مات ناشد
لطالما هدد أمراء الحرب الليبيون وقتلوا عدداً من الناشطات منذ أن هوت البلاد في براثن حربٍ أهليةٍ متجددة منذ عام 2014، إذ شهدت الحادثة الأخيرة اغتيال مسلحين لحنان البرعصي في وضح النهار في بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية. وبعد عدة أيام دُنس قبر المحامية البالغة من العمر 46 عاماً.
وقعت جريمة القتل بعد وقتٍ قصير من تحميل البرعصي مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي في 10 نوفمبر 2020، حيث تحدثت في الفيديو الذي صورته أثناء تواجدها في سيارتها عن زعم تعرضها للتهديد لانتقادها الميليشيات المتحالفة مع أمير الحرب في الشرق خليفة حفتر، الذي يرأس الجيش الوطني الليبي بعد أن نصبّ نفسه قائداً له. ومن الجدير بالذكر أن البرعصي سبق وعبرت عن دعمها لحفتر بالرغم من اتهامها أفراد من أسرته بالفساد.
جاء مقتلها بعد أكثر من عامٍ على اختطاف النائبة سهام سرقيوة من منزلها في منتصف الليل. فقد حدث الاختطاف بعد أن دعت إلى “وقف إراقة الدماء” على تلفزيون الحدث- المملوك لإبن حفتر، صدام، إذ كانت سرقيوة تُشير إلى هجوم الجيش الوطني الليبي على العاصمة طرابلس مما أعاق عملية السلام بوساطة الأمم المتحدة ودفع البلاد إلى حربٍ أهلية دامت أكثر من 14 شهراً.
وفي وقتٍ لاحق، ألقى الجيش الوطني الليبي باللوم على “إرهابيين” في اختطاف سرقيوة، لكن شهود عيان قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إن المركبات المتورطة في الحادث تعود لميليشياتٍ تقاتل مع حفتر. ومنذ ذلك الحين، لم يُشاهد أحدٌ سرقيوة، كما لم تحقق السلطات في مكان تواجدها إلى الآن.
وقبل أربع سنوات، اشتبه بتورط جماعاتٍ إسلامية متطرفة بقتل مجموعة من الناشطات، إذ عثر على جثة إنتصار الحصائري وجثة عمتها في الصندوق الخلفي لسيارتها في 24 فبراير 2015. يعتقد النشطاء أنها قتلت بسبب ترويجها للفن والثقافة في ليبيا من خلال منظمتها غير الحكومية، تنوير.
وفي عام 2014 قتل مسلحون مجهولون سلوى بوقعيقيص، وفريحة البركاوي وسلوى يونس الهنيد. كانت بوقعيقيص، المحامية في مجال حقوق الإنسان والمستشارة في المجلس الانتقالي الليبي، من أشهر الناشطين الذين تم اغتيالهم. ويعتقد المحللون أنها استُهدفت لخرقها المعايير الجنسانية واستخدامها وسائل التواصل الاجتماعي لتشجيع الليبيين على التصويت في الانتخابات العامة في 25 يونيو 2014. في ذلك اليوم، دخل مسلحون مقنعون منزلها وأطلقوا عليها الرصاص في رأسها، كما اختطف زوجها ولم يشاهده أحدٌ منذ ذلك اليوم.
وتقول منظمة العفو الدولية إن اغتيال بوقعيقيص كان “نقطة تحول سلبية بالنسبة للمرأة في ليبيا،” بل إن عدم إجراء أي تحقيقٍ فعال من قبل السلطات الليبية – التي تحكم تحت رحمة الجماعات المسلحة – أرسل رسالة مفادها أن الميليشيات يمكن أن تقتل المدافعات عن حقوق الإنسان مع الإفلات من العقاب. وفي كل جريمة قتل لاحقة أعقبت مقتل بوقعيقيص، أكدت السلطات الليبية المتنافسة أن عمليات القتل نفذها “إرهابيون” أو لم تكن بدوافع سياسية.
وفي هذا الصدد، قالت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي لبرنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية، في عام 2018 “تدهور الوضع الأمني العام لليبيين بعد 2014، لكن النساء بوجه خاص تضررن منه بصورة أشد. وأدى انعدام المساءلة عن عمليات الاغتيال إلى الكشف عن ظاهرة الإفلات من العقاب على العنف المرتكب ضد النساء اللاتي يتجرأن على التصريح بآرائهن، مما تسبب في انسحاب بعض النساء من المشاركة في المجتمع المدني الليبي، وإجبار الأخريات على الفرار من البلاد “.
بالطبع، يتم استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان الليبيين بغض النظر عن جنسهم، بيد أن المخاطر تتفاقم بالنسبة للناشطات ذلك أن لديهن القليل من الحلفاء على استعداد لحمايتهن، إن وجد. حتى أن القبائل القوية قد تحجم عن خوض نزاعٍ على امرأة تعبر عن رأيها بصراحة وتخرق الأعراف الاجتماعية.
فقد قالت هالة بوقعيقيص، ابنة عم سلوى، لصحيفة الإندبندنت: “يعتقد الناس في ليبيا أنه عندما تجرؤ النساء على المشاركة في الحياة السياسية، فإنهن يخرقنّ القانون الاجتماعي الأخلاقي ويستحقنّ ما حدث لهن.”
مع ذلك ، دعت هيومن رايتس ووتش السلطات في شرق ليبيا إلى إجراء تحقيق كامل في مقتل البرعصي، لكن المحللين والنشطاء مدركين تماماً لحقيقة أن الجيش الوطني الليبي لن يعتقل الجناة ويحاكمهم.
ومما يبعث على الصدمة هو أن مقتل البرعصي حصل أثناء تجديد محادثات السلام الجارية بوساطة الأمم المتحدة. ومع ذلك، أثارت جريمة القتل إدانة واسعة النطاق في المجتمع الدولي بيد أن هذا لم يكن الحال بين المدعوين إلى المفاوضات، فقد بدا معظم المشاركين منشغلين للغاية بالتسابق للحصول على مناصب ذات أهمية في الحكومة المقبلة. لكن المحادثات في تونس تشير إلى أن النساء على الأرجح لن يكون لهن تأثير يذكر، إن وجد، في مستقبل ليبيا، فمن بين 75 ليبياً مشاركون في المفاوضات، منهن أكثر بقليل من اثنتي عشرة امرأة فقط.
وعلى صعيدٍ متصل، تجادل المدافعات عن حقوق الإنسان، مثل رضا الطبولي، بأن أصحاب المصلحة الدوليين كثيراً ما يبررون استبعاد النساء من المنتديات السياسية بالقول إن “الفاعلين الليبيين الرئيسيين هم من يعارضون المشاركة السياسية للمرأة.” وفي هذا الصدد، تعتقد الطبولي أن هذا منطق خطير يسلم ليبيا فعلياً لأكثر اللاعبين استبداداً ممن يتنافسون على السلطة.”
وقالت لمجلس الأمن الدولي في نوفمبر 2019: “إذا لم تكن هناك وسيلة لليبيين العاديين للمشاركة في العملية السياسية، فكيف سنتمكن من تغيير الأمور على أرض الواقع.”
كما أشارت زهرة لانغي، المؤسسة المشاركة لمنصة المرأة الليبية للسلام وصديقة حميمية لسلوى بوقعيقيص، إلى أن النساء الليبيات يتوسطن تقليدياً في النزاعات داخل العائلات والقبائل والمجتمعات المحلية. وتضيف أنه من المعروف بين الليبيين أن المرأة قد تولت في السابق دور صانعات السلام على الرغم من عدم وجود وثائق تاريخية.
علاوةً على ذلك، كانت المرأة الليبية في طليعة المشاركات في المظاهرات التي أشعلت شرارة الثورة ضد الدكتاتور السابق معمر القذافي. ففي 15 فبراير 2011 اعتقل المحامي فتحي تربل الذي مثّل أهالي الضحايا الذين استشهدوا في سجن بوسليم عام 1996، إذ أطلقت الشرطة سراحه في نهاية المطاف بعد أن طالبت آلاف النساء بالإفراج عنه في اليوم التالي. وعليه، أثار هذا الاحتجاج حماساً ثورياً ألهم الأمة الليبية بأكملها.
ومع ذلك، أمل المدافعات عن حقوق الإنسان في ليبيا بدأ يخبو منذ فترة طويلة مع استمرارهنّ بمواراة أقرانهنّ الواحدة تلو الأخرى الثرى.
ملاحظة
الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.