وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أيزيديو العراق: لا مكان لنا في هذا العالم

أيزيديو العراق
صورة تم التقاطها يوم ٣٠ أغسطس لفتاة وهي تخفي ابتسامتها في صفٍّ من الخيم المجهزة بأجهزة التكييف في أحد المخيمات المخصصة للنازحين من أبناء الأقلية الأيزيدية القصّر في منطقة الشريعة العراقية، وذلك على بعد ١٥ كيلومتراً من مدينة دهوك الشمالية الموجودة في كردستان العراق. المصدر: Zaid AL-OBEIDI / AFP.

علي العجيل

لم يكن أمراً طبيعياً أن يقف العالم كله مكتوف الأيدي ليشاهد اللحظات التي تُمحى فيها طائفة الأيزيديين كاملة عن الوجود. فالمشهد قد يبدو خيالياً للوهلة الأولى أو لقطة من أحد الأفلام التي تتحدث عن تعرض الأرض لغزو من قبل الكائنات الفضائية. لكن الأمر حدث. لم يقف العالم كمشاهد فحسب، بل شارك في الجريمة أيضاً، حين تعرض بلد كامل للحرق والقتل والسبي وأخيراً إلى التهميش دون أن تمد له يد العون من أي أحد.

الديانة الأيزيدية تعرضت إلى سيل من فتاوى التكفير والخروج عن الدين والملة منذ أيام جعفر الداسني، مرورًا بحملات القتل العثمانية، وانتهاءً بحملات الابادة التي ارتكبها تنظيم “الدولة الإسلامية” عام 2014، حيث قتل التنظيم 3 آلاف أيزيدي، بالتزامن مع خطف 5 آلاف آخرين وتعرّض 1500 امرأة منهم للاغتصاب الجماعي وبيعت أكثر من 1000 امرأة كـ “سبايا”.

يتمركز الأيزيديون بشكل أساسي في الشمال الغربي من العراق، وتحديداً في المنطقة المحيطة بجبل سنجار غربي الموصل، يمتلكون مقعدًا في مجلس النواب العراقي ومقعدًا في مجلس محافظة نينوى ومجلس قضاء الموصل. وبالإضافة إلى العراق، يتوزع بعض أفراد هذه الطائفة، في سوريا وتركيا وإيران وروسيا ولهم جاليات قليلة العدد في لبنان.

يؤمن الأيزيدون بالله، الذي وفق معتقداتهم، أمر طاووس ملك، أحد الملائكة السبعة، بمحاولة إقناع وإخراج آدم من الجنة لكي يتكاثر البشر، وأوكل إليه أن يكون ملكاً على الأرض.

من هذا المنطلق، ترسخت في أذهان الكثير من العراقيين أن الأيزيدي يعبد الشيطان ويمتلك ذيلاً في جسده، مما ولّد الخوف لدى بعض الأشخاص ممن انطلت عليهم هذه الخرافات. ووصل الأمر بالبعض إلى عدم شراء بضائع الأيزيديين أو الأكل في بيوتهم ومطاعمهم لأنهم “كفار”، وهو ما يرفضه الأيزيديون تماماً.

إنّ طريقة التعامل القاسية، رغم ذلك، لم تخلق الحقد في قلوب الأيزيديين، بل أن البعض منهم صار يحفظ القرآن ليتقرب من الناس، ويضع عباراته على البضائع التي يتاجر بها، ليسهل عليه بيعها.

النظرة القاسية التي تعرضت لها هذه الطائفة لم تخلق بغضاً في أعماق الأيزيدي، بل خوفاً شديداً. لذلك، هو لم يبادل ذلك الحقد بحقد أشد، ولا بقتال يجرده من إنسانيته. لكنه قرر أن يبتعد عن الناس ويعيش في الجبال.

يدعي الإيزيديون أن حضارتهم، التي تأثرت ببعض حضارات المنطقة المتعاقبة كالآشوريين والبابليين وبعض طوائف اليهودية، أقدم حضارة في العالم، مؤكدين ذلك بسبب وجود تقويمهم الذي يعود إلى أكثر من 6700 سنة.

يتحدث الإيزديون اللغة الكردية، التي تقوم عليها صلواتهم وأدعيتهم وكتبهم الدينية. قبلتهم هي لالش حيث الضريح المقدس للشيخ عدي بن مسافر في شمال العراق، والذي يعتبر مجدد الديانة الأيزيدية والشخصية الأكثر تقديساً عندهم. لديهم كتابان مقدسان هما “الجلوة” ومصحف “رش” اللذان لم يعثر عليهما حتى الآن كنتيجة لتكتم الأيزيديين عن عاداتهم وتقاليدهم. هذا الأمر زاد من الشكوك حول طريقة عبادتهم، كما ألصقت بهم تهمٌ وتأويلات عديدة مثل كونهم أتباع يزيد بن معاوية أو أتباع يزيد بن أنيسة.

لكن، بعد أن شهد العالم مأساة الأيزيديين، هل تغيرت نظرة العراقيين لهم؟

كانت المجزرة الأخيرة ربما واحدة من أسباب التضامن العالمي معهم، فقد تم الاعتراف بها من قبل الكثير من دول العالم. وتم إصدار فتوى – للمرة الأولى في التاريخ – من قبل كبار الطائفة، تطلب من الأهالي استقبال بناتهم اللواتي تم احتجازهن واغتصابهن من قبل عناصر “داعش” مع أولادهن، فالطائفة قبل هذا القرار كانت مغلقة ولم تكن تعترف بأي مولود من أب لا ينتمي للطائفة الأيزيدية. كما تم إصدار قرار يتعلق بالناجيات الأيزيديات بالتزامن مع الجهود التي تسعى لإيجاد حل للأطفال الذين ولدوا من أب “داعشي”، فالقانون العراقي كان قد أدرجهم على أنهم لقطاء. وفي هذا الأمر مشكلة كبيرة. فبحسب القانون العراقي، يُسجّل الطفل مجهول الأب على أنه مسلم. هذا غير الأذى النفسي الذي تعرض له أبناء الطائفة وحالات الانتحار المنتشرة بكثرة بينهم.

وأخيراً، أطلقت فيان الدخيل النائبة عن الطائفة الإيزيدية في البرلمان العراقي حملة عالمية للتدخّل من أجل حماية ما تبقّى من الأيزيدين العالقين في سنجار أو الذين فرّوا إلى الخارج وطالبت بتأمين اللجوء لهم في دول أوروبية. باعتبار أن الحكومة العراقية قد خذلتهم، وأن أرضهم وتاريخهم قد تم محوهما من المنطقة، وأن المواطن العراقي إلى الآن لم يقف إلى جانب الإيزيدي، مسانداً وداعماً، قائلاً: أخي – كما يقول بوذا – اعبد حجراً، لكن لا ترمني به.

المصادر:

-حبيب، كاظم. الإيزيدية ديانة قديمة تقاوم نوائب الزمن. دار الحكمة للطباعة والنشر والتوزيع. ٢٠٠٣:

https://books.google.com/books?id=9fYmAAAACAAJ&dq=%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%B2%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D8%A9+%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D9%86%D8%A9+%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85%D8%A9+%D8%AA%D9%82%D8%A7%D9%88%D9%85+%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%A6%D8%A8+%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%85%D9%86&hl=ar&sa=X&ved=2ahUKEwi367n4qMzyAhUC8hQKHddOB_MQ6AF6BAgFEAM

– حسني، عبد الرزاق. اليزيديون في حاضرهم وماضيهم. al-Manhal lil-Nashr al-Iliktirūnī. ٢٠١٩:

https://books.google.com/books?id=xrTIzQEACAAJ&dq=%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%85%D8%A7%D9%86+%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AB%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A+%D8%A8%D8%AD%D9%82+%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%B2%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%8A%D9%86&hl=ar&sa=X&ved=2ahUKEwjimPqOwszyAhWJFMAKHZvcAs84ChDoAXoECAEQAw

– مراد ختاري، داوود. عدد الحملات (الفرمانات) على الايزيدية:

https://www.comonistkurd.org/%D9%87%D9%8A%D8%A6%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%B1/%D8%B9%D8%AF%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%85%D8%A7%D9%86%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%B2%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D8%A9

 

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.