اندلعت احتجاجاتٌ في جميع أرجاء المغرب بعد موت بائع السمك، الذي سُحق حتى الموت داخل حافلةٍ لجمع النفايات. فقد قُتل محسن فكري، البالغ من العمر 31 عاماً، في 28 أكتوبر 2016 في مدينة الحسيمة شمال المغرب، بعد تسلقه الشاحنة لاستعادة 500 كيلوجرام من سمك أبو سيف المصادرة، والتي تخضع لحظر الصيد في مثل هذا الوقت من العام.
وفاته في الريف، وهي منطقة بربرية لها تاريخ طويل من المعارضة السياسية، أثارت أيضاً الغضب في أماكن أخرى من البلاد بما في ذلك العاصمة الرباط. وتعتبر هذه المظاهرات الأكبر منذ احتجاجات “الربيع العربي” عام 2011. وتراوحت الشعارات ما بين “نحن هنا نسحق الشعب،” و”أوقفوا الحقرة” (الذل الشديد)، إلى “مجرمون، وقتلة، وإرهابيون،” و”أبناء الريف يرفضون الهمجية.” صُدم المتظاهرون بالظروف المحيطة بوفاة فكري، التي تم تصويرها بواسطة الهاتف المحمول ونشرها على شبكة الانترنت. فقد انتشرت صورة رأس الضحية الهامد وذراعه الخارجة من شاحنة النفايات الضاغطة، كالنار في الهشيم.
وشارك آلاف الأشخاص بجنازة فكري، إذ مشوا لساعاتٍ من الحسيمة إلى مدينة إمزورن، حيث دفن. حمل المتظاهرون في الموكب الأعلام الأمازيغية مطالبين بتحقيق العدالة لـ”الشهيد محسن.” ومن بين جميع الشعارات، أسر شعار “أوقفوا الحقرة” مخيلة الجمهور. فقد نظمت مظاهراتٌ في أكثر من 22 مدينة وبلدة في جميع أرجاء المغرب، وغطتها وسائل الإعلام الدولية، على نطاقٍ واسع.
اعتبر موت فكري المروع انتهاكاً واضحاً لحق الجميع بالحياة. كما اعتبر أيضاً انتهاكاً للمادة (22) من الدستور المغربي لعام 2011، التي تنص على “أن لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة.”
وفي ضوء ذلك، ألقيّ القبض على 11 شخصاً للاشتباه بهم بتهمة القتل غير العمد. ومن بين المحالين إلى القضاء، اثنان من رجال السُلطة بمندوبية الصيد البحري ورئيس مصلحة الطب البيطري، وفقاً لبيان النيابة. وعلى صعيدٍ متصل، فقد سجلت جمعية حقوق الإنسان في المغرب زيادةً في انتهاكات حقوق الإنسان في السنوات الأخيرة. وقد قارن أحد أعضاء الجمعية، عبد الإله بن عبد السلام، تحقيقات الحكومة بالقضية بعشرات التحقيقات الأخرى التي فُتحت ولكن لم تتم تسويتها قط.
يمكن استخلاص أربعة استنتاجات من الحادثة، وفقاً لأستاذٍ جامعي. أولاً، حقيقة أن الناس قرروا النزول الى الشوارع دون دعمٍ من حزبٍ سياسي أو نقابة، يشير إلى أن جدار الخوف قد سقط، الأمر الذي يعد تحولاً عميقاً في المجتمع المغربي.
ثانياً، لم تعد الأحزاب والنقابات التقليدية تحتوي غضب الشعب، إذ كان المحتجون يتحدون بشكلٍ مباشر ديناميات الإدارة الإقليمية. وثالثاً، تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً قوياً في تعبئة الناس. ورابعاً، هناك شعورٌ بأنّ الحياة العامة أصبحت فضاءً حراً للتعبير عن الرأي.
كما أثارت المأساة مواقف متناقضة من قِبل الحزبين السياسيين الرئيسين المتنافسين: حزب العدالة والتنمية الإسلامي وحزب الأصالة والمعاصرة المؤيد للملكية. ففي حين ناشد حزب العدالة والتنمية الفائز في الانتخابات العامة التي أجريت في السابع من أكتوبر الشعب إلتزام الهدوء، طالب حزب الأصالة والمعاصرة، الذي احتل المركز الثاني، تقديم أولئك المسؤولين بشكلٍ مباشر وغير مباشر عن هذه المأساة، إلى العدالة. كما استغل رئيس حزب الأصالة والمعاصرة، الذي ينحدر أيضاً من مدينة الحسيمة، حيث قُتل بائع السمك، الفرصة للتأكيد على تهميش منطقة الريف وشجع أنصار حزب الأصالة والمعاصرة على تنظيم احتجاجٍ سلمي. انقسمت ردود الفعل على هذه المواقف بين أولئك الذين اتهموا رئيس الوزراء عبد الإله بن كيران بخيانة الشعب وأولئك الذين حذروا من تسييس الحدث.
ومع ذلك، تظاهر العديد من القادة السياسيين في الرباط في 30 أكتوبر2016، وكان من بينهم محمد زياني، زعيم حزب الاتحاد الدستوري، الذي قارن موت فكري بطريقة الإعدام الوحشية لمعمر القذافي أو صدام حسين.
الملك محمد السادس، الذي كان يتواجد في تنزانيا في ذلك الوقت في جولةٍ دبلوماسية كبيرة في شرق افريقيا، بعث بوزير الداخلية محمد حصاد إلى الحسيمة “لتقديم التعازي والمواساة من صاحب السيادة إلى أسرة الفقيد.” كما أعطى الملك تعليماتٍ بـ”إجراء تحقيقٍ شاملٍ ودقيق.” وقد أعلنت وزارة الداخلية فتحها تحقيقاً بالفعل، بالتعاون مع النائب العام المحلي، بعد يومٍ واحدٍ على الحادثة.
وأكد الوزير محمد حصاد، “عزمه تحديد ملابسات مقتل بائع السمك ومعاقبة المسؤولين عن هذه المأساة.” وأضاف “نحن متأكدون من أن الشخص المعني قد غادر الميناء في سيارة مع شخص آخر، ورفض التوقف عند نقطة تفتيش تابعة للشرطة. وعندما أعطي التحذير، تم اعتراض السيارة التي كانت في داخلها كمية كبيرة من سمك أبوسيف، وهو نوع يمنع صيده في المغرب”. وأردف حصاد “تم إبلاغ المدعي العام، واتخذ قرار بإتلاف البضائع غير المشروعة. بعد ذلك، جميع الأسئلة تطرح”.