عاد الملف الصوتي الذي سُجّل قبل 28 عاماً والذي صدر الشهر الماضي عن الموقع الالكتروني الرسمي للراحل آية الله حسين علي منتظري، مجدداً ليسلط الضوء على حقوق الإنسان في جمهورية إيران الإسلامية. في التسجيل، يدين منتظري، الذي كان مرشحاً لخلافة آية الله الخميني، إعدام آلاف الإيرانيين، الذين كان غالبيتهم في سن المراهقة آنذاك، من المعارضين لحكم رجال الدين. هذه المجزرة، المعروفة على نطاقٍ واسع بـ”إعدامات 67″ (في إشارة إلى التقويم الفارسي لعام 1367، أي ما يعادل عام 1988 ميلادي)، تعتبر عموماً أحد أحلك الفصول في تاريخ البلاد.
فقد بدأت انتهاكات حقوق الإنسان من قِبل القوى الثورية، بما في ذلك إعدام السجناء السياسيين، فور عودة الخميني إلى إيران في عام 1979 بعد 15 عاماً قضاها في المنفى، إذ باتت سمة ثابتة من سمات الحياة الاجتماعية والسياسية في البلاد منذ ذلك الحين. واليوم، تحتل إيران المرتبة الثانية في العالم، وإن كان مشكوكاً به، لأعلى معدل إعداماتٍ بعد الصين (الأعلى إذا ما احتسب نصيب الفرد الواحد).
إن مجموع الجرائم التي تستوجب عقوبة الإعدام واسعة النطاق، فبغض النظر عن القتل هناك جرائم مثل “إهانة الرسول،” والمثلية الجنسية، والزنا، والردة، والجرائم المتصلة بالمخدرات، وهناك أيضاً تهم مُدرجة على القائمة ومستخدمة بشكلٍ متكرر وغير محددة مثل “محاربة الله ورسوله،” و”نشر الفساد على الأرض.” فالحكم بإعدام المدون سهيل العربي، والذي صدر في نوفمبر 2014 بتهمة “إهانة الرسول،” في منشورٍ على موقع فايسبوك مجرد أحد الأمثلة على ذلك. ووفقاً لتقريرٍ صادرٍ عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، يُعتقد تنفيذ 966 حكم إعدام، على الأقل، في إيران في العام 2015 (مقابل 750 في عام 2014)، على الرغم من تأكيد العديدين أن الرقم، على الأرجح، أعلى من ذلك بكثير. وقد تم تنفيذ هذه الإعدامات على الرغم من الإتفاق النووي مع طهران في يوليو 2015، والذي يأمل الكثيرون في الغرب أن من شأنه تمهيد الطريق نحو المزيد من إدماج إيران في المجتمع الغربي والتحسينات الممكنة في سجل حقوق الإنسان في البلاد.
وفي حين تؤكد السُلطات أن الإعدامات تنفذ بشكلٍ أساسي بالقضايا المتعلقة بالمخدرات، إذ تواجه إيران باستمرار، لمشاركتها حدودها مع أفغانستان، مهربين مسلحين على طول الحدود مع جارتها الشرقية. ومع ذلك، يُشير أحمد شهيد، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في إيران، إلى أنّ حتى الجنايات البسيطة، مثل حيازة 30 غراماً من الأمفيتامينات، قد تؤدي إلى الحكم بالإعدام. وبحسب ما ورد، ينتظر 1200 أفغاني تنفيذ حكمٍ بالإعدام، غالبيتهم بتهمٍ تتعلق بالمخدرات.
وسبق وصرّح محمد جواد لاريجاني الأمين العام للمجلس الأعلى لحقوق الإنسان في إيران، الهيئة المسؤولة عن تحديد ما إذا كانت حقوق الإنسان تعارض الشريعة الإسلامية، وبدعمٍ من شقيقيه الذي يشغل أحدهما منصب رئيس السُلطة القضائية، بينما الآخر رئيس البرلمان، علناً عدم وجود انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان في إيران. كما يدعي أيضاً أن الإسلام، كما تفسره السلطات الرسمية في إيران، يضم مجموعة مختلفة من الحقوق غير تلك المنصوص عليها في الغرب. فالحكومة الإيرانية، بما في ذلك مؤسسة لاريجاني، قد منعت مراراً وتكراراً أحمد شهيد وغيره من مسؤولي هيئات حقوق الإنسان في الأمم المتحدة من دخول ايران.
وعدا عن الزيادة الأخيرة في عدد عمليات الإعدام عن الجرائم المشار إليها أعلاه، فإن التدابير الوحشية التي تطبقها السلطة القضائية للجنح “الأقل” خطراً تُثير القلق أيضاً وفقاً لتقريرٍ صادرٍ عن الأمم المتحدة. فالجلد، وبتر الأطراف، والإعماء، والرجم (التي تم بعضها، أي حوالي 47 حالة إعدام في مكانٍ عام)، لا تزال جزءاً من نظام العقوبات المرفوض بشكلٍ متزايد، حتى من بعض كبار رجال الدين. فقد تمت الإشارة إلى خمس عمليات بتر للأطراف وثلاث عمليات إعماء في التقرير، على الرغم من أن الرقم الحقيقي قد يكون أعلى من ذلك بكثير. وبموجب قانون القصاص، يحق للمتضرر المطالبة بتنفيذ عقوبة “العين بالعين،” وهو الأمر الذي لا ترفضه السلطات القضائية. ففي إحدى الحالات على سبيل المثال، تم إزالة العين اليسرى وقطع الأذن اليمنى لأحد المدانين جراحياً لتلبية متطلبات قانون العقوبات.
وأشار التقرير أيضاً إلى أن محنة الأقليات الدينية لا تشهد تحسناً على ما يبدو، فلا يزال المجتمع البهائي، على وجه الخصوص، يواجه اضطهاداً مستمراً. فإيران لا تعترف بالبهائية كدين، وتعتبرها ثمرة الحكومات الأجنبية لأغراض سياسية. وفي ضوء ذلك، تُنتهك قُدسية المقابر البهائية، وفي العديد من المناسبات، يُحرم الأطفال البهائيون من التعليم العالي الحكومي. كما تنشر وسائل الإعلام المسيّرة من الحكومة ما يعتبره المجتمع البهائي معلوماتٍ كاذبة ومضللة عن دينهم. وتذكر التقارير وجود حوالي 80 من البهائيين يقبعون في السجون لمجرد انتمائهم الديني. وبالمثل، حكم على محمد علي طاهري، الرائد في مجال الطب التكميلي والذي يملك نزعةً صوفيه وله أتباع بأعدادٍ كبيرة، بالإعدام لتأسيسه ما تُسمه السلطات “عبادة التضليل.”
وعلاوة على ذلك، لا يتم التساهل مع النشاط السياسي فضلاً عن فرض الرقابة على الصحافة. وحتى يناير 2016، يُعتقد أن ما لا يقل عن 47 صحفي سياسي وناشط على وسائل التواصل الاجتماعي يقبعون في السجون. فقد حُكم على الشاعر مهدي موسوي، بالسجن 11 عاماً والجلد 99 جلدة بتهمة “إهانة المقدسات.” وبحجة توفير”الأمن المجتمعي،” أغلقت قوات الأمن في عام 2015 أكثر من 272 مقهى للانترنت، ويمكن أن تُعزى هذه الحملة، بشكلٍ جزئي على الأقل، إلى تصعيد القتال بين الفصائل المختلفة داخل إيران.
ويتطرق بندٌ آخر في التقرير إلى إعدام الأحداث. ففي العامين الماضيين، تم إعدام 16 فرداً على الأقل لجرائم ارتكبوها عندما كانوا دون سن الثامنة عشرة، بينما ينتظر 160 آخرون من القاصرين تنفيذ حكم الإعدام. كما يُشير التقرير أيضاً، بازدراءٍ، إلى زواج القاصرات، حيث يتم تزويج الفتيات بعمر الـ13 أو أقل في حال موافقة الأب. وعلاوة على ذلك، فإن انخفاض نسبه وجود النساء في مواقع صنع القرار يسلط الضوء على صراع الحكومة الإيرانية المستمر فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين. وفي هذا الخصوص، لم تمر حملة النساء الإيرانيات المتواصلة من أجل المساواة في الحقوق، على الرغم من العوائق الاجتماعية والسياسية، مرور الكرام. فقد عُرفت سيمين البهبهاني، الشاعرة الأكثر شهرة في إيران والتي وافتها المنية في عام 2014، بلقب اللبؤة لدفاعها المستميت عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان.
إن احترام حقوق الإنسان في إيران مرتبطٌ إلى حدٍ كبير بالمشهد السياسي المحلي. ومهما كانت نتيجة المكائد السياسية الإيرانية متعددة الأوجه، والمعقدة والخطيرة في أغلب الأحيان، إلا أنه لا بد أن تتربع مسألة حقوق الإنسان على رأس جدول الأعمال السياسي من أجل التغيير.