في آخر تطورات الحرب الأهلية التي طال أمدها في ليبيا، أدى إتفاقٌ تم التوصل إليه في أكتوبر 2017 بين المجلس الرئاسي المدعوم من الأمم المتحدة في طرابلس والميليشيات في مدينة صبراتة الساحلية لوقف تدفق المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط، إلى تجدد القتال مما أسفر عن مقتل العشرات. ووفقاً لبعض التقارير، حظيّ الإتفاق بدعمٍ مباشرٍ من إيطاليا، حيث يدخل غالبية المهاجرين إلى أوروبا، إلا أن مسؤولين إيطاليين نفوا ذلك.
وبغض النظر عن من شارك في الإتفاق، إلا أنه يبدو أنه أشعل مواجهاتٍ بين عناصر ميليشيا العمو واللواء 48، التابع لقوات حكومة الوفاق الوطني وميليشيات محلية أخرى، بعد أن اعترضت ميليشيا العمو متاجرين بالبشر على صلةٍ بالفصيل المنافس، سرية شهداء الوادي.
العمو، الذي عُرف سابقاً بتهريب المهاجرين إلى أوروبا، وافق على وقف القوارب الصغيرة التي تغادر صبراتة مقابل الشرعية السياسية، وتوظيف عناصره في الشرطة والجيش.
وقال رئيس مجلس صبراتة العسكري للعربي الجديد، وهي قناة إعلامية عربية، إن “هذه حرب بدأت بين المتاجرين بالبشر، ثم تضخمت إلى حربٍ أيديولوجية وسياسية.”
وقال رئيس مؤسسات المجتمع المدني في صبراتة إن 93 شخصاً قتلوا في الاقتتال الدائر، في حين قال زعيم الفصيل المنتصر إن القتال أسفر عن مقتل 17 شخصاً وجرح 164. وقالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إن خمسة على الأقل من الذين لقوا مصرعهم كانوا من المدنيين، إلا أنه لم يتم ذكر عدد المقاتلين الذين لقوا مصرعهم. كما هددت الاشتباكات آثار صبراتة الرومانية، التي تعدّ أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو.
وبعد ثلاثة أسابيع من العنف، أعلنت ميليشيات تعرف باسم غرفة العمليات المناهضة لداعش – من الفصيل الذي يقاتل ضد العمو – انتصارها وسيطرتها على محطة مليتة للنفط والغاز.
فعلى أقل تقدير، يرتبط طرفا النزاع بالحكومة التي تدعمها الأمم المتحدة في طرابلس، إلا أن القائد العسكري المثير للجدل الجنرال خليفة حفتر، المرتبط بالبرلمان الذي يتخذ من شرق ليبيا مقراً له ويرفض المجلس الرئاسي، عبّر عن تأييده لغرفة العمليات المناهضة لداعش، في حين نفت الجماعة العمل معه.
ويبدو أن حملة قمع المهاجرين أتت ثمارها، على المدى القصير على الأقل. فوفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، وصل نحو 140 ألف مهاجر إلى إيطاليا عبر البحر المتوسط حتى الآن في عام 2017، مقارنة بـ334,500 مهاجر في نفس الفترة في 2016؛ حيث لقي 2700 شخص مصرعهم أثناء محاولتهم العبور إلى أوروبا هذا العام، مقارنة مع حوالي 4000 شخص في نفس الفترة في 2016.
غير أن ذلك قد يرجع جزئياً إلى سجن المليشيات للمهاجرين في ليبيا، في ظروف سيئة غالباً. وبعد أن هدأ القتال في صبراتة، أعلنت غرفة العمليات المناهضة لداعش عثورها على أكثر من 4 آلاف مهاجر محتجزين في مخيماتٍ في المدينة، حيث اتهمت العمو “بتخزين” المهاجرين لنقلهم في وقتٍ لاحق.
وعلى صعيدٍ متصل، تعتبر الميليشيات جزءاً من المشهد السياسي المعقد في ليبيا، الذي تتنافس فيه ثلاث حكومات على السلطة، ألا وهي المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني المدعوم من الأمم المتحدة في طرابلس والبرلمانات المتنافسة في طرابلس وطبرق. وفي الوقت نفسه، ينشط خليطٌ من الميليشيات في جميع أنحاء البلاد، إذ يتحالف بعضها مع مختلف الفصائل السياسية، بينما يعمل بعضها الآخر في ظل الفراغ في السلطة.
وعليه، تمكنت جماعاتٌ متطرفة مثل تنظيم الدولة “داعش” من الإزدهار أيضاً في ظل الفراغ في السلطة. فقد استولى تنظيم الدولة على مدينة سرت الساحلية في مارس 2015 إلا أنه طرد منها في ديسمبر 2016 بعد حملةٍ عسكرية قامت بها جماعاتٌ متحالفة مع المجلس الرئاسي ومدعومة بضرباتٍ جوية أمريكية. ومنذ ذلك الحين، اقتصر وجود التنظيم على المناطق الصحراوية في الجنوب وبعض الخلايا المنتشرة في جميع أنحاء البلاد.
وفي 25 سبتمبر 2017، قامت الولايات المتحدة، بالتنسيق مع حكومة الوفاق الوطني، بتنفيذ ست غاراتٍ جوية على معسكر صحراوي لتنظيم الدولة، مما أسفر عن مقتل 17 مسلحاً وفقاً لمسؤولين أمريكيين. وذكرت القيادة الأمريكية في إفريقيا في بيان لها أن “الإرهابيين سعوا إلى توفير الملاذ الآمن وحرية التنقل في ليبيا لشن هجماتٍ إرهابية خارجية في البلدان المجاورة، فيما إرتبط الناشطون فيهما بهجمات متعددة في أوروبا.” وأضاف البيان “أحرزت ليبيا تقدماً كبيراً ضد تنظيم “داعش” وتمكنت من إزاحة مقاتليه من مدينة سرت خلال 2016 فيما حاول الإرهابيون الإستفادة من حالة عدم الإستقرار السياسي لخلق ملاذات آمنة لهم في أجزاء من البلاد.”
وفي تقريرٍ عن انتشار الجماعات السلفية الجهادية في ليبيا، لاحظت ليديا سيزر من معهد الشرق الأوسط أنه حتى عندما كانت هناك حكومة واحدة في ليبيا من 2011 إلى 2014، “كانت ضعيفةً جداً لمواجهة التهديدات من هذه الجماعات. ومنذ الأزمة السياسية التي بدأت في أواخر عام 2013، التي تسارعت لتتحول إلى اضطراباتٍ مدنية في الفترة 2014-2015، انشغلت العديد من الحكومات الموازية بالقتال فيما بينها بدلاً من توحيد جهودها ضد التهديدات المشتركة من الحركات [الجهادية السلفية].”
كما استقطب القتال أيضاً أطرافاً خارجية، ففي سبتمبر 2017، اتهمت جماعات حقوق الإنسان الليبية الإمارات العربية المتحدة بارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك قتل مئات المدنيين، من خلال الغارات الجوية ودعمها للجنرال حفتر. وتضمنت الاتهامات التي قُدمت في مؤتمرٍ حول حقوق الإنسان الذي عُقد في جنيف بسويسرا، روايات شهود عيان عن “عمليات الإعدام خارج إطار القانون، والتجويع القسري والتشريد، الذي تعرضوا له بأنفسهم أو أحد أفراد أسرهم، على يد مسلحي قوات حفتر في درنة وقنفودة في مقاطعات شرق ليبيا.” وفقاً لقناة الجزيرة.