شهدت الأشهر القليلة الأولى من عام 2019 ارتفاعاً كبيراً في عدد الفتيات اللواتي هربنّ من عائلاتٍ مسيئة وقوانين تقييدية في المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، فإن إختفاء المواطنين في المملكة ليس بالأمر الغريب: النساء ونشطاء حقوق الإنسان وأولئك الذين يبحثون عن حياةٍ خالية من الاضطهاد السياسي والديني والأخلاقي يغادرون البلاد بانتظام.
فقد تضاعف عدد طالبي اللجوء السعوديين ثلاث مراتٍ بين عامي 2012 و2017، وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إذ تشكل الفتيات ما نسبته 96% من الفارين من البلاد. كما أظهرت الدراسة التي أجريت في منطقة مكة أن الأسباب للهروب تتمثل في الآتي: إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والأصدقاء السيئين، وسوء فهم الحرية، وتقليد الثقافات الأخرى، وضعف الإيمان، وانعدام الأمن العاطفي، والحاجة إلى المغامرة، والمعاملة السيئة من قبل الزوج، وعدم التواصل مع أفراد الأسرة، والإساءة اللفظية، والفقر، والإفتقار إلى مراقبة الوالدين، والعنف من أحد الوالدين أو الأشقاء الذكور.
فقد أشعلت قضية رهف محمد القنون البالغة من العمر 18 عاماً الجدل الدائر حول الحقوق والحريات في المملكة، في أعقاب مقتل الصحفي جمال خاشقجي في عام 2018. جذبت رهف انتباه العالم عندما أغلقت على نفسها أبواب غرفة أحد فنادق بانكوك في يناير 2019. وكانت رهف قد وصلت إلى المطار الرئيسي في العاصمة التايلاندية على متن رحلةٍ قادمة من الكويت بعد فرارها من عائلتها، التي قالت إنها عرضتها للإيذاء البدني والنفسي.
وعليه، كانت تعتزم طلب اللجوء في أستراليا، خشية أن تُقتل إذا ما أعادها موظفو الهجرة التايلانديون الذين أوقفوها في المطار. نالت مناشداتها العاجلة للحصول على مساعدة عبر تويتر من غرفتها بالفندق عشرات الآلاف من المتابعين ودعم المفوضية، مما ساعدها في الحصول على حق اللجوء في كندا.
تتناقض محاولتها الناجحة بشكلٍ كبير مع محاولة دينا علي السلوم، التي أوقفت في عام 2017 وهي في طريقها إلى أستراليا، حيث خططت لطلب اللجوء. أجبرت دينا على العودة إلى المملكة العربية السعودية، ولم يسمع عنها قط، وفقاً لنشطاء يتعقبون مكان تواجدها.
وفي أكتوبر 2018، جُرفت جثتي شقيقتين سعوديتين نحو الواجهة البحرية في مدينة نيويورك. فقد هربت كل من تالا الفارع، 16 عاماً، وروتانا الفارع، 23 عاماً، من منزلهما في فيرفاكس بولاية فرجينيا قبل أن يتم وضعهما في ملجأ وسط مزاعم بتعرضهنّ للإساءة في المنزل. توجهت الشقيقتان إلى مدينة نيويورك، حيث أقامتا في فنادق راقية قبل أن تتجاوزوا الحد الأقصى لبطاقة ائتمان الأخت الكبرى. وفي هذا الصدد، قال رئيس الشرطة في مدينة نيويورك، ديرموت شيا، إن الأشخاص الذين عرفوا الأختين في فرجينيا أخبروا المحققين بأنهن أدلينّ بتصريحاتٍ خلال العام الماضي مشيرتان إلى “أنهن يفضلن إلحاق الأذى بأنفسهم – الانتحار- على العودة إلى السعودية.”
من الجدير بالذكر أن النساء في المملكة العربية السعودية يخضعنّ لنظام الوصاية الذكورية، الذي يمنح الأب أو الأخ أو الزوج أو الابن سلطة اتخاذ القرارات الحاسمة نيابة عن المرأة. فعلى سبيل المثال، يُطلب من المرأة السعودية الحصول على موافقة أحد أقربائها الذكور للتقدم بطلب للحصول على جواز سفر أو السفر خارج البلاد أو الدراسة في الخارج بمنحة حكومية أو الزواج أو مغادرة السجن أو حتى الخروج من مأوى لضحايا سوء المعاملة.
وقال خالد إبراهيم، المدير المشارك لمركز الخليج لحقوق الإنسان، لفَنَك: “علاوةً على ذلك، هناك الكثير من العنف الأسري.” وأضاف “يمكن أن تتعرض الفتيات للضرب لأسباب سخيفة، مثل عدم تحضير إفطار لشقيقهن، على سبيل المثال، وإجبارهن على الزواج من رجال إما يكرهونهم أو لا يعرفونهم في الأساس! تمنح بعض العائلات بناتها حرية أكثر قليلاً، لكن ما بين النظام القانوني والإرهاب في المنزل، لا عجب في رغبتهنّ الفرار. لديهنّ أيضاً وصول جيد إلى وسائل التواصل الاجتماعي ويرون كيف تعيش النساء في أماكن أخرى، وكيف يتمتعون بحرية اختيار من يحببنّ. من المغري الحصول على هذا أيضاً. وفي الوقت نفسه، يؤدي الوضع غالباً إلى إصابتهنّ بالاكتئاب وتراودهنّ الأفكار الانتحارية. يموت البعض منهنّ، والبعض الآخر يقبل مصيره، بينما تفر أخريات.”
ووفقًا لإبراهيم، فإن الارتفاع الأخير في عدد الفتيات الهاربات له علاقة أيضاً بالاضطهاد المتزايد لنشطاء حقوق الإنسان والمرأة منذ أن أصبح ولي العهد محمد بن سلمان قائداً فعلياً للمملكة في يونيو 2017. يريد محمد بن سلمان أن يظهر كملكٍ عصري داعم للإصلاح، إذ قام على سبيل المثال برفع الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارات في يونيو 2018. لكن على أرض الواقع، هناك حملة قمعٍ على نشطاء الحقوق ونقاد النظام.
ففي الفترة ما بين مايو وسبتمبر 2018، انتهى الأمر بالناشطين في مجال حقوق المرأة، بمن فيهم أولئك الذين كانوا من أشد الداعمين لرفع حظر القيادة عن النساء، خلف القضبان متهمين بعددٍ من الجرائم، بما في ذلك “الاتصالات المشبوهة مع الكيانات الأجنبية” و”تقديم الدعم المالي للأعداء في الخارج.” كما عانى نشطاء حقوقيون ومحامون وعلماء آخرون مصيراً مماثلاً ويواجهون سنواتٍ في السجن.
ويُشير هذا، إلى جانب إغتيال الناقد الصحفي جمال خاشقجي في تركيا في 22 أكتوبر 2018، وذلك بحسب ما يُقال وفقاً لأوامر من محمد بن سلمان، إلى أن المزيد من الحريات والحقوق في المملكة العربية السعودية، إن وجدت، باتت في مهب الريح.
وبحسب ما قالته إينا تين، كبيرة المستشارين السياسيين لمنظمة العفو الدولية لنا في فَنَك: “لا تدهشني هذه الزيادة في أعداد الفارين.” وتابعت القول “حتى وإن كان هناك إصلاحات من أجل التغيير الاجتماعي، فهناك تصاعدٌ في الاضطهاد ضد كل من يجرؤ على التحدث. هناك مفارقة واضحة للغاية بين تخفيف [القوانين] في بعض النواحي وتزايد الاضطهاد. قراءتي هي أن محمد بن سلمان خائفٌ حقاً من أي إشاراتٍ على المعارضة، لذلك يضطهد أي شخصٍ يطلب الحرية. فقد أصبحت البلاد أكثر استهدافاً لنشاط المرأة في الوقت الحالي ذلك أن هذه هي القضية الأكثر صخباً، ويخشى أن تحذو حذوها مجموعاتٌ أخرى، مثل الرجال الذين يريدون حقوقاً سياسية عامة على سبيل المثال. يخلق هذا مناخاً من الخوف يمتد إلى خارج البلاد، حيث أني على تواصلٍ مع نشطاء حقوق الإنسان السعوديين في المنفى الذين يخشون على سلامتهم وسلامة أسرهم، وخاصة أقاربهم الذين لا زالوا يتواجدون [داخل البلاد].”
وعليه، يتمثل رد المملكة العربية السعودية في إرسال أجهزة مخابراتها للعثور على الفارين وإعادتهم إلى الوطن، حيث يتعرضون لخطر السجن أو التعذيب أو الاختفاء، مما قد يعني الموت.
وبحسب ما قاله إبراهيم لفَنَك: “السلطات السعودية تعلم أن هناك مشكلة مزمنة وأنه بدون احترام الحريات العامة لن يكون هناك إبداعٌ أو مستقبلٌ مزدهر للناس.” وتابع القول، “لكن بدلاً من تبني الإصلاحات التي تمس الحاجة إليها، يضعون كل صوتٍ مسالم خلف القضبان، مثل القيادات النسائية لحملة رفع الحظر عن القيادة، التي تظهر رد الفعل الوحشي من جانب السلطات على الحاجة إلى الإصلاحات في المجتمع.”
ما لم تتمكن المملكة العربية السعودية من إيجاد طريقة للتعامل مع ما تعتبره انشقاقاً، فمن المحتمل أن تشهد ارتفاعاً متصاعداً في أعداد الأشخاص الذين يحاولون الفرار. كيف تخطط البلاد للتطور بينما يواصل سكانها الإختفاء هو لغزٌ لا يزال يتعين عليها حله.