتعرض هذه الديون أفراد الأسرة في الوطن للخطر، إذ غالباً ما يعتمدون على التحويلات المالية للعيش.

ففي سلطنة عُمان، تقطعت السُبل بألف عامل مهاجر على الأقل في العاصمة مسقط في النصف الأول من عام 2015، عندما فشل أرباب العمل في دفع رواتبهم. وقال أحد العاملين في شركة للبناء في قطاع النفط لمنظمة حقوق المهاجرين أن مئات من زملائه لم يحصلوا على رواتب منذ ستة أشهر. وبحسب ما ورد، فإن الشركات تستخدم تأثير انخفاض سعر النفط ذريعة لعدم دفع الرواتب وتجديد بطاقات العمل للعمال، مما يترك المهاجرين مقيمين غير شرعيين.

وفي معظم دول الخليج، غالباً ما ينظم العمال المهاجرون إضراباً للاحتجاج على عدم دفع الأجور. وأفادت منظمة حقوق المهاجرين أنه في مايو 2015، نظم 400 عامل نظافة في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب (PAAET) في الكويت إضراباً احتجاجاً على عدم دفع أجورهم لمدة تصل إلى ثمانية أشهر. وقال العمال لوسائل الإعلام المحلية أنهم كانوا يعتاشون من الأطعمة والأموال التي يتبرع بها الطلاب في الحرم الجامعي. وبدلاً من حل قضيتهم، حجبت شركات العمّال رواتبهم للضغط على الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب لدفع الديون المستحقة عليها.

في الواقع، تعتبر الإضرابات العمالية، وأي شكل من أشكال المفاوضات الجماعية، غير قانونية في جميع دول الخليج، وكثيراً ما قوبلت بالقمع العنيف. فقد أدى إضراب قام به حوالي 2000 عامل في أحد مصانع صناعة الملابس في البحرين للمطالبة بتحسين ظروف العمل والأجور، إلى اعتقال وترحيل 12 من منظمي الإضراب، الذين تعرضوا للتهديد بسبب تنظيم إضراب غير قانوني. وفي الإمارات العربية المتحدة، يتم التعامل مع الإضرابات العمالية بقمع شديد، وبخاصة بعد الكشف عن سوء معاملة عمال بناء في مشاريع بارزة في أبو ظبي. ومن أصل 3,000 عامل نظموا إضراباً هناك، تم اعتقال وتعذيب وترحيل 300 منهم.

ولكن لا تلجأ دول الخليج إلى ترحيل العمال المهاجرين فقط عند تنظيمهم إضرابات. ففي نوفمبر 2013، شرعت المملكة العربية السعودية بحملة اعتقالٍ وترحيلٍ للعمال المهاجرين غير الشرعيين، الذين كانوا بشكلٍ أساسي من اليمن والصومال وأثيوبيا. وذكرت الحكومة السعودية آنذاك أنّ هؤلاء المهاجرين ينتهكون قانون العمل وتوعدت بملاحقة أي مهاجر لا يتبع لصاحب عمل محدد.

ولم ترحل الحكومة السعودي أي يمني منذ أواخر مارس 2015، وذلك بعد اشتداد الحرب في اليمن، إلا أن ترحيل المهاجرين من جنسيات أخرى لا زال مستمراً. وفي نهاية يوليو 2015، ذكرت السلطات السعودية أنها رحلّت أكثر من 1,2 مليون شخص “غير نظامي” على مدى الـ22 شهراً الماضية.

وأسفرت هذه الحملة عن سوء معاملة العديد من العمّال، وذلك وفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش. ولم يُسمح لأي من العمال الذين قابلتهم منظمة هيومن رايتس ووتش بالطعن بقرار ترحيلهم. إن غالبية العمال غير الشرعيين دخلوا المملكة العربية السعودية بشكل غير قانوني عبر الحدود مع اليمن، إلا أن الأمر انتهى بالبعض منهم بالإقامة غير الشرعية في البلاد بعد فرارهم من المعاملة السيئة لأرباب العمل. أولئك الذين يُطلق عليهم “متوارين عن الأنظار” يخالفون قانون العمل عند فرارهم من صاحب العمل الوحيد.

ووفقاً لمنظمة حقوق المهاجرين، فر حوالي نصف مليون عامل من أرباب العمل في المملكة العربية السعودية عام 2013.

كما بررت السلطات السعودية حملة القمع التي شنتها بالقول أنها بحاجة لخلق فرص عمل لأبناء شعبها، حيث تصل نسبة البطالة بين الشباب إلى 28.3%، وذلك وفقاً لكتاب حقائق العالم لعام 2012، وفي حين تتعرض المملكة العربية السعودية لضغوطاتٍ لتوفير المزيد من فرص العمل لأبنائها، إلا أن هناك شكوك فيما إذا كان السعوديون أنفسهم مستعدين لتحمل الوظائف التي يقوم بها المهاجرون. وأشار استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب أن غالبية السعوديين يفضلون الوظائف الحكومية، نظراً للاستقرار الكبير الذي يحظون به في مثل هذه الوظائف.

ولا ينحصر الأمر بتعرض المهاجرين غير النظامين فقط للاعتقال التعسفي والترحيل. ففي الكويت، يجوز إبعاد المهاجرين من أي جنسية غير الكويتية، حتى وإن انتهكوا على سبيل المثال قانون السير. ففي يونيو 2015، تم ترحيل مواطن بريطاني بسبب قيادته السيارة دون حصوله على رخصة كويتية. ووفقاً لمنظمة حقوق المهاجرين، اعتقلت الكويت 25,000 مهاجر في النصف الأول من عام 2014.

تتعرض معظم دول الخليج لضغوطات لتوفير فرص عمل لمواطنيها وتحاول عكس الخلل الديموغرافي الناجم عن العمالة الوافدة. وتخطط عُمان خفض العمالة الوافدة بنسبة 6%، أو حوالي 200,000 عامل. وتعتزم الكويت خفض عدد العمال المهاجرين بما يصل إلى 100,000 عامل كل عام. ومع ذلك، لا بد أن ننتظر ونرى مدى نجاح هذه السياسات. ففي عُمان، تسرعت السلطات في إجبار الشركات على توظيف المواطنين العُمانيين بدلاً من العمالة الوافدة، مما أدى، بسبب نقص التدريب، إلى تدهور نوعية الخدمات وعدم رضى العمال. وذكرت صحيفة جلف نيوز أن أكثر من 60,000 عُماني استقالوا من القطاع الخاص في عام 2014 وحده، مما يدل على التقدم البطيء في تأميم القوى العاملة.

يتم ترسيخ سياسات التأميم هذه بسبب التمييز ضد العمال المهاجرين ذوي الأجور المنخفضة. ووفقاً لمقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق الإنسان للمهاجرين، فرانسوا كريبو، غالباً ما ينظر أرباب العمل في قطر إلى المهاجرين باعتبارهم “مُلكية” بدلاً من النظر إليهم باعتبارهم بشر يتمتعون بنفس حقوق الإنسان التي يتمتع بها المواطنون القطريون؛ إذ ينعكس هذا في الاستغلال المنهجي للمهاجرين، ولا سيما العاملات في المنازل. ويُنظر إلى بعض الجنسيات باعتبارها أكثر قيمة من غيرها ويُدفع لهم رواتب أعلى، حتى عندما يؤدون نفس العمل. وفي مارس 2013، وافقت الكويت على قانون بفصل الخدمات الطبية التي تمولها الدولة وتحديد مواعيد منفصلة للمواطنين والمقيمين. وبموجبه، يكون بمقدور المواطنين الكويتيين الاستفادة من الخدمات الطبية في الصباح، في حين لا يُسمح لغير المواطنين بزيارة الأطباء إلا في فترة ما بعد الظهر. وصف النشطاء هذا القانون بالعنصري.


السلامة أولاً، أم السلامة آخراً؟

كانت دول الخليج قادرةً على إنهاء بنيتها التحتية الحديثة بفضل ملايين عمال البناء المهاجرين من آسيا وغيرها من الدول، إلا أن السلامة ليست على قائمة الأولويات، إذ يواجه العمال مخاطر شخصية كبير.
وكشفت صحيفة الجارديان البريطانية اليومية في سبتمبر 2013، استناداً إلى أرقام تم الحصول عليها من السفارة النيبالية، أنّ العمال النيباليين يتوفون في قطر بمعدل فرد واحد يومياً، معظمهم بسبب تعرضهم لقصور حاد في القلب. التحقيق الصحفي، الذي وجد أيضاً انتهاكات واسعة، آثار تساؤلات حول استعدادات قطر لاستضافة نهائيات كأس العالم عام 2022. وفي مايو 2015، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن حوالي 1200 عامل لقوا حتفهم أثناء عملهم على البنية التحتية لنهائيات كأس العالم. وتم انتقاد التقرير، الذي اشتمل أيضاً على أعداد العمال الذين كانوا يعملون على البُنية التحتية لمنشآت البطولة الكروية، إلا أنه يرسم صورة لظروف العمل الخطرة، والقاتلة أحياناً، التي يواجهها العمّال. وفي حين يعتبر كأس العالم من المشاريع المهمة ورفيعة المستوى بالنسبة لقطر، فإن فورة البناء في قطر كانت ستحصل سواء فازت قطر باستضافة النهائيات أم لم تفز. وأشارات العديد من التقارير، أن هذه الوفيات تسببها الضغوطات الكبيرة التي يتعرض لها العمال أثناء عملهم في قطر، فضلاً عن عملهم غالباً تحت أشعة الشمس الحارقة ولساعات طويلة لتحقيق أهداف صاحب العمل. وما يُثير الشكوك حول هذه الوفيات هو أنّ غالبية عمال البناء المهاجرين من الشباب الذين اجروا فحوصات طبية قبل السفر إلى قطر.

كما سجلت السفارة الهندية في قطر أكثر من 3850 شكوى تتعلق بقضايا العمل والرعاية الاجتماعية خلال عام 2014.
ولا يتعرض العمال في قطر فقط للخطر. ففي الكويت، أدى الفساد “المتفشي” إلى ظروف عمل خطرة، ووقوع العديد من الحوادث في مواقع البناء، وذلك وفقاً لمنظمة حقوق المهاجرين. وغالباً ما يفتقر العمال إلى معدات السلامة المناسبة، ويستخدم المقاولون مواد رخيصة للتوفير في تكاليف الإنتاج. ففي مارس 2015، توفي عاملان من الجنسية المصرية خلال أعمال بناء مسجد صباح الأحمد الذي تموله الدولة، بعد انهيار المبنى، نظراً لاستخدام مواد بناء رخيصة وعدم اتخاذ اجراءات السلامة.

وفي عام 2014 وحده، ذكرت الإدارة العامة للإطفاء في الكويت انهيار 48 مبنى خلال عملية البناء.
مشروع آخر ضخم بتمويل من حكومة الكويت، الحرم الجامعي الجديد لجامعة الكويت على مشارف مدينة الكويت، الذي كان مسرحاً للعديد من الحوادث وسقوط عدد من القتلى. فقد اشتعلت النيران في الموقع في يونيو 2013 وديسمبر 2014، مما أسفر عن تدمير مبنى مكوّن من 4 طوابق. وفي مايو 2014، تم دفن عاملين، على الأقل، من الجنسية المصرية في حفرة عميقة بلغ عمقها 8 أمتار عندما وقع انهيار أرضي في الموقع، حيث استقال وزير التعليم في الكويت آنذاك، أحمد المليفي، في أعقاب الحادث. وفي يونيو 2015، توفي عامل أثناء عملية هدم مبنى تجاري، بسبب سقوط حفارة من الطابق التاسع بعد انهيار الطابق أسفلها.

مال بناء يعملون في ظروف غير آمنة في موقع بناء في مسقط, سلطنة عُمان
Oman_construction_workers_Fanack
عمال بناء يعملون في ظروف غير آمنة في موقع بناء في مسقط, سلطنة عُمان. Photo Fanack

“تأتي بضمان لمدة ثلاثة أشهر”- عمال المنازل

يعتبر ملايين عمال المنازل من الخدم والمربيات والطهاة والسائقين، وغالبيتهم من دول آسيا، أكثر فئة من فئات العمال المهاجرين عرضة للهجوم. ويعمل أكثر من 750,000 من عمّال المنازل في الإمارات العربية المتحدة، إذ توظف 96% من الأسر الإمارتية عمّال المنازل للاعتناء بأطفالهم. كما أن هناك حوالي 620,000 عامل منزلي في الكويت، أي ما نسبته 21,9% من إجمالي فرص العمل في البلاد.

ومع ذلك، غالباً ما يتعرضون لسوء المعاملة. وتنتشر سوء معاملة واستغلال خدم المنازل على نطاق واسع في الخليج، إذ يخضعون لساعات عمل طويلة للغاية، إذ يصل متوسط ساعات العمل في السعودية إلى 63,7 ساعة في الأسبوع، فضلاً عن الإساءة البدنية والجنسية وفي بعض الأحيان يُحظر عليهم التواصل مع العالم الخارجي أو حتى قضاء بعض الوقت خارج المنزل. وفي كثير من الأحيان، يهرب خدم المنازل إلى سفارات بلدانهم، إذ لا يحصلون دوماً على مساعدة وكالات التوظيف التي جلبتهم إلى البلاد. وعند فرارهم من أصحاب العمل، يعتبرون “هاربين” وينتهكون بذلك قوانين العمل في البلاد، وهذا بدوره يضعهم ضمن دائرة خطر الاعتقال أو الأسوء من ذلك، الترحيل.

لا يتمتع العمال بالحماية بموجب أي قانون، إذ يُستثنى عمال المنازل من قوانين العمل في جميع دول مجلس التعاون الخليجي الست. ولا يُنظر إلى العمال باعتبارهم موظفين، كما لا تعتبر الأماكن التي يعملون بها، مثل منازل المواطنين أو المغتربين، أماكن عمل. ونتيجةً لذلك، فإن حقوق عمال المنازل، والأجور، وأيام الإجازة، غير محمية. ويقول أصحاب العمل ووكالات التوظيف أن حقوقهم محمية من خلال العقد المبرم بين العامل وصاحب العمل، إلا أن التبعية الاقتصادية وصعوبة الوصول (أو عدم المعرفة بـ) إلى آلية الشكوى تجعل من الصعب الإبلاغ عن ظروف العمل الصعبة.

ونقلاً للموقف اتجاه عاملات المنازل، نذكر التصريح التالي لإحدى وكالات التوظيف في قطر في مكالمة هاتفية مع منظمة العفو الدولية: “تأتي بضمانة لمدة ثلاثة أشهر، وإن لم تكن جيدة، يمكنك استبدالها.”

ووفقاً لتقرير منظمة العفو الدولية “نمو هو راحتي” إن من مصلحة وكالات التوظيف إعادة العامل/العاملة إلى صاحب العمل أو ببساطة توظيف عامل آخر. وفي حال فرار العامل/ العاملة ولو لمرة واحدة من صاحب العمل، يتعرض/يتعرضن للاحتجاز أو حتى الترحيل. ولم يكن أرباب عمل النساء اللواتي وقعن ضحايا للعنف البدني أو الجنسي عُرضة للمساءلة. ومن بين الـ52 من عاملات المنازل اللواتي قابلتهم منظمة العفو، أبلغت إثني عشر منهن عن تعرضهن للعنف، بما في ذلك الصفع على الوجه، ووخز العيون، والحرق بالزيت الحار، والركل في المعدة. ولم تفد أي ممن تعرضن للإساءة بالملاحقة القضائية أو إدانة المتعدي عليهن. كما وجدت منظمة العفو الدولية حالات اتهمت فيها العاملات بإقامة “علاقة غير شرعية،” أي خارج إطار الزواج، وهو أمر غير قانوني في دول الخليج بعد الإبلاغ عن تعرضهن للاغتصاب.

وفي جميع دول الخليج، ينتهي الأمر بالعمّال المهاجرين باعتبارهم مقيمين غير شرعيين عند فرارهم من صاحب العمل دون إذن صاحب العمل.

وغالباً ما تشتكي البلدان الأصلية للعاملين مثل الفلبين من التعامل غير العادل مع مواطنيها أو تقاضيهم أجور قليلة في البلدان التي يعملون بها. وفي بعض الأحيان، يمنعون مواطنيهم من العمل في بعض دول الخليج، إلا أنّ فرض مثل هذا المنع أمر صعب، إذ أن هناك عادةً دول أكثر فقراً تستطيع دول الخليج توظيف العمّال منها. وتعتمد مثل هذه البلدان اعتماداً كبيراً على التحويلات المالية المُرسلة من مواطنيها العاملين في الخارج. فعلى سبيل المثال، تلقت بنغلاديش تحويلات بقيمة 8,4 مليار دولار من العاملين في دول الخليج الست عام 2014، وذلك وفقاً للبنك الدولي.


إصلاحات محدودة

وعدت دول الخليج، تحت ضغوطات دولية، بإصلاح قوانين العمل والكفالة. وفي عام 2009، أصدرت الحكومة البحرينية قانوناً يسمح للعمال باستبدال صاحب العمل دون إذن، إلا أنه تم تعديل القانون عام 2011، والذي بموجبه يُطلب من العمّال البقاء مع صاحب العمل لسنة واحدة على الأقل قبل السماح باستبدال صاحب العمل. وأعلنت قطر، التي تتسلط عليها الأضواء حالياً بسبب طفرة البناء لمنشآت كأس العالم، عن إلغاء نظام الكفالة في مايو 2014، ولكن وفقاً لمنظمة حقوق المهاجرين، عارض مجلس الشورى القطري إجراء تعديلات على القانون، فيما يُقال أنه لصالح أرباب العمل.

ولا يزال نظام الكفالة فعالاً في جميع دول مجلس التعاون الخليجي.

كما أن أحد الأسباب التي تجعل إلغاء هذا النظام أمراً صعباً أنّ بعض مواطني الخليج يستفيدون مالياً منه، من خلال بيع التأشيرات للعمال، حتى وإن كانوا لا يريدون توظيفهم. تكلّف هذه التأشيرات التي يُطلق عليها اسم “التأشيرات الحرة” التي تعدّغير قانونية في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، العمّال أموالاً طائلة، إلا أنها تمكنهم من العمل لعدة أرباب عمل وتمنحهم المزيد من الاستقلالية. كما يقوم بعض الأفراد أيضاً بتوظيف “الهاربين” وبالتالي يتجنبون تكاليف التوظيف المرتفعة.

ولضمان دفع رواتب العمال في الوقت المحدد، أو حتى ضمان حصولهم على رواتب من الأساس، أدخلت العديد من دول الخليج نظام حماية الأجور، الذي يُلزم أرباب العمل بدفع رواتب العاملين عن طريق التحويلات البنكية. قدّمت قطر النظام في فبراير 2015، ومنحت الشركات مهلة ستة أشهر لتنفيذ هذا الإجراء، وفرضت عقوبة بالسجن لمدة شهر واحد ودفع غرامة تصل إلى 6000 ريال قطري (1600 دولار) في حال فشل الشركة في تطبيقه. وعلى الرغم من ترحيب نشطاء حقوق الإنسان بالإجراء، إلا أنهم يجادلون أنه لا يحل قضايا أخرى مثل الاقتطاعات غير العادلة للأجور، وعدم الدفع بدل ساعات العمل الإضافية، والحد الأدنى للأجور. وبعد تأخير لعدة أشهر، قال مسؤولون قطريون أنهم سيبدأون فرض القانون بداية نوفمبر 2015.

يتم العمل بنظام حماية الأجور في الإمارات العربية المتحدة منذ عام 2009، وفي المملكة العربية السعودية منذ عام 2014.

كما كان هناك محاولات لحماية حقوق العاملات في المنازل. فخلال اجتماع وزارء العمل في دول مجلس التعاون الخليجي في نوفمبر 2014، قيل أن الوزراء اتفقوا على اعتماد عقد موحد لعاملي المنازل في المنطقة. كما رحبت منظمات المجتمع المدني بمثل هذا العقد النموذجي، لأن من شأنه توفير ميعار أفضل لجميع العاملين في المنازل، إلا أنه تم التراجع عن الإعلان من قبل مسؤولين في دول مجلس التعاون الخليجي في يناير 2015، مصرحين بأنهم لا يملكون السُلطة لإدخال تغييرات ملزمة.

وفي يونيو 2015، اقترح البرلمان الكويتي مشروع قانون العاملين في المنازل، والذي سيكون أول قانون في المنطقة مخصص لعمال المنازل. ويمنح القانون العمال يوم راحة في الأسبوع، وإجازة سنوية مدفوعة الأجر لمدة 30 يوماً، واستحقاقات نهاية الخدمة، وغيرها من الحقوق، إلا أنه لم يتم التطرق حتى الآن للقضايا الجوهرية، حيث لم تحديد ساعات العمل القصوى حتى الآن بشكل واضح، فضلاً عن عدم ضمان، بأي وسيلة، الإبلاغ عن الاعتداءات، وكحال العاملين الآخرين، يُمنع تغيير أصحاب العمل دون إذن. كما فشل القانون في التطرق إلى آلية التطبيق، مثل مراقبة العمل. وعلى العكس، يسمح القانون لأرباب العمل باحتجاز جواز سفر العامل “بموافقة العامل.”

ووفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش، تخطت الكويت دول الخليج الأخرى في حماية حقوق العاملين في المنازل. ويمنح قانون العمل البحريني لعام 2012، العمال إجازات سنوية ومدخلاً للوساطة في النزاعات العمّالية، إلا أنه لا يوفر الحماية مثل أيام العطل الأسبوعية، والحد الأدنى للأجور، وتحديد ساعات العمل. كما اعتمدت المملكة العربية السعودية قوانين تتعلق بأيام العطل والإجازات، ومع ذلك لا يزال يُطلب من العمال العمل لمدة تصل إلى 15 ساعة في اليوم.

وعلى الرغم من محاولات الإصلاح، التي تعتبر بعضها إيجابية، على الأقل نظرياً، إلا أن الطريق لا يزال طويلا جداً أمام دول الخليج. وأكدت منظمات حقوق الإنسان، بما أن نظام الكفالة التقييدي لا يزال موضع تنفيذ بالإضافة إلى التطبيق غير الملائم للقانون، لا يزال العمال المهاجرون  عرضة للاستغلال وسوء المعاملة. وهذا بدوره، يضر بالصورة الحديثة والتقدمية للمنطقة، وهي صورة تحرص هذه الدول على الحفاظ عليها.