وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

النقاش المحتدم: هل ينبغي على الدول السماح بعودة مقاتلي داعش؟

Specials- IS fighters
المتهمان أيوب. ب (يمين) وإبراهيم الحاج. ب يغطيان وجوههما في المحكمة بوسط ألمانيا، قبل الإعلان عن الحكم، في 7 ديسمبر 2015. يُتهم المقاتلان السابقان في داعش اللذان عادا من سوريا بانضمامهما إلى جماعةٍ إرهابية. Photo AFP

بات مئات المقاتلين الأجانب من الدولة الإسلامية المعلنة ذاتياً، بالإضافة إلى زوجاتهم وأطفالهم، منذ مارس 2019 رهن الاحتجاز من قِبل قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد، في سوريا. وعلاوةً على ذلك، بات غالبيتهم في مأزقٍ قانوني، ذلك أن البلدان التي هاجروا منها ترفض استقبالهم، مما يضع عبئاً غير مسبوق على قوات سوريا الديمقراطية.

فقد دعا الرئيس المشارك في مكتب العلاقات الخارجية في قوات سوريا الديمقراطية، عبد الكريم عمر، القوى العالمية إلى قبول مواطنيها. وقد أشار إلى أن معظم الدول تعتقد أنها يمكن أن تتخلى عن مواطنيها المحتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية في سوريا، الأمر الذي يعتبر، بحسب قوله، “خطأ كبيراً جداً”.

وأضاف المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية، مصطفى بالي، أنه لا توجد بنية تحتية قانونية معترف بها في شمال سوريا، مما يجعل من المستحيل على معتقلي داعش الحصول على محاكمةٍ عادلة. ومع ذلك، أظهرت معظم الدول الأوروبية القليل من الرغبة السياسية لاستقبال جهادييها.

فقد قالت فرنسا إنها ستقبل عودة المقاتلين فقط بعد النظر بـ”كل حالة على حدتها.” كما تعهد ساجد جاويد، وزير الداخلية البريطاني، باتخاذ نهج أكثر تطرفاً من خلال منع أي مواطنٍ بريطاني قاتل مع الجماعات الإرهابية من العودة إلى البلاد. فموقفهم متجذرٌ في المخاوف من أن المواطنين الذين قاتلوا مع داعش قد اكتسبوا المهارات والعلاقات لشن هجماتٍ عند عودتهم.

يعدّ هذا أمراً مرعباً على وجه الخصوص للدول الأوروبية ذلك أنها قد لا تملك ما يكفي من الأدلة لتجريم كل عائد. لتجنب المخاطر، تختار البلدان تجريد مواطنيها من جنسيتهم، مما أثار ضجةً ونقاشاً بين النشطاء الحقوقيين وواضعي السياسات.

الحالة الأكثر بروزاً كانت لعروس داعش شميمة بيغوم، التي فرت للإنضمام إلى الخلافة المزعومة عندما كانت بعمر الـ15 عاماً فحسب. وعلى الرغم من أن بيغوم من أصولٍ بنغلاديشية، إلا أنها لا تملك أي جواز سفرٍ آخر غير البريطاني. إن قرار جاويد بتجريدها من الجنسية البريطانية تركها بلا جنسية بما يتعارض بشكلٍ صارخ مع القانون الدولي.

ومع ذلك، قال جاويد أن وليد بيغوم سيظل بريطانياً، إلا أنه سرعان ما توفي بعد فترةٍ قصيرة من الإعلان. وإلى جانب الآثار القانونية المترتبة على تجريد شخصٍ ما من جنسيته، يحذر المحللون من أن فعل ذلك سيساعد داعش على المدى الطويل.

فقد قالت كاثرين براون، محاضرة بارزة في الدراسات الإسلامية بجامعة برمنجهام البريطانية، لصحيفة التايم: “نجحت جماعاتٌ مثل الدولة الإسلامية بشكلٍ كبير في زرع البذور في أذهان الناس بأن الحكومات الغربية والمجتمعات الغربية لا تهتم بمواطنيها المسلمين.”

وأضافت براون أنه بانتهاك حقوق الإنسان وسيادة القانون، تساهم الدول التي تُجرّد الجهاديين العائدين من جنسياتهم في تغذية فكرة أن المسلمين مجرد حالة استثنائية في الغرب.

إلا أن ألمانيا تخالفهم الرأي. ففي 4 مارس، قالت إليونور بيترمان، المتحدثة باسم وزارة الداخلية الألمانية، أن الوزراء الألمان توصلوا إلى توافق في الآراء بتجريد جنسية أي مواطن يحمل جنسية مزدوجة ويشارك في عملياتٍ قتالية لجماعةٍ إرهابية في الخارج. ومع ذلك، لن يتم تطبيق القانون بأثرٍ رجعي، لذلك لا يمكن تطبيقه على أي مقاتلٍ ألماني مع داعش عالق في سوريا في الوقت الحالي. كما لجأت بلجيكا في السابق إلى نفس الاستراتيجية.

في حين قال نديم حوري، مدير برنامج الإرهاب ومكافحة الإرهاب في هيومن رايتس ووتش لفَنَك كرونيكل، أن تجريد الأسرى من جنسياتهم تصرفٌ يتسم بقصر النظر.

إذ قال إن أطفال مقاتلي داعش يشكلون أكبر عددٍ من الأشخاص الذين يقبعون في المخيمات في سوريا، وهم مهددون بأن يترعرعوا عديمي الجنسية ما لم يطالبون بالحصول على الجنسية. ويؤكد حوري أن الحل الوحيد هو أن تمنح الدول هؤلاء الأطفال الجنسية وأن يحاكم والديهم.

وأضاف حوري لفَنَك، “في غياب المحاكمة العادلة، نواجه بشكلٍ أساسي وضعاً يشبه معتقل غوانتانامو حيث سيتم احتجاز الأفراد دون محاكمة ودون احتمالية إطلاق سراحهم.”

وتابع القول، “هناك مخاوف من أن يتم نقل الأسرى من داعش إلى غوانتانامو، حيث توجد انتهاكاتٌ جسيمة لحقوق الإنسان. سيكون ذلك بمثابة فشلٍ كبير في الحرب ضد الإرهاب. وإن تم ذلك، سيكون غوانتانامو مكان حشد الجهاديين في المستقبل.”

بينما يقول خالد دياب، كاتب العمود في صحيفة العربي، إن تطبيق نظام الجنسية المزدوجة غير ديمقراطي بالفطرة. من وجهة نظره، ينبغي أن يضمن النظام القانوني العادل المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون.

فقد كتب “تطبيق مبدأ إلغاء المواطنة فقط على المواطنين المتجنسين، والمواطنين ذوي الجنسية المزدوجة والمواطنين الذين يحق لهم (نظرياً) الحصول على الجنسية في مكانٍ آخر، من المسلمين على وجه الحصر تقريباً، تعبير عن التعصب الأعمى، وليس العدالة العمياء.”

وعلى الرغم من منطق دياب، فقد زعمت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي من قبل أن المواطنة امتيازٌ وليست مجرد حق، وأن المواطنين مزدوجي الجنسية يمكن أن يفقدوا جنسيتهم البريطانية. ومع ذلك، إذا كانت المواطنة امتيازاً، يتساءل دياب، فما الذي فعله مواطنون أمثال تيريزا ماي للحصول عليها، غير أنهم ولدوا في البلاد؟ الجواب ببساطة: لا شيء.

ومرةً أخرى، إذا ما غيرت الحكومات نهجها، فإن استعادة رعاياها لا يزال مسعىً صعب، نظراً لأن تركيا لا تعترف بحزب الإتحاد الديمقراطي، الجناح السياسي لوحدات حماية الشعب الكردية التي تقود قوات سوريا الديمقراطية، وبالتالي لن يكون بمقدور المقاتلين الأسرى من داعش المرور عبر تركيا.

الخيار الآخر هو السفر عبر شمال العراق، حيث احتجزت روسيا مواطنيها الذين فروا للانضمام إلى الخلافة. ومع ذلك، يقول المسؤولون الأوروبيون إن السلطات العراقية تحجم عن السماح لأعداد كبيرة من أسرى داعش بدخول البلاد. ولربما يكون التعامل مع بشار الأسد الملاذ الأخير، إلا أن هذا من شأنه أن يمنح الديكتاتور الكثير من النفوذ أمام منافسيه الغربيين.

في الوقت الراهن، تكمن المشكلة الأكبر في الإرادة السياسية المحدودة لاستكشاف أي من هذه الطرق. يمكن أن يتمثل أحد الحلول في إنشاء محكمةٍ دولية على الأرض في سوريا أو العراق. فقد دعا رئيس وزراء بلجيكا، شارلز ميشيل، لهذا النهج. كما يجادل المسؤولون البلجيكيون أيضاً بأن الإعلان الأمريكي بترك عددٍ قليل من القوات في شمال شرق سوريا قد يجعل المحاكمات الدولية قابلة للتطبيق.

بيد أنه ينبغي إقناع الأسد وأردوغان، لأن لديهما أسباب واضحة للاعتراض على إنشاء محكمةٍ دولية في شمال شرق سوريا. وعلى الرغم من الفكرة، يصر حوري من منظمة هيومان رايتس ووتش على أن الحل الوحيد هو أن تتحمل جميع الدول، بما في ذلك الدول الغربية، المسؤولية عن رعاياها.

وبحسب ما قاله لنا في فَنَك، “نحن نتحدث عن رعايا 47 دولة، وعدد محدود للغاية من الدول، التي يمكننا الاعتماد عليها من جهة، الذين قبلوا بإعادة مقاتليهم.” وأضاف “أظهر شركاء التحالف [الذين قاتلوا داعش] أيضاً إرادة سياسية صفرية لاستعادة رعاياهم، ولا يمكنهم تحميل هذا العبء للسلطات المحلية.”