وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أحمد مناصرة: طفولة ضائعة وراء القضبان

أحمد مناصرة
أحمد مناصرة (وسط) يصل إلى المحكمة المركزية في القدس ، 7 نوفمبر ، 2016. احمد غرابلي / وكالة الصحافة الفرنسية

دانا حوراني

لم يكن يبلغ أحمد مناصرة من العمر سوى 14 عامًا حين وجهت له محكمة إسرائيلية عام 2015 تهمتي محاولة قتل.

قبلها بعام، كان أحمد مع ابن عمه حسن مناصرة، البالغ 15، عامًا الذي قيل إنّه كان يحمل سكينًا وحاول طعن مستوطنيَن إسرائيليين قرب مستوطنة بيسغات زئيف غير القانونية في القدس الشرقية المحتلة.

قتل رصاص الشرطة الإسرائيلية حسن، أما أحمد الذي كان حاضرًا في المشهد فاعتدت عليه الحشود الإسرائيلية وحاول سائق أخر دهسه، ما أدى إلى كسر في جمجمته ونزيف داخلي. كما أظهرت المقاطع المتداولة على الإنترنت سباب المارة الإسرائيليين له وهم يصيحون بالعبرية: “مت يا ابن العاهرة، مت!”.

وكانت سنّ أحمد حين تمَّ  اعتقاله 13 عامًا، لذلك راجعت السلطات الإسرائيلية التشريع القاضي بعدم اعتبار الأطفال دون 14 عامًا مسؤولين جنائيًا، لتسمح لنفسها بحبس الأحداث المدانين بجرائم كبرى كالقتل العمد والشروع في القتل والقتل الخطأ.

وقد نجا الفتى من إصابته، لكنه عوقب بتسع سنوات خلف القضبان. وأسقطت المحكمة الإسرائيلية خلال آخر جلسة استماع له في 13 إبريل الماضي تهمة “الإرهاب” عنه وكان قد بلغ 21 عامًا، وهو ما يفتح الباب أمام محاميه لتقديم نظر في قضيته أمام لجنة الإفراج المشروط. وتأمل عائلته أن يُفرج عنه، رغم أن موعد انعقاد اللّجنة لم يُحدد بعد.

وليست قضية مناصرة بجديدة، فقد اعتقلت القوات الإسرائيلية منذ عام 2015 أكثر من تسعة آلاف طفل فلسطيني، أغلبهم من القدس المحتلة اعتقالًا تعسفيًّا وغير قانوني. ويرى الخبراء الحقوقيون في ذلك أسلوب ترهيب يهدف إلى شل المقاومة الفلسطينية وتعريض الأجيال الشابة لصدمات نفسية وعاطفية جيلًا تلو الآخر.

أسباب الاعتقال

يرى عايد أبو قطيش، مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فلسطين ، وهي مؤسسة غير حكومية تقدم الدّعم والنصائح القانونية للأطفال الفلسطينيين المعتقلين، أن إسرائيل تستخدم نظامين قضائيين في المنطقة الجغرافية نفسها: العسكري لمحاكمة الفلسطيين، والمدني لمحاكمة الأحداث الإسرائيليين حتى من يقطنون في المستوطنات غير القانونية في الضّفة الغربية. وهذا يجعل إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي يُحاكم فيها الأطفال في محاكم عسكرية، وفقًا لأبو قطيش.

وأضاف: “من المفترض أن تكون المحاكم المدنية أهدأ من حيث طبيعة الاحتجاز والأحكام لأنها النظام الذي يقاضي الإسرائيليين. لكن لا أهمية لذلك في حالة المعتقلين الفلسطينيين، فالشرطة تعاملهم بوحشية في كل الحالات”.

وأوضح أبو قطيش أن إسرائيل تصدّر فكرة الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب عالميًا وسيلةً لتبرير انتهاكاتها بحق الفلسطينيين، لا سيما الأطفال الذين تعتقلهم لإلقائهم الحجارة أو لتظاهرهم السلميّ أو لأسباب غامضة لا تفصح عنها حتى لمحاميهم.

وأضاف قائلًا: “إنّها وسائل الاضطهاد المعتادة. هم يريدوننا أن نشعر بأننا نستحق هذه المعاملة. ويهدفون بذلك إلى ترويض الفلسطينيين وإرسال رسالة مفادها أن هذا ما يحدث لمن يتحدى إسرائيل بأي شكل كان”.

وأشار إلى أن موجة اعتقال الأحداث تبلغ ذروتها في أوقات الاضطراب السياسي، مثلما حدث في تظاهرات أكتوبر 2015 في القدس. وما يزيد الأمر سوءًا أن الشرطة الإسرائيلية لم تعد تدلي بمعلومات تفصيلية عن الأطفال المعتقلين متذرعة بنقص الموظفين، وهو ما يقيد قدرة المؤسسة على تحديد عدد الأطفال الفلسطينيين الذي يذوقون الويلات وراء القضبان.

وسائل الانتهاك

يقول أبو قطيش إن كلّ الأحداث المعتقلين يُرسلون إلى السجن فور اعتقالهم. ونتيجة لذلك، على محامي الدفاع أن يتفاوضوا خلال جلسات الاستماع قبل المحاكمة لتخفيف العقوبة. وتختلف شروط التسوية من حالة إلى أخرى، لكنها أنسب بديل عن المسار القضائي المطوّل حيث يطلب المحامون الشهود ويعقدون جلسات استماع عدّة ، مخاطرين بتمديد فترة الاحتجاز.

ويذكر أبو قطيش أن الأطفال يتعرضون خلال احتجازهم إلى أشكال رهيبة من الانتهاكات، منها الضّرب، وانتهاك أوضاعهم الجسدية (كالوقوف أو القعود في وضعيات مؤلمة) وتعصيب العينين، والحرمان من دخول الحمّام، والإذلال اللّفظي، والابتزاز العاطفي بالتهديد باعتقال باقي أفراد أسرهم أو إلغاء تصاريح عملهم في إسرائيل.

وأضاف أن الإسرائيليين ينتزعون من الأطفال اعترافات سواء كان لديهم ما يعترفون به أو لا، محدثين أثرًا مدمرًا في مسارهم التعليمي، من ضمنه تغيبهم عن الدراسة فترات طويلة وتدمير مهاراتهم الاجتماعية. ولذلك يشكو الأطفال من شعورهم بالعزلة وعدم القدرة على الاندماج مع أقرانهم بعد إطلاق سراحهم.

مشكلات نفسية

ظل أحمد مناصرة في الحبس الانفرادي لمدة خمسة أشهر. وتقول عائلته إن صحته النفسيّة تتدهور بشكل واضح منذ عام ونصف العام تقريبًا. وفي ديسمبر 2021، سُمح لطبيب نفسيّ من منظمة أطباء بلا حدود بمقابلة أحمد مناصرة لأول مرة منذ اعتقاله، وأكّد الطبيب في تقريره أنه يعاني الفصام.

وقال عم أحمد مناصرة للجزيرة: “تتدهور حالته النفسيّة في السجن. إذ يظل يبكي باستمرار ويتخيل أشياء ومواقف غير حقيقية، ويتعلثم في الحديث. لقد كنت مسجونًا وأعرف هذه الحالات، كنا نحسبها فترة وستمضي، لكن الوضع يزداد سوءًا”.

كما قال خالد زبارقة، محامي الفتى، إنه سأله عن جواز الانتحار في الإسلام.

وأشارت هيئة إنقاذ الطفولة في فلسطين المحتلة في تقريرها عام 2020 بعنوان “تأثير الاحتجاز العسكري الإسرائيلي على الأطفال الفلسطينيين” إلى أن القوات الإسرائيلية تتجاهل المعايير الدولية لاحتجاز الأحداث، وتستمر في ممارسة العنف بشتى الصّور ضد الأطفال الفلسطينيين رغم ما يقدمه ذويهم والمنظمات غير الحكومية والأطفال أنفسهم من أدلة.

وجاء في التقرير أن أكثر من نصف الأطفال الذين تحدثوا إليهم قالوا إنهم حُرموا من دعم ذويهم وطمأنتهم، وتُركوا الإعتقاد بأن أسرهم قد تخلت عنهم. كما قالوا إنهم عانوا القلق واليأس والتقلبات السلوكية واضطرابات النوم والأكل، فضلًا عن الأعراض الجسدية المختلفة كانقباض الصّدر والخمول والإرهاق، حتى بعد إطلاق سراحهم.

ويرى أبو قطيش أنه بسبب اعتقال أغلبهم في فترة البلوغ، وهي فترة حساسة تحتاج إلى رعاية واهتمام، يعاني الأطفال التقزم وتغيرات سلوكية ملحوظة قد ينكرونها لكن ذويهم سرعان ما يلاحظونها.

وأضاف قائلًا: “يقول لنا الآباء إن الأطفال بعد إطلاق سراحهم لا يمتّون بصلة لما كانوا عليه قبل اعتقالهم”.

وأحدثت قضية مناصرة غضبًا عارمًا على منصّات التواصل الاجتماعي دعمته حملات دولية تحت وسم #الحرية_لأحمد_مناصرة #FreeAhmadManasra وحملة توقيع إلكترونية جمعت أكثر من 306 آلاف توقيع حتى وقت كتابة هذا المقال. لقد تم تحديد موعد المحاكمة في تاريخ ٢٦ يونيو، ولكن ما إذا كان الشاب او غيره من الشبان سيتم إطلاق سراحهم قريبا هو السؤال الذي ينتظر إجابة.