وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

رغم الإصلاحات، نظام الكفالة ما زال يضيّق الخناق على العمّال

رغم التشابه الكبير بين أنظمة الكفالة والمشكلات التي يواجهها العمّال في كل دولة، فإن الإصلاحات تُجرى بمعدلات متفاوتة.

نظام الكفالة
عمّال ينظفون واجهة متحف المستقبل (تحت الإنشاء) في دبيّ بالإمارات في 15 إبريل 2021. برج خليفة يظهر في الخلفية.Karim SAHIB / AFP

مقدمة

سلّطت كأس العالم فيفا 2022 التي استضافتها قطر الضوء على حقوق الوافدين وأوضاع العمال في منطقة الخليج. ومع ارتباط تشييد البنية التحتية للبطولة بسرقة الأجور وإصابات العمّال ووفاتهم، سارعت قطر إلى تسليط الضوء على الإصلاحات التي اتخذتها. فكانت واحدة من أوائل الدول التي تلغي نظام الكفالة المثير للجدل الذي يربط العاملين بأصحاب العمل.

وفي نظام الكفالة المعمول به في دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى لبنان والأردن، يعتمد العاملون الوافدون على كفيلهم في عملهم وإقامتهم، فلا يُسمح لهم بتغيير عملهم أو مغادرة البلد بدون إذن الكفيل. وقد ترك هذا الوضع العمال محدودي الدخل من آسيا وإفريقيا عرضةً لسوء المعاملة، فانتشرت حالات الاستغلال والإيذاء.

ونتيجةً لعلاقة القوة غير المتكافئة بين العمّال وكفيلهم، الذي هو أيضاً صاحب العمل، عادةً ما يُواجه العمّال بالظلم إن كانت سوء المعاملة من طرف الكفيل. وهذا ما دفع المجتمع المدني إلى المطالبة بإجراء إصلاحات في البلدان التي ما يزال نظام الكفالة قائماً فيها.

ورغم التشابه الكبير بين أنظمة الكفالة والمشكلات التي يواجهها العمّال في كل دولة، فإن الإصلاحات تُجرى بمعدلات متفاوتة. في هذا المقال، يقدّم موقع فنك نظرة عامة عن الإصلاحات التي أُجريت على نظام الكفالة في المنطقة، ويستعرض التحديات المقبلة في ما يخص تحسين حقوق العمال.

إصلاحات في المنطقة

قطر

وفقاً لجهاز التخطيط والإحصاء القطري للربع الأول من عام 2022، بلغ عدد العمال الوافدين 1,967,011، أو 94% من إجمالي القوى العاملة في قطر.

وقد أعلنت قطر إلغاء نظام الكفالة في 2019. وفي أغسطس 2020، وضعت حداً أدنى غير تمييزي للأجور. كما ألغت تصاريح المغادرة وشهادات عدم الممانعة، ما يعني أن العاملين لم يعودوا بحاجة إلى إذن الكفيل لتغيير العمل أو مغادرة البلاد، وهو الإصلاح الأول من نوعه في المنطقة. وينطبق هذا الأمر كذلك على العمالة المنزلية التي لا يشملها قانون العمل في الدولة، لكن بشرط إخطار صاحب العمل قبل 72 ساعة من المغادرة.

قبل إدخال تلك الإصلاحات، لم يكن العمال المعرّضون لسرقة الأجور أو غيرها من خلافات العمل يملكون وسائل كافية لتقديم الشكاوى. إلا أن قطر قد عملت على تسهيل إجراءات التظلم على العمال. فبعد إطلاق منصة إلكترونية جديدة لتلقّي الشكاوى، تضاعفت شكاوى العمّال إلى وزارة العمل ووصلت إلى 25 ألف شكوى بين عامي 2021 و2022. وخرجت أغلب الحالات بنتائج في صالح العمال.

نظام الكفالة
عمّال وافدون يشاهدون مباراة المغرب وإسبانيا في كأس العالم قطر 2022 من ملعب الكريكت بالمدنية الآسيوية على ضواحي الدوحة في 6 ديسمبر 2022. كان الملعب يجذب يومياً آلاف العمّال الفقراء الذين يعيشون في المساكن القريبة منه بعيداً عن أضواء مراكز التسوق في الدوحة ومطاعمها الفاخرة. INA FASSBENDER / AFP

بالإضافة إلى ذلك، تُجرى حالياً العديد من الإصلاحات للعمالة المنزلية، من ضمنها برنامج تدريبي لحلّ الخلافات وعقود توظيف موحّدة ومراجعة مع إمكانية توقيع العقود قبل المجيء من البلد الأم.

لكن المراقبين المهتمين بالهجرة يخشون أن تكون الإصلاحات مرتبطة بالضغوط الناتجة عن توجّه أنظار العالم إلى قطر وانتقاد معاملة العمّال الوافدين فيها.

فقد قالت إحدى خبراء الهجرة، ولم يُسمح لها بالتحدث نيابةً عن المؤسسة التي تعمل بها: “يشعر القطريون بالاستياء من هذه الانتقادات ويريدون من العالم أن يتحدث عن روعة بنيتهم التحتية واستدامتها”. وأوضحت أن البعض قلق من توقف تلك الإصلاحات بعد كأس العالم وزوال الأنظار.

وقد صرّحت منظمة العمل الدولية بأن البلد ما يزال بحاجة إلى مزيد من الإرشاد في ما يتعلق بإجراءات التظلم. وبعض المنظمات وصلت إلى حد اعتبار نظام الكفالة ما يزال قائماً بالفعل، فأصحاب العمل يبحثون عن ثغرات في القانون الجديد لمواصلة سيطرتهم على العمال الوافدين. علاوة على ذلك، يواجه العمال عقوبات قاسية إذا “هربوا” أو تركوا صاحب العمل دون إذنه.

ويدعو مؤتمر النقابات العمالية، وهو منظمة بريطانية غير حكومية، إلى مزيد من الإصلاحات، مثل دعم توفير بيئة آمنة للتقاضي، ورفع الحد الأدنى للأجور، وزيادة جهود إنفاذ القانون، وإلزام الشركات بقبول تكوين لجان عمالية مشتركة.

الكويت

عام 2018، كانت 90% من العائلات الكويتية توظّف عمالة منزلية وافدة، ووصل تعدادهم إلى أكثر من 620 ألف عاملة منزلية. ويمثّل العمال الوافدون 85% من إجمالي القوى العاملة في الكويت. لكنهم يتعرّضون لكثير من الظلم، فبعضهم يتقاضى أجوراً أقل بسبب جنسياتهم. كما يتعرّضون لأضرار عديدة أخرى من بينها ظروف العمل الخطِرة، وتواجه العمالة المنزلية خطر الإيذاء الجسدي أو الاعتداء الجنسي.

ومما فاقم هذا التمييز أن الكويت قد وافقت عام 2013 على قانون يفصل الخدمات الطبية المقدّمة من الدولة في أوقات مختلفة للمواطنين والوافدين.

وعام 2020، أصدرت الكويت قانوناً يحظر إصدار أو تجديد تصاريح العمل للعمال الوافدين ممّن جاوز سنّهم الستين عاماً ويحملون شهادة ثانوية أو مستوى تعليمي أقل، مما عرّض أولئك الذين كانوا يعيشون في الكويت منذ عقود لخطر إلغاء إقامتهم. ورغم إلغاء القانون عام 2021، فإن رسوم تجديد الإقامة الباهظة التي فُرضت على هذه المجموعة حمّلتهم عبئاً إضافياً، لذلك اعتبرها البعض تمييزاً ضدهم.

ومع ذلك، فقد أجرت الكويت بعض الإصلاحات، مثل إصدار الحكومة لعقود موحدة جديدة للعمالة الوافدة، وإصدار قرار إداري في العام التالي يسمح لبعض الوافدين بتغيير صاحب العمل من دون موافقته بشرط قضاء ثلاث سنوات معه. وقد استثنت هذه الإصلاحات العمالة المنزلية الوافدة، لكن سنّت الحكومة قانوناً جديداً عام 2015 يمنحهم حقوقهم الأساسية: يوم عطلة أسبوعية، و30 يوماً إجازة سنوية مدفوعة، ويوم عمل مدته 12 ساعة مع فترة للراحة، ومكافأة نهاية الخدمة وأجراً مقابل ساعات العمل الإضافية. كما حددت الحكومة حداً أدنى للأجور.

ورغم ذلك، أشارت المنظمات الحقوقية إلى أن هذه الإصلاحات ما تزال أضعف من قوانين العمل الموجهة إلى المواطنين، كما أنها تفتقر إلى آليات الإنفاذ ولا تحدد أي عقوبات ضد أرباب العمل الذين يسيؤون معاملة العمال. وما يزال التهرّب جريمة يُعاقب مرتكبها بالسجن، ما يعني أن أرباب العمل يمكنهم دائماً اتهام العمال بالهرب وكسر شروط التأشيرة. وهذا يمحو أي آثار إيجابية للإصلاحات في الكويت والبلدان الأخرى كذلك.

البحرين

نظام الكفالة
عمّال من بنغلاديش يعملون في البحرين نظّموا مظاهرة للمطالبة بتمديد إقامتهم كي يرجعوا إلى أعمالهم هناك. دكا، بنغلاديش، 27 أكتوبر 2020. STR / NurPhoto via AFP

يمثّل العمال الوافدون أكثر من 600 ألف من إجمالي 1.6 مليون نسمة يعيشون في البحرين في عام 2019 أي ما يقارب نسبة 54.7 % من السكان بحسب المركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان (ECDHR). يعمل أغلبهم في الإنشاءات وتجارة التجزئة والجملة، بالإضافة إلى ما يقارب 92 ألف يعملون في خدمة بيوت البحرينيين، وأغلبهم من النساء.

بدأ تفكيك نظام الكفالة في البحرين عام 2009، لكن الحكومة لم تعلن إلا في عام 2016 أنها ستدخل حيز التنفيذ في العام التالي. فأدخلت نظام “تصريح العمل المرن” الذي أتاح للوافدين في وضع غير قانوني كفالة أنفسهم وألغى الحاجة إلى الارتباط بصاحب عمل واحد. كما امتد العمل بالنظام ليشمل الأعمال الحرة. واعتبرت العديد من منظمات حقوق الإنسان الخطة الجديدة خطوة كبيرة من أجل حقوق العمال، كما صنفت وزارة الخارجية الأمريكية البحرين في دول المرتبة الأولى في تقرير الإتجار بالبشر، ما يعني أنها استوفت الحد الأدني من المعايير للقضاء على كافة أشكال الإتجار بالبشر.

لكن تصريح العمل المرن تعرّض للانتقاد لارتفاع تكلفة التصاريح وافتقاد قانون العمل للحماية، فهو ما زال يسمح بتعرض العمال للانتهاك.

فألغت الحكومة نظام تصريح العمل المرن وأحلّت محله نظاماً جديداً، وذلك بعد اعتراض البرلمان والقطاع الخاص لاعتقادهم أنه سيفتح المجال أمام العمال الوافدين المستقلين لمنافسة الشركات البحرينية.

وستطبق هيئة تنظيم سوق العمل الخطة الجديدة رغم غموض تفاصيلها، لكنها ستتضمن إنشاء مراكز تسجيل العمالة لتسهيل تسجيل العمال وتسوية النزاعات وربط تراخيص العمل المهنية بالمعايير والمؤهلات. وسيكون هذا متاحاً لبعض المهن فقط. كما لن يستطيع القادمون إلى البلاد بتأشيرة زيارة تحويلها إلى تأشيرة عمل، وهو ما يعتبره البعض مهماً بسبب باب الاستغلال الذي فتحته تأشيرة الزيارة.

وعلى كل حال، لم تلغ الحكومة نظام الكفالة كما وعدت عام 2009. فما زال العمال بحاجة إلى إتمام عام على الأقل مع أصحاب العمل حتى يتركوهم من دون إذن. وما زالت العمالة المنزلية بحاجة دائمة إلى إذن الكفيل.

وبحسب تقرير منظمة العمل الدولية عام 2022، ما زالت هيئة تنظيم سوق العمل تسمح لأصحاب العمل للحد من حق العمال في الانتقال إلى عمل آخر، حتى في ظل نظام العمل المرن.

وأوضحت خبيرة في ملف الهجرة تحدثت إلى فنك بشرط عدم ذكر اسمها أن نظام الكفالة يظل قضية حساسة رغم الجهود التي تبذلها وكالات الأمم المتحدة للدفاع عن تمديد الحماية الاجتماعية للعمال الوافدين، لا سيما بعد الدروس المستفادة من جائحة كورونا.

سلطنة عُمان

نظام الكفالة
عاملا بناء من الهند يراقبان الغروب بينما ينتظران حافلة تعيدهما إلى مسكنهما. بالقرب من فندق هرمز غراند مسقط في سلطنة عمان، 13 فبراير 2017. Artur Widak / NurPhoto via AFP

مثّل الوافدون نسبة 77% من قوة العمل في سلطنة عمان عام 2020 وفقاً لتقرير الهجرة في الخليج. وأتي أغلب الوافدين من الهند وبنغلاديش وباكستان، وتركز عملهم في قطاع الإنشاءات والتجزئة والعمل المنزلي.

ومثل بقية الدول، يقيّد نظام الكفالة العمال في عُمان ويضعفهم ويعرّضهم للاستغلال.

وتعرّضت البلاد عام 2022 للانتقاد باعتبارها بؤرة للإتجار بالبشر القادمين من بلاد إفريقية مثل ليبيريا.

إذ ظهر في إبريل عام 2019 أن العمال في إحدى كبرى شركات المقاولات لم يتقاضوا رواتبهم لمدة عام تقريباً. ودفعوا ثمن فشل الشركة في تجديد تصاريح عملهم، وانتهى بهم الحال عالقين في مخيمات خوفاً من الشرطة.

وقد أعلنت الحكومة العمانية عام 2020 إمكانية تحويل كفالة العمال بعد مرور عامين دون الحاجة إلى شهادة عدم ممانعة من الكفيل. وفي السابق، كان يحظر عليهم دخول البلاد لمدة عامين في حالة تركهم صاحب العمل دون موافقة.

لكن هذا لم ينفع “المستعبدين” في عُمان بعد، إذ لا يجد أولئك ملاذاً يلجؤون إليه، كما أن القانون لا يعتبر العمالة القسرية جريمة.

وبحسب منظمة حقوق المهاجرين، كانت سياسة نقل الكفالة في عمان قبل صدور هذا القرار هي “الأكثر تشدداً في المنطقة”. وهذا على العكس من بعض جيرانها الذين منحوا الوافدين الحق في نقل الكفيل بعد انتهاء عقودهم. وذكرت المنظمة أن هذا الإجراء قد أدى إلى زيادة أرباح العمال بنسبة تفوق 10% وتقلّص فجوة الأجور بين المواطنين والوافدين في القطاع الخاص.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن التقدم في ملف حقوق الوافدين في سلطنة عمان ضئيل رغم الإصلاحات المعلنة، وإن الإجراءات التنفيذية لا أثر لها على أرض الواقع. كما بقي “الهروب من العمل” جريمة يعاقب عليها القانون كما في بقية دول الخليج.

السعودية

تجذب السعودية العمال الوافدين من إفريقيا وآسيا بما في ذلك العمل في الإنشاءات والعمل المنزلي. ويعمل العمال المنزليون بمعدل 63,7 ساعة في الأسبوع، وهو ما يمثل ثاني أعلى معدل في العالم، ويقدّر الخبراء أن بعض الخادمات قد يعملن حتى 100 ساعة في الأسبوع.

وقد أعلنت المملكة حزمة من الإصلاحات في العامين الماضيين. فأتاحت للعمال الحق في تغيير الوظائف بمجرد انتهاء عقودهم أو في أثنائها إذا التزموا بمدة الإخطار المحددة. كما قررت إلغاء الحاجة إلى إذن الكفيل بالسفر، وحددت الآليات التي ستطبقها لحالات العمل دون عقود والامتناع عن دفع الأجور.

لكن يصعُب الحصول على معلومات عن تطبيق هذه الإصلاحات، بحسب خبيرة في ملف الهجرة تحدثت إلى فنك بشرط عدم ذكر اسمها.

وأشارت منظمة حقوق المهاجرين إلى أن الإصلاحات لا تفيد إلا من تحميهم قوانين العمل بالفعل.

وقالت المنظمة: “استُثنى عمال المنازل، والفلاحون، والرعاة، والحراس، والسائقون الخاصون، والذين يُعتبرون أكثر الفئات عرضة للضرر وأضعفها”. وأضافت أن إلغاء إذن السفر لم يمنع أصحاب العمل من معرفة توقيت مغادرة العمال البلاد.

الإمارات

تعتمد الإمارات العربية المتحدة اعتماداً كبيراً على العمالة الوافدة، لا سيما في دبي التي يمثّل الوافدون فيها نسبة 90% من إجمالي السكان البالغ عددهم 3.1 مليون نسمة. ويتركز عملهم في الإنشاءات والمجالات الخدمية. وتتعرض الإمارات للانتقاد لأنها بُنيت على استغلال العمالة وإساءة معاملتهم بينما تصوّر نفسها على أنها دولة مستقبلية.

ورغم إقرار المنظمات الدولية بالإصلاحات المتبعة، فإن الانتهاكات ما زالت مستمرة.

وقد تضمنت الإصلاحات محاولة تنظيم سوق توظيف العمالة الوافدة وإلغاء تصاريح المغادرة ومتطلبات شهادة عدم الممانعة، بالإضافة إلى تدارك التظلمات بشكل كبير.

وتتمثل التحديات في التطبيق والتنفيذ. فالمشكلات طويلة الأمد مثل الإتجار في البشر بهدف الاستغلال الجنسي والعمالة القسرية لم تنته بعد. كما لم تنته الرسوم المرتفعة ولا أشكال الاستغلال الأخرى كعدم دفع الأجور رغم إجراءات الحكومة لضمان دفعها إلكترونياً.

وأعلنت الإمارات عام 2022 خطة تأمين ضد البطالة شملت العمال الوافدين، لكنها لم تشمل العمالة المنزلية أو المؤقتة. وقالت منظمة حقوق المهاجرين إن الخطة “ستقع في تناقضات” ما لم يُلغ نظام الكفالة. وذلك لأنّ العمال الوافدين لا يستطيعون البقاء في الإمارات ما لم يكن لديهم كفيل، فإذا فقدوا عملهم سيكون أمامهم 30 يوماً لمغادرة البلاد.

وهذا يوضح أن الإصلاحات في الإمارات مثلها مثل بقية الدول لا تؤتي ثمارها ما لم تواجه جذر نظام الكفالة، وهو أن تبعية العمال لأصحاب العمل تخلق علاقة قوة غير متكافئة.

لبنان

تمثل العاملات المنزليات غالبية الوافدين المرتبطين بنظام الكفالة في لبنان. ومع ذلك، فإن مصيرهن وحقوقهن عادةً ما تتحدد بناءً على هروبهن (أو عملهن بشكل مستقل) أو بقائهن في بيت الكفيل.

نظرياً، تتجدد العقود سنوياً باتفاق الطرفين، لكن ما يحدث في الواقع أن العاملات تبدأن فترة تجريبية لمدة شهرين أو ثلاثة ثم تبقين إلى أجل غير مسمى، حتى إنه في بعض الحالات رفض الكفلاء عودتهن إلى بلادهن وحبسوهن في بيوتهم.

والعاملات اللاتي لا يسكنّ في بيوت أصحاب العمل يُعدّ وضعهن غير منتظم، ولذلك تكون حقوقهن أكثر عرضة للخطر. لكنهن يمكثن في البلاد لاستقرار حياتهن فيها أو لانعدام الخيارات الأخرى. فالعودة إلى أوطانهن دون مدخرات أو شهادة جامعية تصعّب الاندماج في المجتمع من جديد. أما العاملات المقيمات، فيواجهن خطر انتهاكات أصحاب العمل وتأخر الأجور لفترة طويلة والحرمان من الاتصال بعائلاتهن.

وقالت باتريشيا سلوان من منظمة “This is Lebanon“، وهي منظمة مجتمع مدني تفضح الانتهاكات في لبنان، لفنك إن هناك عاملات حُبسن فترات طويلة في لبنان، حيث ظلت إحداهن محبوسة 21 عاماً دون أجر أو تواصل مع عائلتها. وأضافت: “اللجوء إلى الشرطة ليس خياراً ممكناً، فقد يتهمهن أصحاب العمل بالسرقة أو تعيدها الشرطة إليهم”.

وتقول منظمات المجتمع المدني المناهضة لهذا النظام إنه نتج من رحم السياسات المنغلقة تجاه الهجرة والعمالة. وترى هذه المنظمات أنه على العمالة المنزلية أن تتمتع بالحقوق التي يتمتع بها بقية العمال.

وقد تحسّن الوضع قليلاً عندما أجرت وزارة العمل إصلاحات في عقد العمل الموحد في 8 سبتمبر 2020، إذ أتاحت بعض التعديلات الأساسية: كالعمل 48 ساعة في الأسبوع، ويوم الراحة الأسبوعي، ودفع أجر للعمل الإضافي، ودفع أجر الإجازة المرضية، والإجازة السنوية. كما حددت شروط الأجور والشروط التي تسمح للعاملات بإنهاء التعاقد دون موافقة صاحب العمل. لكن تنفيذ إصلاحات عقد العمل الموحد توقف بسبب شكوى تقدمت بها نقابة أصحاب مكاتب استقدام عاملات المنازل، ثم علّق مجلس الشورى اللبناني تنفيذ هذه الإصلاحات بعدما رضخ لضغط هذه النقابة حسبما ورد.

ومع ذلك، لم تكن هذه الإصلاحات كافية. فقد قالت منظمة كفى غير الربحية إنه يجب إلغاء نظام الكفالة وأن تشمل قوانين العمل الوطنية العمالة المنزلية. وتعمل منظمة كفى وغيرها من المنظمات حالياً على مشروع قانون يتضمن حماية كافية لعاملات المنازل لتقديمه إلى مجلس النواب في مرحلة لاحقة.

وكثير من العاملات يكافحن من أجل العودة إلى أوطانهن، لكنهن قد يبقين عالقات في لبنان لفترات طويلة. وقد ذكرت غنى العنداري من منظمة كفى أنه تُوجد عاملات منزليات في لبنان وصلن إلى سن الستين على هذه الحال، فقد صارت هذه حياتهن، ولكنها حياة مهددة بسبب استبعادهن من قوانين العمل اللبنانية. وأضافت: “فضلاً عن غياب أي معاش للتقاعد أو تأمين. وهذه حقوق سيتمتعن بها إذا شملهنّ قانون العمل”.

الأردن

بحسب إحصاءات المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية، كان هناك 341,041 عاملاً وافداً مسجلاً في الأردن عام 2017، كما بلغ عدد العاملات المنزليات في البلاد نحو 70 ألف شخص عام 2020.

رغم اختلاف التسمية، يشبه نظام الكفالة في الأردن نظرائه في دول الخليج ولبنان، لكنه لا ينطبق إلا على العمال الوافدين الذين يوظفهم المواطنون، وليس على العاملين في المناطق الصناعية المؤهلة (مناطق التجارة الحرة الأمريكية) في الأردن.

ويحتاج العمال الوافدون في الأردن إلى إذن أصحاب العمل لإنهاء العمل، أو الانتقال إلى كفيل جديد، أو مغادرة البلاد. وقد أبدى العمال الذين حاورتهم منظمة العمل الدولية رغبتهم في أن يتولوا كفالة أنفسهم، ويتحكموا في مصيرهم كما في تجربة البحرين. وقال بعضهم إنّ نظام الكفالة يحول دون حرية انتقالهم ويعرضهم للابتزاز، بينما اعتبر آخرون، مثل اللاجئين السوريين، أنه طريقة لتأمين وجودهم قانونياً.

ومن الجدير بالذكر أنّ 75% من العمالة الوافدة لا تملك تصريحاً بالعمل، وتحظى نسبة 17% منهم فقط بكفيل رسمي. بينما يعتمد الباقي على السوق السوداء التي تمنحهم هامشاً من الحرية لكنها تعرضهم لكثير من الأخطار.

كما توجد فوارق في الأجور بين المواطنين والوافدين وتباينات في الحد الأدنى للأجور بينهما. ورغم توفّر بعض الحماية للعمالة الوافدة، كساعات العمل المحددة وتكفل صاحب العمل برسوم التصاريح، فإن تطبيقها صعب وانتهاكاتها معروفة، لا سيما تلك التي تقع على العاملات المنزليات.

ولم تتجاوز الإصلاحات وضع العقد الموحد عام 2003 وتجريم العمالة القسرية عام 2009.

وقد أوردت منظمة العمل الدولية في تقرير عام 2017 أنّ هناك تحركات للحكومة الأردنية لإدخال بعض المرونة في القطاع الزراعي بأن يصبح للتعاونيات حق الكفالة. وهذا يعني أنّ العمال يستطيعون الانتقال بين الوظائف إلى حد ما، لولا أن آلية الانتقال هذه عرضة للرشاوى. ولكل من العمل الزراعي والعمل المنزلي قانون عمل منفصل، وقد جنى العمال الوافدون بعض المرونة بفضل جهد النقابات كنقابة العمال الزراعيين، وساعدتهم في ذلك جائحة كورونا وشحّ الغذاء الناتج عن تغير المناخ والاهتمام الكبير من المانحين.

وفي الوقت نفسه، تخضع صناعة الملابس التي يشكّل العمال الوافدون ثلاثة أرباع العاملين فيها لاستراتيجية إصلاحية مقسمة على أربع مراحل بدأت عام 2008 ويُتوقع أن تنتهي عام 2027. وتهدف الاستراتيجية إلى الحد من بعض الانتهاكات التي تحدث في مصانع الملابس، وإدخال اتفاقية المفاوضة الجماعية على مستوى القطاع، والعقد الموحد لعمال الملابس الوافدين وتضمينهم في قوانين العمل. بالإضافة إلى محاربة التمييز في الأجور بين المواطنين والوافدين، وعمل اختبار للحمل قبل التوظيف، ووضع رسوم لتوظيف العمالة الوافدة.

وبشكل عام، ما زال هناك اختلال في ميزان القوة حتى اليوم بين العمال الوافدين وأصحاب العمل الذين يمكنهم إلغاء إقامة العمال القانونية في أي وقت. ففي عام 2017، حدث ما يقارب 10 آلاف ترحيل للعمال. وثمة اقتراح بإصلاح القطاع العام بدل الإصلاح التدريجي لتعزيز وضع العمال الوافدين، وذلك بحلّ وزارة العمل وتوزيع مهامها على عدة أجهزة، لكن هذا يهدد أولوية إصلاحات قوانين العمل.

ولذلك، ما زالت منظمات المجتمع المدني تطالب بفصل العمل عن تصاريح الإقامة، وباتحاد قوى حيث يُعترف رسمياً بنقابة العمال الزراعيين وغيرها.

علاقة قوة غير متكافئة

تتوقف إصلاحات نظام الكفالة، على اختلاف درجاتها، على آليات تطبيقها وإنفاذها المناسب. فضلاً عن أنها ليست إصلاحات شاملة، إذ ما زالت القوانين الإشكالية تهدد العمال، مثل قانون الهروب من العمل.

وبينما تسمح بعض البلاد اليوم للعمال بترك أصحاب العمل دون إذنهم، وألغت الحاجة إلى تأشيرات المغادرة، فما زالت هناك حاجة إلى مزيد من التغيير في السياسات والقوانين قائمة. فالعمال الذين يريدون المغادرة يحتاجون إلى حمايتهم من انتقام أصحاب العمل. كما سيحتاج العمال إلى دعم كبير للعثور على أصحاب عمل جدد، لا سيما أن مهلة العثور على كفيل جديد محدودة.

ويتورط كثير من العمال إذا هربوا أو لم يجدد الكفيل تأشيراتهم. ويظهر هذا أنه ما دام نظام الكفالة قائماً، فسيظل العمال تابعين لنزوات صاحب العمل الذي عادةً ما يكون هو الشخص الوحيد القادر على تجديد تأشيرة العمال وإقامتهم القانونية في البلاد.

وقالت العنداري، التي تدافع عن حقوق العاملات المنزليات في لبنان المعروفات بمعاناتهم من التحرش والاعتداء الجنسي، إن الطبيعة التعسفية لنظام الكفالة ليست ظاهرة منعزلة. وأضافت: “لنحاول أن نرى الدورة كاملة. فالاستغلال لا يبدأ في لبنان، وليس معزولاً عن العنف الذكوري واستغلال المرأة بشكل عام”.

ورغم الإصلاح المستمر البطيء في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يناقش صانعو السياسات إجراءات الحماية الاجتماعية بما في ذلك حسابات التوفير للانتقال، فإن صعوبة إصلاح نظام الكفالة أو مجرد وجوده يشير إلى وجود عوامل أخرى أكبر.

إذ تتعرض دول الخليج إلى الضغط للحد من الاعتماد على الوافدين بسبب قلة المواطنين، وارتفاع معدل البطالة بين الشباب، والحاجة إلى تنويع الاقتصاد. وذلك عن طريق الامتناع رسمياً عن منح الجنسية، أو الإقامة الدائمة أو أنظمة التقاعد الحكومية، بينما يتيح نظام الكفالة التحكم السياسي في السكان الوافدين.

ووفقاً لتقرير صدر عن مركز الخليج للأبحاث عام 2022، أبقت المصالح الخاصة لمختلف الأطراف النظام كما هو عليه. فالشركات تستفيد من العمالة الرخيصة، ويبقى العمال في حالة ضعف. كما يستفيد المواطنون من تجارة التأشيرات وبيعها للعمال.

ومن ناحية أخرى، سيؤدي السماح بانتقال مزيد من العمال إلى زيادة في الإنتاجية، إذ سيتحسن وضع العمال ويُشجع أصحاب العمل على الإحسان في معاملتهم. وهكذا تُستبقى المواهب.

ونظراً إلى إقدام دول مثل قطر والسعودية على تنظيم مشاريع عملاقة مثل كأس العالم، سيظل اعتمادهم على العمالة الوافدة قائماً لوقت طويل. وفي هذا الصدد، تستمر المنظمات الدولية، مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة حقوق المهاجرين ومنظمة العمل الدولية، في الضغط من أجل إجراء مزيد من الإصلاحات، أو إلغاء نظام الكفالة برمته.