وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

إبادة الإيزيديين: حكم إدانة جديد قد يغير من طريقة تعامل العدالة مع المدانين

إبادة الإيزيديين
صورة تم التقاطها يوم ١٤ يناير ٢٠١٥ في مخيم الداودية للمهجرين بمدينة دهوك شمال إقليم كردستان العراق ويظهر فيها أطفال عراقيون أيزيديون من مناطق إقامتهم نتيجة القتال الدائر بين جهاديي تنظيم “الدولة الإسلامية” ومقاتلي البشمركة. وحاصر حينذاك تنظيم “الدولة الإسلامية” عشرات الآلاف من أبناء الأقلية الأيزيدية في جبل سنجار لعدة أيام في حرّ شهر أغسطس القائظ، وهو الحصار الأول الذي يقوم به التنظيم وسط مخاوف كبيرة من قيامه بإبادة جماعية بحق الأيزيديين. المصدر: SAFIN HAMED/ AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالة سلطت الضوء على تبعات الحكم القضائي الصادر بحق أحد مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” في ألمانيا على ما ارتكبه من جرائم بحق الأيزيديين في العراق. وتتناول صاحبة المقالة شامو كوبسوامي، وهي محاضرة بارزة وباحثة متعددة التخصصات بكلية الحقوق في جامعة هيرتفوردشاير، كيفية تمهيد هذا الحكم لإجراء محاكمات دولية وكيف أنه يمهد الطريق لمحاكمات مماثلة للجرائم الدولية.

وتبدأ كوبسوامي مقالتها بالإشارة إلى أهمية الحكم الذي أصدرته مؤخراً محكمة ألمانية ضد عضو عراقي في تنظيم “الدولة الإسلامية” لارتكابه جرائم من بينها قتل طفلة إيزيدية تبلغ من العمر خمسة أعوام، معتبرةً أن هذا الحكم سيفتح الباب أمام إجراء محاكمات مماثلة لمثل تلك المحاكمة. وجاء صدور هذا الحكم بفضل تقرير مفصل وصدر بشكلٍ سريع في عام 2016، حيث اعتبر هذا التقرير أن العنف الممارس ضد المجتمع الأيزيدي في شمالي غرب العراق يرقى إلى درجة الإبادة الجماعية.

وحُكم على طه الجميلي بالسجن مدى الحياة بعد أن استمعت المحكمة إلى إفادة بأن الجهادي استعبد الطفلة البالغة من العمر خمسة أعوام في عام 2015، حيث كبلها بالسلاسل وتركها لتموت من العطش.

ويعد مفهوم الجرائم الدولية حديثاً نسبياً، وهو مشتق من نظام المحكمة الجنائية الدولية الأساسي (نظام روما). وتُفهم هذه على أنها “أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي ككل”. وتحتل جريمة الإبادة الجماعية هذه القائمة. وتُعرَّف في المادة 6 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بأنها: “أفعال ترتكب بنية تدمير جماعة دينية، أو عرقية، أو عنصرية، أو عرقية، أو قومية بشكلٍ كلّي أو جزئي”.

وتعود جذور تطور القانون الجنائي الدولي إلى المجازر المرتكبة خلال الحرب العالمية الثانية في أوروبا وآسيا، والتي تم الكشف عنها في محاكمات جرائم الحرب بمدينتي نورمبرغ وطوكيو. وأسست هاتان المحاكمتان الرائدتان المسؤولية الجنائية الفردية لرؤساء البلاد وقادة الجيش بخصوص الانتهاكات الفادحة ضد حقوق الإنسان. وصدّق قرار عام 1946 للجمعية العامة للأمم المتحدة على هذه المسؤولية وتبعته اتفاقية الإبادة الجماعية في عام 1948.

وتكمن أهمية هذه التطورات في أن القانون الدولي نادراً ما يحمل الأفراد مسؤولية انتهاكه، إذ لم يتم القيام بذلك في السابق إلا في حالات القرصنة وتجارة الرقيق. وبدون هذه الأداة الهيكلية الخاصة بالمسؤولية الفردية عن الجرائم الشنيعة، لم يكن بالإمكان تقديم الجناة إلى العدالة ومنع مثل هذا السلوك في المستقبل.

وباتت الإبادة الجماعية تُعرف باسم “جريمة الجرائم”، لكنها أيضاً الأكثر صعوبةً في إثباتها لأن هذا لا يتطلب النية وحسب، بل يتطلب نية محددة لإبادة مجموعة محددة من الأشخاص.

تأسيس الإبادة الجماعية كجريمة

لم يمكن بالإمكان الخروج بقرار الإدانة الصادر بحق الجميلي دون العمل الذي تم القيام به قبل القضية، إذ تم اعتبار الجرائم التي ارتكبها هذا الشخص بمثابة جريمة إبادة جماعية. وكانت لجنة التحقيق الدولية المستقلة قد قدّمت تقريراً لمجلس حقوق الإنسان في عام 2016 يفيد بتنفيذ تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق وسوريا” لجريمة إبادة جماعية ضد المجتمع الأيزيدي.

وفي تقريرها البالغ 40 صفحة، أقرت اللجنة بأن تنظيم “الدولة الإسلامية” سعى إلى تدمير الأيزيديين. وفعل التنظيم هذا عبر القتل، والعبودية الجنسية، والاستعباد، والتعذيب، والمعاملة غير الإنسانية والمهينة، والنقل القسري ما تسبب في أضرار جسدية وعقلية خطيرة للضحايا. وكل هذه الأفعال محظورة بموجب قانون روما.

في أبريل 2020، اتهم الجميلي بارتكاب جرائم بموجب القانون الجنائي الألماني استناداً إلى القانون الدولي، حيثُ يطبق نظام روما الأساسي من خلال القانون الجنائي الألماني، لشرائه سيدة أيزيدية وطفلتها من أحد مقاتلي تنظيم “الدولة” ولم يزودهما، تباعاً، سوى بكميات غير كافية من الطعام ومنعهما من ممارسة شعائرهما الدينية. وفي وقتٍ لاحق، توفيت الطفلة بسبب تقييدها بالنافذة وتركها غير محمية في حرارة بلغت 50 درجة مئوية عقاباً لها على التبول لا إرادياً بالسرير.

قضايا نادرة للعدالة

العراق ليس طرفاً في نظام روما الأساسي – لذا، فإن المحكمة الجنائية الدولية ليس لديها سلطة قضائية على هذه الجرائم. وتجدر الإشارة إلى ضرورة عقد القضايا في محكمة محلية بدولة موقعة على نظام روما الأساسي أو تعترف ببند خاص في القانون الدولي، يعرف باسم السلطة القضائية الدولية، ضمن قانونها المحلي.

عادةً، لا يكون للمحاكم الألمانية اختصاص قضائي في هذه القضية لأن المتهم يحمل جنسية أجنبية والجريمة وقعت خارج ألمانيا (في العراق). لكن بما أن ألمانيا تعترف بالسلطة القضائية الدولية، فإن محكمتها باتت قادرة على الاستماع إلى القضية.

وبصورةٍ عملية، لم يمارس هذه السلطة القضائية سوى عدد محدود من الدول. وتشمل الأمثلة السابقة إلقاء القبض على الديكتاتور التشيلي أوغستو بينوشيه بموجب مذكرة دولية لارتكابه جرائم خلال فترة حكمه من 1973 إلى 1990. وشمل الخاضعون للمحاكمات أفراداً من غواتيمالا وأسبانيا.

لكن من المهم أن تقوم الدول بهذه المحاكمات – نظراً لأن الجرائم الدولية لا تخضع للمحاكمات بدرجة كافية وغالباً ما تحاكم فقط كجنح في القانون الجنائي الدولي. وعلى سبيل المثال، في مارس 2020، حكمت محكمة عراقية على محمد رشيد سحاب، وهو مقاتلٌ سابق في تنظيم “الدولة الإسلامية”، بالإعدام “لاغتصابه المتكرر لامرأة أيزيدية، كان يحتجزها كأسيرة” وأُجبرت على الزواج منه. غير أنه لم يكن هناك ذكر للإبادة الجماعية في الحكم.

وتختم كوبسوامي مقالتها بالتالي: “في الوقت الذي يستطيع فيه مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة إحالة القضايا إلى المحكمة الجنائية الدولية، فإن هناك عوائق جيوسياسية تتدخل كثيراً للحيلولة دون وحدة قرار الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، ما يعني أن هذا الطريق لمقاضاة مرتكبي جرائم الحرب مسدود. وعلى هذا النحو، ونظراً للحساسية الشديدة والطبيعة السياسية لمحاكمات الجرائم الدولية، فإن المحكمة الألمانية بقرارها الأخير تتخذ خطوةً هامة عبر الاستناد إلى السلطة القضائية الدولية في هذه القضية”.

 

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://theconversation.com/global في 6 ديسمبر 2021