وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الكتّاب يخالفون قوانين الردة في السعودية

 قوانين الردة في السعودية
حجاج يصلون في المسجد الحرام في مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية. وفي عام 2011، اعتقل منصور المريبي، وهو استرالي يزور المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج، أثناء أداءه الصلاة بتهمة التجديف. Photo Wang Bo Xinhua / eyevine

لطالما أنزلت المملكة العربية السعودية عقوباتٍ بمتهمين بالتجديف (إزدراء الدين)، والتي تتراوح، وفقاً لصحيفة واشنطن بوست، من استخدام “مصطلحات غير إسلامية،” مثل “الديمقراطية” و”حقوق الإنسان،” إلى “الاستهزاء بالدين بعد مناقشة الإنجيل في الصف الدراسي.” وتتضمن عقوبات التجديف أحكاماً طويلة بالسجن، والتعذيب الجسدي التي تأخذ شكل الجلد العلني، ومن حينٍ لآخر، أحكاماً بالإعدام. فلا يوجد في المملكة قانون عقوباتٍ نصيّ، أي بعبارةٍ أخرى، القضاة الذين يترأسون جلسات قضايا التجديف يميلون إلى الحكم وفقاً لتفسيراتهم الشخصية للقرآن الكريم وعلى أساس كل قضية على حدتها، بدلاً من الرجوع إلى دستورٍ مدوّن. بمعنى أخر، فإن أي شيء يُعارض الفهم الوهابي للدين الإسلامي (مثل حرمة وقداسة الصحابة) يخضع للتجريم تحت راية السلوك الدنس.

فقد اعتقل منصور المريبي، وهو استرالي يبلغ من العمر 45 عاماً زار في عام 2011 المدينة المنورة لأداء فريضة الحج، أثناء قيامه بالصلاة والقراءة مع مجموعة. أتهم المريبي بإهانة الصحابة، وأدين بالتجديف وحكم عليه بالسجن لعامين و500 جلدة إلى أن تدخل السفير الاسترالي في السعودية في “محاولةٍ للتساهل معه.” فالربيع العربي، الذي حمل مشاعر الديمقراطية وإنتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، غربل خوف النظام السعودي، الذي حاول بسط قوانين التجديف خارج حدوده. فعلى سبيل المثال، طالب مسؤولون سعوديون في عام 2012 من ماليزيا، ترحيل الصحفي السعودي حمزة كاشغري، 23 عاماً، الذي غرّد على موقع توتير أن النبي محمد كان من البشر وليس مقدساً، وذلك لإتهامه بالتجديف ومحاكمته في بلاده.

وعلى صعيدٍ متصل، تعتبر الردة في المملكة العربية السعودية جريمة أسوأ من التجديف. فقد حُكم على أولئك الذين يرفضون دينهم الإسلامي، أو يسخرون من الله أو يستنكرون المبادىء الأساسية للإسلام، بالإعدام. كان هذا هو حال الشاعر الفلسطيني أشرف فياض، الذي اعتقلته في عام 2013 شرطة الآداب في المملكة العربية السعودية بعد أن أزعج نقاش له في أحد مقاهي أبها، جنوب غرب المملكة، البعض. أشارت التهمة إلى أشعاره وادعت أنها تعزز الإلحاد، حيث اعتقل في الأول من يناير 2014. وفي مايو، حُكم عليه بالسجن لأربع سنوات و800 جلدة، إذ كانت جريمته بحد ذاتها غير واضحة. احتجز فياض لأكثر من عام بتهمٍ مزعومة بأنه “أهان الذات الإلهية من خلال شِعره،” و”وبسبب شعراه الطويل.” وأثناء فترة اعتقاله، ظهرت جريمة إضافية بعد أن صادر المسؤولون هاتفه الخلوي، مدعين أن الشاعر “أقام علاقات محرمة مع نساء وخزّن بعض الصور لهنّ على هاتفه.” وفي نوفمبر 2015، أعيدت محاكمة فياض من قِبل لجنة جديدة من القضاة الذين حكموا عليه بالإعدام.

عند سماع الحكم بالإعدام، عانى والد فياض، البالغ من العمر 82 عاماً من جلطةٍ دماغية قاتلة، مما دفع الشاعر لكتابة أول أبياتٍ له منذ سجنه، والتي عكست الألم الذي اعتراه لفراق والده واحتجازه الظالم. تسبب حكم الإعدام على فياض بمناشداتٍ دولية، كما احتشدت منظمات حقوق الإنسان والشخصيات الثقافية في جميع أنحاء العالم لإطلاق سراحه. حتى أن مهرجان الأدب الدولي في برلين نظّم حملةً في 14 يناير 2016، تم فيها قراءة شعر فياض في 122 فعالية في 44 بلداً، أملاً بالضغط على الحكومات الغربية لوقف تنفيذ الإعدام. نجحت الحملة في هدفها الأساسي، وفي 2 فبراير خفضت محكمة سعودية حكم الإعدام إلى السجن لـ8 سنوات و800 جلدة. فياض الذي لا يزال خلف القضبان، حصل على  جائزة أوكسفام/ نوفيب /وبن لعام 2017 لحرية التعبير، التي تقاسمها مع الصحفية الهندية ماليني سوبرامانيام.

وراء هذه الإتهامات الغامضة بالردة و/أو التجديف في المملكة العربية السعودية، تيارٌ سياسي يرى في الإصلاحيين أو العلمانيين أو أي شخصٍ آخر خارج إطار المذهب المعتمد (مثل الشيعة أو الصوفيين) باعتبارهم خطراً وتهديداً للملكية ووضعها الإقليمي- وضعٌ مصونٌ يتم تعزيزه بسيطرتها على أقدس المواقع الإسلامية. ويوضح مركز بيركلي للأديان والسلام والشؤون العالمية أنّ “تهم التجديف توجه حصراً ضد أولئك الذين ينتقدون السلفية أو الملكية السعودية، أو الذين يمارسون أي دينٍ آخر غير الإسلام السلفي.” كما تقول سارة ليا ويتسن، مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، أن “الحكومة السعودية تستخدم هذه القوانين، بشكلٍ أساسي، لإسكات منتقديها.”

ومن الأمثلة البارزة على ذلك، رائف بدوي، وهو كاتب سعودي ومؤسس موقع “الليبراليون السعوديون.” بدايةً، تعرض رائف بدوي بمضايقاتٍ من قِبل مسؤولين سعودين بسبب مقالاته على الإنترنت، التي تحدت الأعراف الدينية وتهدف إلى خلق حوارٍ مفتوح حول تسيس الدين في البلاد. وفي أوائل عام 2008، ألقيّ القبض على بدوي، حيث تم استجوابه وأخلي سبيله في اليوم التالي. وفي العام التالي، منعته الحكومة السعودية من السفر وعلقت مصالحة التجارية. وفي عام 2012، ألقي القبض عليه ووجهت له مجموعة متنوعة من التهم، بما في ذلك إهانة الإسلام وإظهار العصيان. وجهت له تهمة الردة من قِبل قاضٍ في المحكمة الإبتدائية، الذي استشهد بنشاط بدوي على موقع فيبسوك (وبالتحديد إعجابه بصفحه على الموقع للمسيحيين العرب) كدليل إدانة. وبدلاً من عقوبة الإعدام، حُكم عليه بالسجن سبع سنوات و600 جلدة بالسوط عام 2013. ومع ذلك، زاد استئنافٌ في العام التالي من عقوبته إلى السجن لعشرة أعوام وألف جلدة وغرامة مالية بقيمة مليون ريال سعودي(حوالي 267 ألف دولار). وفي 9 يناير 2015، قامت النيابة العامة بجلده 50 جلدة، إذ كانت تلك الدفعة الأولى من أصل 20 دفعة من الجلد، بالقرب من أحد المساجد في جدة. وعلى الرغم من أن الجلد كان يُفترض أن يتم على أساسٍ أسبوعي، إلا أنه توقف بعد الأسبوع الأول. استشهد الصحفيون بتراجع صحة بدوي، فضلاً عن الغضب الشعبي العارم على مشهد العقاب الجسدي. وفي نوفمبر 2015، أبلغ وزير الدولة لشؤون الخارجية في الاتحاد السويسري، السيد إيف روسييه، صحيفة La Liberté السويسرية، عن عفوٍ مكلي مقبل من شأنه تخفيف محنة بدوي. وبالرغم من ذلك، لا يزال بدوي حتى يومنا هذا حبيس جدران السجن.