وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

العنفُ ضد النساء والفتيات يشهدُ ارتفاعًا حادًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

العنفُ ضد النساء
ناشطون يشاركون في مظاهرة ضد التحرش الجنسي والاغتصاب والعنف الأسري في العاصمة اللبنانية بيروت ، 7 ديسمبر 2019. انور عمرو / وكالة الصحافة الفرنسية

دانا حوراني

نيّرة أشرف، هي طالبة تبلغُ من العمرِ 21 عامًا من مدينة المنصورة شمال مصر. كانت على وشك الدخول إلى جامعتها في 20 يونيو عندما هاجمها رجل وطعنها حتى الموت.

إيمان راشد، هي طالبةُ تمريض تبلغُ من العمرِ 21 عامًا من عمان، الأردن. قُتِلت بشكلٍ مأساوي في الحرم الجامعي بعد ثلاثةِ أيام من مقتل الطالبة نيّرة أشرف.

بمجرد وصول الشرطة، أطلق مهاجم إيمان راشد النار على رأسه. أما قاتل نيّرة أشرف فقد تمّ القبض عليه وحُكِم بالإعدام بعد حوالي ثمانية أيام من ارتكاب الجريمة.

لقد هدّد القاتلان ضحيّتهما لرفضهما الارتباط بهما. وكان السبب وراء جريمة القاتل المصري محمد عادل هو رفض نيّرة لطلب الارتباط به عدّة مرات.

وبالمثل، يُزعَم أن إيمان راشد تلقّت رسالة من عُدي خالد عبد الله حسن، البالغ من العمر 37 عامًا، يهدّدها بالقتلِ بطريقةٍ تشبه نيّرة أشرف إذا رفضت التحدث إليه.

ذهبتا ولكن لم تُنسيا أبدًا

في حين تم تداول مقتل الطالبتان أشرف وراشد على نطاقٍ واسعٍ، إلّا أنّ شهر يونيو شهد مقتل العديد من النساء الأخريات في جميع أنحاء المنطقة.

لُبنى منصور، هي امرأة أردنية من أصلٍ فلسطيني تبلغ من العمر 24 عامًا، قُتِلت طعنًا في وضح النهار في 24 يونيو وعُثِر على جثّتها داخل سيارتها. وبحسب تقاريرَ إعلامية، قُتِلت منصور على يد زوجها في مدينة الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة، قبل أيامٍ فقط من استعدادها للفوز بقضية طلاقها.

وفي 24 يونيو، تم اكتشاف رنين سلعوس، وهي طالبة تبلغ من العمر 20 عامًا من قرية مجدل بني فاضل الفلسطينية، جثّةً تتدلّى من شجرةٍ. ومن دون تحقيق قاطع، تُشير النظريات المنتشرة إلى أن أقرباء الضحية هم من نفّذوا جريمة القتل. وذلك لتظهر على أنّها انتحار بعد أن اختارت سلعوس الزواج من ابن عمّها الذي رفضته والدتها.

كذلك، في 28 يونيو، تمّ العثور على جثّة المذيعة والصحفية المصرية شيماء جمال، 42 عامًا، مدفونة في مزرعة في الجيزة، حيث كشفت فحوصات التشريح عن وجود ضربات وخنق وتشويه على وجهها والقسم العلوي من جسمها.

وكان القاضي أيمن حجاج، المشتبه به الرئيسي، هو زوج الضحية حيث كشف أمره شريكه المتواطِئ معه في الجريمة. وهذا الأخير قاد سلطات إنفاذ القانون إلى مكان الجثة.

وبالمثل، قبل أيام، ذكرت وسائل إعلام محلية أن رجل أعمال مصري لم يُذكَر اسمه، قتل زوجته الحامل وأضرم النار في جثّتها قبل دفنها في منطقةٍ مهجورة. وكان الدافع وراء القتل، حسب تقاريرَ إعلامية، هو حقيقة أنّها كانت حامل بأنثى وليس ذكر.

وكانت أسرة الضحية قد أبلغت الشرطة في الجيزة باختفاءِ ابنتها بشكل مفاجئ، ثلاث مرات قبل أن يعترف الزوج بجريمة القتل التي ارتكبها. وقبل تنفيذ عملية القتل، تعرّضت الضحية لإساءةٍ جسدية وعاطفية شديدة.

إن العنف ضدّ المرأة، بجميع أشكاله، ليس خاصًا بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولا يقتصر عليها فحسب. ومع ذلك، لطالما تحيّزت الأنظمة الأبوية الراسخة في المنطقة ضدّ المرأة بموجب القانون وداخل المجتمع، مما أدى إلى تطبيع العنف وتمكينه.

وقالت الناشطة النسائية والصحفية وفاء خيري لفَنَك: “الفرق بين قتل النساءِ في الغرب وقتلهنّ في الشرق الأوسط، هو أن النساء يُنظر إليهنّ على قدم المساواة مع الرجال في الدول الغربية. وبالتالي، يتم منحهنّ مزيدًا من الحماية القانونية والاجتماعية”.

“جائحة الظلّ”

مؤخّرًا، زادت معدّلات العنف ضدّ المرأة بشكلٍ كبيرٍ. وقد وصفت هيئة الأمم المتحدة للمرأة هذا الارتفاع بأنّه “جائحة الظل“. لا سيما في ضوء عمليات الإغلاق الزائدة جراء كوفيد-19، والتي أجبرت العديد من النساء على البقاء في عُزلةٍ مع من يسيئون إليهنّ.

ووفقًا لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، تعرّضت 37٪ من النساء العربيات لشكلٍ من أشكال العنف في حياتهنّ. ومع ذلك، لم يتم الإبلاغ عن عددٍ كبيرٍ من الحالات.

وتمتنع أكثر من من كل 10 نساء ناجيات من العنف عن طلب الدعم أو الحماية.

وتحظى “جرائم الانفعال العاطفي” أو جرائم القتل، التي يرتكبها الرجال الذين يرفضون الإقرار بحقّ المرأة في رفض طلبهم الرومانسي، باهتمام أكبر من “جرائم الشرف“. فتُقتل امرأة أو فتاة على يدِ أفراد الأسرة الذين يصوّرون الضحية على أنّها جلبت العار للأسرة.

وخلال السنوات الأخيرة، وَضَع المدافعون عن حقوق الإنسان والناشطات النسويات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قضايا حقوق المرأة على رأس قائمة أولوياتهم. ومع ذلك، واجه الكثيرون تهديدات بالاغتصاب والقتل، فضلًا عن أعمال الترهيب والقمع الحكومي، وفقًا لتقريرٍ صادرٍ عن منظّمة العفو الدولية.

وتفتقر المنطقة أيضًا إلى حدٍّ كبيرٍ إلى الآليات اللازمة لحماية النساء من العنف القائم على النوع الاجتماعي، مثل توفير الملاجئ والخطوط الساخنة. بالإضافة إلى ذلك، حتى عندما يتم إصدار قوانين لحماية المرأة من العنف، نادرًا ما يتمّ تطبيقها بالشكل الصحيح.

وتوجد مثل هذه القوانين في الأردن والمملكة العربية السعودية ولبنان والبحرين وتونس والمغرب. لكن المشرّعين والسلطات الدينية لهم اليد العليا ويمنعون في كثيرٍ من الحالات مراجعة وتنفيذ هذه القوانين.

وقالت خيري: “تلعب السلطة دورًا كبيرًا في تطبيق القوانين. وتملك الجماعات الدينية سلطة كُبرى على الخطاب العام حول حقوق المرأة. لذلك، لا يرفض الجمهور دائمًا المفاهيم المعادية للمرأة التي تدعو إليها”.

علاوةً على ذلك، يزعم بعض الخبراء أن القضاة يتجنّبون الحُكم ضد المعنّفين كنوع من “التعاطف الذكوري في أوقات الأزمات”، حيث يُعتَقد أن العائلات تتأثّر ماليًا في غياب المعيل الذكر.

ثقافة إلقاء اللوم على الضحية

تدّعي خيري أن النساء غير المحجّبات في مصر يتعرّضن لضررٍ كبير، نظرًا لأن الكثير من الملافظ الدينية تُنسِب تحرّش الرجال وعنفهم إلى ملابس النساء.

على سبيل المثال، قالت مبروك عطية خلال مقابلة تلفزيونية، وهي أستاذة الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر في القاهرة، أن الطالبة المقتولة نيّرة أشرف كانت مسؤولة عن موتها. وذلك لأنها لم تكن محجبة، مما دفع رجلًا إلى قتلها.

وتابعت عطية بالقول أنّه إذا رغبت النساء في تجنّب “نفس مصير أشرف”، فعليهنّ “تغطية أنفسهنّ بالكامل”.

كما صرّحت عطية البالغة من العمر 63 عامًا في مقطعِ فيديو انتشر على نطاقٍ واسعٍ في أعقاب مقتل أشرف: “حسنًا، هيا، أسدلي شعرك وارتدي ملابس ضيّقة. و[الرجال] سيطاردونك ويقتلونك. استمري [مع] حرياتك الشخصية هذه.”

وفي اعترافه أمام المحكمة، ألقى القاتل باللوم على الضحية لاستهزائها به عندما هدّدها بقتلها لأوّل مرة. فقال “شعرتُ بالإهانة في ذلك اليوم لدرجةِ أنّني بدأت في تعاطي المخدّرات لأثبت لها أنني رجل… تناولتُ المخدرات حتى أتمكّن من قتلها وأُظهِر للجميع أنني لست ضعيفًا، ولا أندم على أفعالي. ”

وتؤكّد خيري أنه إذا كان القاتل من عائلة أكثر ثراءً وذات علاقات واسعة، لكان الحكم مختلفًا. ومع ذلك، فهي تعتقد أن الخطاب السائد حول إلقاء اللوم على الضحية سيؤدّي إلى مزيدٍ من أعمال العنف ضدّ المرأة في المنطقة.

وقالت: “يشعر الرجال بأنهم قد تحرّروا من أي مسؤولية أخلاقية منذ ولادتهم. لذلك بمجرد أن يشهدوا مشاركة كل هذه الكراهية ضد النساء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لن يصدّقوا بعد الآن أن أفعالهم لها تداعيات”.

وأضافت بالقول “رجال الشرق الأوسط، الذين تغذّوا على القيم الأبوية منذ سنٍّ مبكرة، تربّوا على رؤية النساء ككائنات جنسية موضوعية يتمتّعون بالسلطة عليها. وبعض العائلات تفرح حتى بولادة الذكور وتبغض ولادة الإناث.”

وتابعت خيري: “يجد بعض الرجال صعوبة في الاعتراف برفض المرأة لطلب تقدّمهم، حيث يتم تربيتهم على الاعتقاد بأن الرجال يتمتّعون بامتيازات وهيمنة، بينما النساء أدنى منزلةً ويجب أن يخضَعْنَ لهم.”

في حين أن إلقاء اللوم على الضحية هو طريقة لإسكات النساء، فإن الرقابة هي طريقة أخرى. وفي أعقاب مقتل راشد، دعا المتحدّث الرسمي باسم مديرية الأمن العام الأردني، عامر السرطاوي، جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ومواقع التواصل الاجتماعي إلى عدم نشر “أي أخبار ومعلومات غير موثوقة من غير مصادرها الرسمية”.

وبرّر قراره هذا بالقول أن المعلومات التي يتم مشاركتها تؤثّر على مسار التحقيق وعلى عائلة الضحية. ومع ذلك، كان نشطاءَ حقوق الإنسان ينظرون إلى هذا على أنّه وسيلة لإسكات الإدانة الواسعة النطاق على ضُعف كل من أمن الجامعة وقوات تنفيذ القانون المحلية.

وأثناء مقابلة تلفزيونية، قال أحمد العجلوني، نائب رئيس قسم العلوم التطبيقية في الجامعة التي قُتلت فيها راشد: “في أمريكا، يدخل شخص إلى مدرسة ثانوية كل يوم ويقتل 20 شخصًا”. وتابع أن قضية راشد “[هي] قضية بسيطة للغاية، ومع ذلك فإنّنا نميل إلى تعظيم القضايا البسيطة”.

وأجابت خيري: “إنّها حتمًا مقارنة خاطئة”. لا يرتبط هذا بالافتقار إلى القوانين المتعلّقة بالبنادق وإطلاق النار المتفشّي في المدارس التي تُعتبر فريدة إلى حدٍ ما بالنسبة للولايات المتحدة – بل يتعلّق بامرأة قُتِلت لرفضها رجلًا، وثقافة تقلّل من شأنها لتتجنّب ما يشبه المسؤولية.”

العنف في كل مكان

قالت جهان عيسى، منسّقة استراتيجية العنف القائم على النوع الاجتماعي في مؤسّسة أبعاد، وهو مركز موارد لبناني للمساواة بين الجنسين، لفَنَك أن إدخال قوانين الحماية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لن يكون فعّالًا إلا من خلال استراتيجيات التنفيذ الصحيحة. ويجب أن تكون تلك القوانين مصحوبة بجلسات توعية لجميع المجتمعات، كإدراج تعليم المساواة بين الجنسين في البرامج المدرسية.

وأضافت: “من الضروري أن تتّخذ وسائل الإعلام نهجًا إعلاميًا، وأن تساعد في تنظيم الخطاب العام حول حماية النساء بدلًا من تبرير أعمال الرجال العنيفة”.

وصرّحت عيسى: “العنف متفشٍ في كل من المجالين العام والخاص. ودائمًا ما تُجبَر الفئات الأكثر تهميشًا مثل النساء والفتيات واللاجئات وأفراد مجتمع-الميم والعاملات المنزليات المهاجرات على تحمُّل أشدّ أشكال العنف تطرّفًا”.

العنف يتخطى حدود منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

لا يقتصر الاتجاه التصاعدي للعنف، سواء كان ماديًا أم بموجب القانون، على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، صوّتت المحكمة العليا الأمريكية لإلغاء قضية “رو ضد وايد” في 24 يونيو، معلنةً أن الحق الدستوري في الإجهاض، الذي تم إقراره منذ ما يقرب من نصف قرن، لم يعُد موجودًا.

وأعرب صندوق الأمم المتحدة للسكان عن مخاوفه من احتمال ارتفاع حالات الإجهاض في جميع أنحاء العالم إذا أصبح الوصول إليه أكثر تقييدًا. وبالمثل، قالت مفوّضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليت، أن الحصول القانوني على الإجهاض متجذّر بعمقٍ في استقلالية المرأة وقدرتها في السيطرة على حياتها وجسدها، من دون تمييزٍ أو عنفٍ أو إكراه.

وحذّرت من أن “هذا القرار يجرّد ملايين النساء في الولايات المتحدة من هذا الاستقلال الذاتي، ولا سيما ذوات الدخل المنخفض وأولئك المنتميات إلى أقليات عرقية وإثنية، على حساب حقوقهنّ الأساسية”.

ويخشى المعلّقون الاجتماعيون والناشطون في مجال حقوق المرأة من أن يساهم إسقاط حُكم “رو” في زيادة العنف ضد النساء، خاصةً ذوات الدخل المنخفض، والشابات، والنساء السود اللاتي سيتأثّرن بشكل غير متناسب بهذا الحظر، حسبما أفاد موقع ڤوكس.