وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تونس: الجيل الجديد من مبادرات المرأة تُعيد تشكيل النسوية

Feminism tunisia
نساء تونسيات يرددن شعارات ويلوحن بأعلامهن الوطنية خلال مظاهرة بمناسبة يوم المرأة التونسي في العاصمة تونس. Photo: FETHI BELAID / AFP

إنهاء الاستعمار أو تقاطع أشكال التمييز أو الشمولية: بصرف النظر عن التسمية، إلا أن جيلاً جديداً من المبادرات النسائية التونسية يعيد تشكيل النموذج الأولي للحركة النسائية التونسية.

منذ أواخر الخمسينيات، منحت الإصلاحات الرائدة للمساواة بين الجنسين تونس سمعة كونها مناصرة حقوق المرأة. يرجع الفضل في هذه السمعة إلى حدٍ كبير إلى “الأب” الحامي للنسوية في البلاد، حبيب بورقيبة، أول رئيسٍ بعد الاستقلال، الذي منح حقوقاً للمرأة مثل الحق في رفض تعدد الزوجات، والشروع في الطلاق، والخضوع لعمليات الإجهاض المجانية وكذلك التصويت وتولي منصبٍ منتخب.

مع ذلك، يرفض عددٍ متنامي من نشطاء مجتمع الميم (مثليي الجنس ومزدوجي التوجه الجنسي والمتحولين جنسياً) أن يتم تأطيرهم فيما يرونه تقييداً لهم ضمن طليعة الحركة النسوية في تونس: شكل من أشكال النسخة الإقليمية لنموذج أوروبا الغربية للنسوية.

على سبيل المثال، عبرت الفيلسوفة والكاتبة سمية المستيري عن رأي مختلف المحللين الآخرين في المنطقة، ودعت إلى “إنهاء استعمار” الحركة النسوية، الأمر الذي تسميه “فشلاً.” من وجه نظرها، لدى النسويات التونسيات جهلاً بتداعيات العلاقات الاستعمارية وفجوات القوة بين النساء. بينما يجادل نقاد نسويون آخرون بأن أكبر الحركات النسائية هي “نسخٌ ولصق استعلائي للنموذج المتجانس الذي تروج له الدولة للمرأة التونسية.”

واجهت هذه الأفكار جيلاً جديداً من المبادرات، ولا سيما فلقطنا (سئمنا)، التي حققت نجاحاً سريعاً بعد تنظيم عرضٍ مفاجىء لجذب الانتباه إلى العنف ضد المرأة. من جهتها، تصف أمل بنت نادية، أحد المبادرين، المجموعة بأنها “غير سياسية وشاملة وغير هرمية. كما أنها آمنة أيضاً للنساء المتحولات جنسياً اللواتي يعانين من التمييز المزدوج.”

وعلى عكس ذلك، حظر بورقيبة، الذي أصبح أيقونة وطنية لحقوق المرأة، الحركات النسائية بخلاف تلك التي ينتمي إليها الحزب الحاكم. تستذكر بشرى بلحاج حميدة بالقول، “سمح لنا خلف بورقيبة، بن علي، بالعمل لأنا كنا ضمن الحلف المعادي للإسلاميين، لكن هذا انتهى بمجرد أن أظهرنا أننا لسنا دمى.” تعدّ المحامية وعضوة اللجنة التنفيذية السابقة لحزب نداء تونس الليبرالي، بشرى بلحاج حميدة، أحد مؤسسي ومن أوائل رؤوساء الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات. كما كانت رئيسة لجنة الحريات والمساواة الفردية التي أسستها الدولة.

تجسد الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، إلى جانب العديد من المنظمات النسائية الأخرى، تاريخ تونس النسوي. وتصف بلحاج حميدة الأجواء تحت حكم بن علي بـ”الشديدة،” إذ قالت: “ظللنا تحت الأنظار، وتم التنصت علينا وما إلى ذلك. تفاوتت مساحة المناورة من حالة إلى أخرى.” وتابعت، “لكن بشكل عملي، عندما واجهت بعض النساء مشاكل، كان يتم إحالتهن إلينا، تصاحبهم عبارة ‘هذا هو عمل الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات‘.”

تعدّ هذه من النقاط الحساسة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، إذ غالباً ما يتهم النقاد أقدم المنظمات النسوية بأنها من اختيار الأحزاب الحاكمة اللاحقة، بينما كان السياسيون يلعبون بشكلٍ استراتيجي على “بطاقة المرأة.” وغالباً ما يُنظر إلى نسوية دولة بورقيبة على أنها ذات نهجٍ “أبوي” حيث كانت الحركة النسائية جزءاً إلزامياً من مشروع البناء في الدولة مع دور داعمٍ فقط للمنظمات النسائية التابعة للأحزاب.

“حسناً، أصبح هذا الزمن من الماضي بالنسبة لنا،” بحسب قول المحامية وعضو مجلس الإدارة في الجميعة التونسية للنساء الديمقراطيات، هالة بن سالم، لنا في فَنَك. وأضافت، “طالما يعزز وضع النساء، فلا مانع لدي. استقلالنا غير قابل للشك.”

إلا أن الناشطة أمل غير مقتنعة بذلك، إذ تقول من وجهة نظرها “إنها واجهة زائفة.” وتضيف “خذ، على سبيل المثال، بند التكافؤ في قوانين الانتخابات، والذي يتطلب 50% من النساء و50% من الرجال في قوائم الانتخابات. فكرة جميلة، لكن كم عدد البرلمانيات اللواتي نعرفهن؟” فوجهة نظرها صحيحة. فبين عامي 2014 و2019، انخفض عدد النساء في البرلمان من 36% إلى 21%.

بينما أشارت بلحاج حميدة بالقول، “الحاجز الزجاجي المرئي التقليدي: تعتبر النساء ناخبات قويات إلا أنهن ليسوا قادة أقوياء (محتملين).”

في أعقاب ثورات 2011، أعاد الصعود الهائل لمنظمات المساواة بين الجنسين تشكيل المجتمع المدني في تونس. وفي هذا الصدد، قالت بن سالم “مع دخول منظمات مجتمع الميم، تحول جدول الأعمال النسوي إلى قضايا مثل السلامة في الفضاء العام والاستقلال المادي.”

كما تُشير بلحاج حميدة أيضاً إلى تغيرٍ في النمط وأسلوب العمل،” إذ قالت تعد المبادرات الجديدة أكثر نشاطاً وتلقائية بشكلٍ عام، وأقل اهتماماً،” معربة عن أسفها “لعدم وجود توافق متبادل.”

من جهتها، أكدت بن سالم أن الجميعة التونسية للنساء الديمقراطيات لا تزال معاصرة. “تقدمنا مع مرور الوقت بالطبع. ومع ذلك، فإن محاربة النظام الأبوي ما زالت في مقدمة وجوهر الحركة النسوية.”

فقد وصفت الجميعة التونسية للنساء الديمقراطيات بأنها “منظمة علمانية مستقلة لجميع النساء.” ومع ذلك، كما ذكرت أمل، فإن شبكات الجيل الجديد مثل فلقطنا هي على الأقل رد فعلٍ على الطريقة التي شُكل فيها المجتمع المدني بعد 2011.

“لقد شعرنا بالحاجة إلى بنية أكثر حرية وشمولاً،” أوضحت أمل، مرددة التأكيد العالمي على تقاطع أشكال التمييز (إدراك التجارب المختلفة وتأثير علاقات القوى) ومشكلة المطالبة العالمية للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات ومعاصريها. وبحسب قولها، “لا أستطيع التحدث عن نساء أخريات. فلم يسبق أن كنت مكان إمرأة متحولة جنسياً على سبيل المثال،” معبرة عن الانتقاد أن “النسوية السائدة” تعيد إنتاج الصور النمطية وتتجاهل التنوع بين النساء.

إن مثل هذه الحجج، وفقاً للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، مجرد دليل على نجاح النظام الأبوي. وقالت بن سالم “إنها مغالطة،” وتابعت “النسويات اللواتي يزعمن إنهاء الاستعمار هن في معظم الأحيان نساء مسلمات ينكرن تعرضهن للقمع.”

في الوقت نفسه، تطور نمزذج بورقيبة النسوي إلى واحدٍ من أكثرها رواجاً وتميزاً في تونس.

لكن بالنسبة لأمل، فإن “شعار استثناء المرأة التونسية يستخدم في الوقت الحاضر كسلاح.” وأضافت، “الرجال يطلقون علينا اسم النسوية المتطرفة ويجادلون بأن المرأة التونسية تتمتع بحقوق أكثر من غيرها من النساء العربيات وينبغي أن نكون سعيدات بذلك. لكنا نرفض أن نقارن أنفسنا بالنساء في أماكن أخرى.”

وعلى النقيض من ذلك، تحمل الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات لقب رائدة حقوق النساء بكل فخر. وكما تقول بن سالم، “لا تزال تونس أفضل بلدٍ عربي للنساء.”

وللحفاظ على استقلالها، تتجنب مبادرة فلقطنا وغيرها من مبادرات الجيل الجديد التمويل من الحكومات الأخرى. وبحسب قول أمل، “يصعب إرضاؤنا جداً.” وتابعت القول “نبني شبكاتٍ مع منظماتٍ تمارس ضغوطاً على بلدانها لتغيير توازن القوى بين أوروبا وتونس.”

واليوم، تُرسم ملامح أجندة النسوية التونسية من قبل حركة أنا زادة (#أنا أيضاً)، التي ظهرت بعد أن نشرت طالبة تبلغ من العمر 19 عاماً صوراً على الفيسبوك يزعم أنها تظهر سياسي تونسي يستمني في سيارته خارج مدرستها الثانوية. وعلى حد تعبير أمل، “طفح الكيل. لقد حان الوقت لكسر الصمت إزاء التحرش الجنسي والاعتداء الجنسي على نطاقٍ واسع. أصبح التحيز الجنساني طبيعي في مجتمعنا.”

تحولت النسوية في القرن الحادي والعشرين إلى معركة متعددة الأوجه. يشارك نشطاء مجتمع الميم التونسيون في صراع ثلاثي الأطوار: ضد الأبوية، والنموذج “الغربي المهيمن” و”الهويات المبنية مسبقاً.” وبلا شك باتت أكثر وضوحاً من أي وقتٍ مضى.