وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

إنتشار عمليات الخطف في ليبيا يُدمر الأسر

Libya- Retno Marsudi
وزيرة الخارجية الإندونيسية ريتنو مارسودي (يمين) تتحدث مع الرهائن الذين تم الإفراج عنهم مؤخراً (ثاني وثالث يمين) وعائلاتهم (يسار) في حفلٍ حكومي شهد التقاء مجموعة من الأسرى الذين عادوا مؤخراً من ليبيا مع عائلاتهم، في وزارة الخارجية في جاكرتا في 2 أبريل 2018. Photo AFP

منذ سقوط نظام معمر القذافي في عام 2011، أرهبت الميليشيات المدنيين باختطاف المنشقين لأسباب أيديولوجية أو للحصول على فدية. فقد تم استهداف السياسيين ورجال الأعمال والناشطين، وبمجرد أختطافهم، تتلاشى فرصة عودة غالبيتهم.

ويشتبه أن الشيخ مالك الفاسي، وهو عالم صوفي شاب اختفى في 27 يناير 2012 في مدينة مسلاتة الغربية، كان من أوائل الأشخاص الذين تعرضوا للاختطاف. ويعتقد السكان أنه اختُطف بسبب تحديه للآراء غير المتسامحة لبعض المتطرفين الإسلاميين في المدينة. ورغم أن والده كان يتوسل إلى الميليشيات المدعومة من الحكومة للتحقيق في مكان وجود ابنه، إلا أن أحداً لم يساعده.

وقال إدريس الفاسي، والد مالك، لموقع المونيتور، “خلال السنوات الست الماضية، ذهبت إلى السلطات الليبية لطلب المساعدة للحصول على معلوماتٍ حول ابني، لكن لم يفعل أحدٌ أي شيء.”

وكحال إدريس، يعتمد معظم الليبيين على وسائلهم الخاصة لتعقب أحبائهم. فقد قالت لينا (وهذا ليس اسمها الحقيقي) لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن عائلتها وضعت لائحة بأسماء أشخاص قد يكونوا قادرين على مساعدتهم في العثور على والدها. فقد قالت ” ليس لديك مؤسسات يمكنك اللجوء إليها لحماية وخدمة المواطنين. لذلك، يصبح الواقع هو أن على المواطنين معالجة الأمور بأيديهم.”

العدد الإجمالي للأشخاص المفقودين في ليبيا غير معروف، على الرغم من أنه يُعتقد أن الرقم ارتفع بعد سقوط البلاد في حربٍ أهلية ثانية في عام 2014. فقد كان الاقتصاد في حالة تدهورٍ حاد في ذلك العام، مما غذّى أعمال الخطف للحصول على فدية. ووثقت جمعية الهلال الأحمر الليبي اختفاء أكثر من 600 شخص بين فبراير 2014 وأبريل 2015.

وتعتبر المنطقة الغربية لورشفانة سيئة السمعة على وجه الخصوص فيما يتعلق بعمليات الاختطاف. فقد كتب أحد المحليين ساخراً أنه إذا ما قامت عصابات ورشفانة بإيداع أموال الفدية في البنوك الليبية، فسيتم حل أزمة السيولة في البلاد.

كما أن الخطف متفشٍ في طرابلس العاصمة، ووفقاً لوزارة داخلية حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة، تم اختطاف ما لا يقل عن 189 شخصاً في مارس 2017، بينما تم اختطاف 68 شخصاً في الشهر التالي، أبريل.

كما أن شرق البلاد، الذي يسيطر عليه في الغالب الجيش الوطني الليبي، ليس أكثر أمناً. ففي مدينة أجدابيا، جرت 121 عملية اختطاف في مارس 2017 وحده. ويعتقد أيضاً أن الخطف متفشٍ في بنغازي، رغم أن الأرقام الدقيقة غير معروفة.

وقالت الجمعية الليبية للديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي منظمة شعبية تأسست في فبراير 2018، للمونيتور أنها أيضاً تعمل على جمع قاعدة بيانات لتوثيق المفقودين. ولا يزال السجل في مراحله المبكرة، ولكن بحلول نهاية مارس، قامت المجموعة بإحصاء فقدان 60 شخصاً.

وكان أبناء رياض الشرشاري من بينهم. ففي 2 سبتمبر 2015، تم اختطاف ابنته وابنيه، وهم ذهب وعبد الحميد ومحمد، في صرمان، وهي بلدة تقع على بعد 60 كيلومتراً غرب طرابلس.

وبعد يومٍ من اختطاف الأطفال من والدتهم، اتصل الخاطفون بالشرشاري للمطالبة بفدية قدرها 20 مليون دينار، أي ما يعادل أكثر من مليوني دولار في السوق السوداء. ولكن عندما طلب رياض الشرشاري التحدث إلى أطفاله، أنهى المسلحون المكالمة ولم يعاود أحدٌ الإتصال.

Libya- kidnapping in Libya
المسؤولون التونسيون المختطفون من قبل المليشيات المسلحة في القنصلية التونسية في العاصمة الليبية طرابلس عند وصولهم إلى مطار العوينة العسكري في تونس العاصمة في 19 يونيو 2015، بعد احتجازهم لمدة أسبوع. Photo AFP

وخلال العامين والنصف التاليين، قامت عائلة الشرشاري بممارسة الضغط على السلطات لمساعدتها في تعقب الخاطفين. وأخيراً وجدت ميليشيات مكافحة الجريمة المتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني العصابة المسؤولة عن العملية في 15 مارس 2018.

وقتل أربعة من الخاطفين الخمسة في ذلك اليوم، بينما تم نقل الناجي الوحيد إلى المستشفى حيث دخل في غيبوبة. وعندما استيقظ في 7 أبريل، سرعان ما كشف عن مكان وجود الأطفال. وبمجرد وصول عمال الإنقاذ إلى المكان، كان كل ما عثروا عليه هو جثث الأطفال المتحللة. وتعتقد السلطات أن الأطفال قُتلوا قبل أشهر. كانت ذهب في الحادية عشرة من عمرها، وعبد الحميد في الثامنة من عمره وكان محمد في السادسة عند اختطافهم.

وكتبت أساور الشرشاري، شقيقة الأطفال الكبرى على الفيسبوك “[على مدى العامين الماضيين] توقفت كتاباتي وتخيلاتي وآمالي عند الألم والحزن والخسارة.” وأضافت “وفي النهاية، كان [مصير أشقائي] الموت.”

كما تم اختطاف الأجانب وقتلهم في ليبيا. ففي نوفمبر 2015، تم اختطاف السفير الصربي وزميله الدبلوماسي عندما أوقفت مجموعة مسلحة قافلتهم. وفي وقتٍ لاحق قتل الاثنان في غارة جوية أمريكية قال مسؤولون انها كانت تهدف الى ضرب معسكر تدريبٍ تابع لتنظيم الدولة الاسلامية.

بعد ذلك بعامين، في 3 نوفمبر 2017، اختُطف ثلاثة أتراك وجنوب إفريقي في جنوب غرب ليبيا. تم الإمساك بهم وهم في طريقهم إلى موقع بناءٍ حيث كانوا يقومون ببناء محطة للطاقة. وحتى الآن، لا يزال مصيرهم غير معروف.

وفي حين تصدر اختطاف الأجانب في ليبيا عناوين الصحف، إلا أن مواطني الدول الواقعة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى هم الأكثر عرضة للخطر. يفر معظمهم من الاضطهاد والحرب والمجاعة، مما يدفعهم إلى الاعتماد على العصابات الإجرامية لنقلهم إلى أوروبا. ومع ذلك، منذ أن بدأت أوروبا في التعاقد مع الميليشيات الليبية لاعتراض القوارب في البحر في فبراير 2017، لجأ المهربون إلى خطف المهاجرين للحصول على ربح بدلاً من ذلك.

وقال جلال حرشاوي، المرشح لنيل شهادة الدكتوارة من جامعة باريس 8 والمعلق المختص بالشأن الليبي، لنا في فَنَك أن مدينة بني وليد المؤيدة للقذافي، إلى الجنوب الشرقي من طرابلس، معروفة باختطاف المهاجرين. فبعد تهميشها من قبل الثورة في عام 2011، أهملت جميع السلطات المتنافسة سكان المدينة، مما منحهم حافزاً إضافياً للاستفادة من الفوضى.

وقال رجلٌ من إقليم دارفور السوداني الغربي، يدعى مولتزم، لفَنك إن أخاه تعرض للاختطاف على يد عصابة إجرامية في بني وليد، حيث وصل أسرة مولتزم بعد ذلك شريط فيديو يُظهر مسلحين يقفون فوق شقيقه ويقومون بإذابة البلاستيك على جسده. “لا يمكننا تحمل دفع أي أموال،” قال مولتزم لفَنَك في فبراير، دون الكشف عن حجم الفدية.

وبعد أسابيع، علم مولتزم أن شقيقه قد هرب ولكن لم يخبره أحدٌ كيف. ومع ذلك، لا يزال وضعه غير مستقر. فمع وجود ميليشياتٍ تحكم ليبيا، لا يوجد لدى شقيق مولتزم مكانٌ يذهب إليه ولا أماكن للاختباء، مما يعرضه لخطر الاختطاف مرةً أخرى.

“إن مفهوم الخطف شائع جدا في ليبيا” ، قال حرشاوي لفنك، وأضاف “ترى الميليشيات أنها طريقة جيدة للقيام بالأعمال التجارية.”