أعلنت قطر، في 16 أكتوبر 2019، عن جملة إصلاحاتٍ من شأنها وضع حد لنظام “الكفالة،” الذي يُنحى عليه باللائمة في إدامة ممارسات العمل التعسفية والاستغلالية. والسؤال المطروح هنا هل هذه التدابير مجرد تشدقِ بالكلمات أم تقدم حقيقي، وهو السؤال الذي أثير في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط حيث يسود نظام الكفالة.
الكفالة هي النظام الذي يتم من خلاله منح العمال المهاجرين تأشيرةً للعمل في عدد من دول الخليج بما فيها قطر، والذي يربط العمال بأرباب العمل الذين يكفلونهم، إذ يتوجب على العمال الحصول على إذنٍ من أرباب العمل لمغادرة البلاد أو تغيير وظائفهم؛ وهو نظامٌ يعكس الممارسات المسيئة والاستغلالية مثل حجب الأجور أو مصادرة جوازات السفر.
فقد أعلنت منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة إلغاء العمل بالكفالة في قطر، الأمر الذي أكده رئيس الوزراء عبد الله بن ناصر بن خليفة آل الثاني، إلى جانب عددٍ من الإصلاحات الأخرى التي وعد بها.
وبعد فوز قطر بفرصة استضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2020، باتت ممارسات العمل في البلاد تحت المجهر، مما دفع الدولة العربية إلى العمل بشكلٍ وثيق مع منظمة العمل الدولية من أجل الإصلاح. وإلى جانب إلغاء نظام الكفالة، تم أيضاً استحداث حدٍ أدنى غير تمييزي للأجور، والذي يعدّ الأول من نوعه في الشرق الأوسط.
ولأول مرة، أعلنت قطر إلغاء الحاجة إلى تصاريح خروج للعمال الوافدين غير المنزليين العام الماضي، بالإضافة إلى مطلب الحصول على شهادة عدم الممانعة (إذ كان يتعين على العمال الحصول على إذن صاحب العمل قبل تغيير وظائفهم) طالما أتموا مدة عقدهم أو خدموا لخمس سنوات في حال لم يكن هناك مدة محددة للعقد.
وقال ستيفن كوكبيرن، نائب مدير برنامج القضايا العالمية في منظمة العفو الدولية، “لطالما طالبنا بإنهاء نظام الكفالة المسيء في قطر، وستشكل خطوة مهمة إذا سمحت هذه الإجراءات للعمال في النهاية بالعودة إلى ديارهم أو تغيير وظائفهم دون قيود.” وشدد “لكن ستكمُن الصعوبة في التفاصيل.”
وأضاف “في كثير من الأحيان، استمر العمال في مواجهة الاستغلال، والمعاملة السيئة، على الرغم من الإصلاحات التي تهدف إلى حمايتهم. ونأمل أن تكون هذه المرة مختلفة، وأن تتمكن قطر بالفعل من تحويل قوانين العمل الخاصة بها إلى قوانين تحترم حقوق العمال الأجانب بشكل كامل.” ويجب أن يعني هذا أيضاً تنفيذ قوانين العمل بشكل أكثر صرامة، ومحاسبة أصحاب العمل المسيئين.
وبحسب منظمة العمل الدولية، وافق مجلس الوزراء القطري الحاكم على الإصلاحات الأخيرة بالإجماع، وتتمثل الخطوات التالية برفعها إلى المجلس الاستشاري والحصول على موافقة رسمية من الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وهو أمرٌ متوقع بحلول يناير 2020.
ومن الجدير بالذكر أن حوالي 2 مليون مهاجر، معظمهم من شبه القارة الهندية، يعملون في قطر كعمالة منخفضة الأجر في صناعات تتراوح ما بين البناء إلى الخدمة المنزلية.
فقد كشف تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في سبتمبر الماضي عن الأوضاع غير المستقرة التي يواجهها العديد من هؤلاء العمال ومعاناتهم من أجل الحصول على العدالة على الرغم من محاولات الإصلاح.
ففي حين يجني نظام الكفالة أموالاً طائلة من وكالات التوظيف، إلا أن ساعات العمل الطويلة والرواتب القليلة والعيش في ظروفٍ معيشية دون المستوى يخنق قدرة العمال على إنتشال أنفسهم من الاستغلال من خلال القيود المفروضة بسبب النظام. وعلاوةً على ذلك، لم يكن هناك آلية قانونية لمحاسبة أرباب العمل المسيئين.
حاولت الاصلاحات السابقة تصحيح هذا المسار، ففي مارس 2018، تم تطبيق نظامٍ جديد بإنشاء لجانٍ لتسوية النزاعات العمالية لتحل محل محاكم العمل غير الفعالة سابقاً، والتي بموجبها سيتم إصدار حكم في غضون ستة أسابيع من تقديم الشكوى بحيث يمكن تنفيذ وسائل الانتصاف، مثل دفع الأجور المتأخرة، بسرعةٍ أكبر. وعليه، نجحت هذه التحسينات بالنسبة للبعض ولكن ليس للجميع، وقد أبرز تقرير منظمة العفو الدولية مئات الحالات التي لا تزال تبحث عن العدالة.
فعلى سبيل المثال، فاز العامل النيبالي ديباك في القضية من خلال اللجان الجديدة لكنه لم يتلق بعد تعويضاً وذلك بعد عامٍ من صدور الحكم لصالحه.
وهناك قضية أخرى تتعلق بالعاملة الكينية داليا التي رفعت شكوى ضد شركة يونايتد كليننغ سيئة السمعة، والتي أسفرت عن استردادها نصف مستحقاتها فحسب بعد معركة قانونية طويلة، التي قالت للباحثين إنه تعيّن عليها قبول العرض لأننا “بحاجة للمال لشراء وظائفنا الجديدة،” في إشارة إلى رسوم التوظيف المرتفعة التي يدفعها العمال.
كما تؤثر الحواجز اللغوية وتكاليف السفر والافتقار إلى التمثيل القانوني ضمن الإمكانيات على اللجوء القانوني الفعال. وفي حال لم تشارك الشركات في الإجراءات القانونية، فهناك القليل من التدابير المتاحة لمعاقبتهم، كما لا تدعم معظم السفارات، وفقاً لمنظمة العفو الدولية، العمال الذين يتابعون دعاوى بعد عودتهم إلى ديارهم. ومع ذلك، في الأصل، هناك الكثير من الحالات التي يجب على اللجان التعامل معها في ظل عدم كفاية القضاة.
من جهتها، تقول منظمة حقوق المهاجرين، وهي منظمة للدفاع تركز على دول مجلس التعاون الخليجي، إنه أثناء انتظارهم تفاصيل نظام الكفالة، برزت العديد من الأسئلة.
فبموجب القوانين الجديدة، إذا ما انتقل العامل إلى صاحب عمل جديد خلال الفترة التجريبية، يجب على صاحب العمل الجديد أن يتحمل رسوم التوظيف الأولية. لكن فعالياً هنا يكمن السؤال في ما إذا كان سيتم الكشف عن رسوم التوظيف هذه بشفافية، وتحذر المنظمة من أن ممارسة التجارة غير القانونية للتأشيرة يمكن أن يتم هنا بتحميل التكاليف على العامل.
ولا يزال يتعين تقديم المزيد من التفاصيل حول عدم التمييز أو الحد الأدنى للأجور، ومدة الفترة التجريبية وما هي الخطوات الملموسة التي سيتم اتخاذها لتمكين العمال من تجديد تصاريح الإقامة الخاصة بهم، وتجنب الوقوع في وضع غير قانوني ليصبح العامل مسؤولاً عن الغرامات في حالة انتهت صلاحية التأشيرة.
في مقابلة مع فَنَك، قالت متحدث باسم المنظمة، “ظروف عمل المهاجرين تتجاوز نظام الكفالة،” وهناك حاجة إلى إدخال تحسينات على نظام حماية الأجور، حتى لا تمضي شهور دون حصول العمال على أجورهم.
وأضافت: “يبدو أن الإصلاحات الجديدة تشمل عاملات المنازل، لكنهم لا يزالون غير مشمولين بقانون العمل، في حين لا يوفر قانون عاملات المنازل حماية مماثلة ولا يتم تطبيقه بشكل جيد.”
في الوقت الذي تعمل فيه قطر ومنظمة العمل الدولية على وضع لوائح أفضل، نصحت المتحدثة بعدم وصف الإعلان الجديد بالخطوة المتقدمة.
وقالت: “نحتاج إلى تقييم كيف يتم تطبيق هذه الإصلاحات بالفعل، وكيف تؤثر في نهاية المطاف على العمال المهاجرين،” مشيرة إلى الفجوة بين ما يتم الإعلان عنه وما يواجهه العمال بالفعل وأن البلاد بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد من أجل الامتثال للقانون الدولي.
ومن الجدير بالذكر أن نظام الكفالة لا يزال قائماً في العديد من دول الشرق الأوسط الأخرى، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة والبحرين وعُمان والأردن ولبنان. ووفقاً لبيان حقائق صادر عن منظمة حقوق المهاجرين، فإن العديد من هذه الدول لا تحظر فرض رسوم على التوظيف أو مصادرة جوازات السفر.
وبالفعل، وعدت بعض هذه الدول بإلغاء النظام، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، التي أعلنت في مايو الماضي أنها ستوقف التعامل بنظام الكفالة. ومع ذلك، كانت مملكة البحرين أول دولة تعلن أنيتها إلغاء النظام منذ عام 2009.
ومع ذلك، بالنسبة للبحرين، كانت عملية إلغاء النظام بالكامل مطولة منذ سن قانون تغيير العمل عام 2009، مما يسمح للعمال المهاجرين بالانتقال إلى أرباب عملٍ آخرين دون إذن الكفيل في حال نص عقدهم على فترة إخطار لا تتعدى الثلاثة أشهر. كما يمكن للعمال البقاء في البلاد بشكل قانوني لمدة شهر واحد للبحث عن عمل. ومع ذلك، فقد تم تقويض هذا في عام 2011 بموجب القانون رقم 15 الذي يشترط على العمال البقاء مع أرباب عملهم لمدة عام واحد قبل تغيير وظائفهم، وبالتالي فإن الغلبة لنظام الكفالة.
وفي عام 2016، أعلنت البحرين عن تصريحٍ جديد يسمى بالتصريح المرن الذي يسمح للعامل بأن يكون كفيل نفسه، ولكن هذا ينطبق فحسب على العمال الذين انتهت صلاحية تأشيراتهم، وبالتالي يستثني العديد من العمال المستضعفين.
أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية، وبحسب منظمة حقوق المهاجرين، لم تتخذ حتى الآن أي خطواتٍ ذات مغزى. وعلى الرغم من وجود خيارات الكفالة الذاتية في كلٍ من البحرين والمملكة العربية السعودية اليوم، إلا أن هذه الخيارات متاحة فقط للمستثمرين من ذوي الدخل المرتفع، وبالتالي، ووفقاً للمنظمة، ستكون المملكة العربية السعودية آخر الدول الخليجية التي تطالب بتأشيرة خروج في حال مررت قطر الاصلاحات المقترحة.
وفي هذا الصدد، قالت المتحدثة باسم المنظمة، “في جميع أرجاء المنطقة، نرى الكثير من العبث بقوانين العمل والهجرة، التي كان بعضها غاية في الأهمية، بيد أنه لم تبذل جهودٌ حقيقية لإصلاح النظام بشكلٍ عام.”