استهدف المسلحون السلفيون، الصوفيين ومزاراتهم في ليبيا منذ الإطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي عام 2011. وقع الحادث الأخير في 28 نوفمبر 2017، عندما أضرم مجهولون النيران في زاوية مسجد الشيخة راضية، أحد الأماكن الصوفية التاريخية في العاصمة طرابلس، ولم ترد أي أنباءٍ عن وقوع ضحايا.
وقبل ذلك بشهر، تعرض مسجد صوفي شهير آخر في طرابلس لأضرار بعد تعرضه لهجوم. وتفيد التقارير أن الهجوم نفذته قوات الردع الخاصة، وهم مجموعة من السلفيين المسلحين المرتبطين بوزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة. نفت قوات الردع الخاصة مسؤوليتها وتعهدت بملاحقة الجناة.
لم يواسي البيان الكثير من الصوفيين، الذين ذكر العديد منهم أن أياً من الحكومتين المتنافستين في ليبيا فعلت شيئاً يذكر لحمايتهم. فحكومة الوفاق الوطني في طرابلس ومجلس النواب في طبرق بالكاد يتمتعان بالنفوذ المطلوب أو حتى الحافز لأداء هذه المهمة، فكلٌ منهما تحت رحمة الميليشيات، التي تضم أعضاء سلفيين بارزين في صفوفها.
ومؤخراً، قال طارق المجريسي، وهو محلل سياسي ليبي، لموقع المونيتور الإخباري، إن الجماعات السلفية التي برزت بعد الثورة هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن مهاجمة المجتمعات الصوفية. “بالنظر إلى تنامي نفوذ الميليشيات السلفية في جميع أنحاء البلاد، فضلاً عن نمو قاعدة أنصار السفليين بشكلٍ مطرد، فمن المحتمل أن يزداد اضطهاد الصوفيين الليبيين سوءاً في المستقبل القريب،” بحسب المجريسي.
ووفقاً لدراسة استقصائية أجراها معهد الولايات المتحدة للسلام، والتي وثقت التوجه الديني لـ134 شخصاً، عرّف 78% ممن شملهم الاستطلاع عن نفسهم بالجهاديين، في حين عرّف 45% منهم أنفسهم باعتبارهم سلفيين، بينما جاءت إجابة 75% منهم باعتبار أنفسهم صوفيين. استقصت الدارسة إجابات سكان أربع مدن رئيسية في ليبيا، بما في ذلك طرابلس وبنغازي وصبحة ودرنة.
ويتفق المدافعون عن حقوق الإنسان على أن أعداد السلفيين والجهاديين آخذٌ في الإرتفاع، مشيرين إلى تزايد التعصب الديني في ليبيا. ولربما يكمن أحد جوانب ذلك في عودة السلفيين الذين عارضوا القذافي من المنفى خلال الانتفاضة المسلحة التي أطاحت به.
وفي حين تختلف أطباع السفليين في جميع أنحاء المنطقة، إلا أن هدفهم المشترك يتمثل في عودة “أنقى” أشكال الإسلام. ولتحقيق هذه الغاية، يحاول السلفيون تبني ذات الممارسات والأفكار التي كان يتبعها السلف الصالح. وعليه، فالجهاديون السلفيون لا يظهرون قدراً كبيراَ من التسامح مع أولئك الذين يعارضون نظرتهم للعالم.
من ناحيةٍ أخرى، يشدد الصوفيون على الروحانيات وعلاقة الفرد الشخصية بالإسلام. فإلى جانب الصلاة، ينشد الصوفيون الأناشيد ويرددون أسماء الله الحسنى ويستخدمون الرقص كشكلٍ من أشكال العبادة. وبالتالي، يعتبر السلفيون المتشددون جميع هذه الممارسات بدعاً.
وطوال التاريخ، دافع الصوفيون في ليبيا عن أنفسهم ضد الهجمات. فخلال عهد الاستعمار الايطالي، قادت الحركة السنوسية الصوفية حركة التمرد. وكان من أبرز الشخصيات عمر المختار، الذي قاتل ضد الإيطاليين لمدة 20 عاماً حتى تم إعدامه في عام 1931. كما كان أول حاكم في ليبيا الحديثة، الملك إدريس، صوفي أيضاً، والذي حكم لمدة تقرب من عقدين من الزمان إلى أن تمت الإطاحة به من قبل القذافي عام 1969.
وعلى الرغم من تهميش الصوفيين إلى حدٍ كبير أثناء حكم القذافي، إلا أن الظروف ازدادت سوءاً منذ وفاته. وبعد الثورة، شعر الصوفيون بالقلق من تأثر المسؤولين الدينيين الجدد في البلاد بالفكر السلفي، حيث قاموا بتعيين شيوخ متشددين في المساجد التي كان شيوخ الدعوة المؤيدين للقذافي يشغلونها في السابق. وسرعان ما ضغط بعض هؤلاء المشايخ الجدد على السلطات ليستبدلوا الأئمة الصوفيين القدماء الباقين، بالمتشددين.
وبالتالي، بدأ تدمير مزارات وأضرحة الصوفيين في نفس العام. وفي عام 2013، قتل مسلحون جهاديون سلفيون الشيخ الصوفي البارز، مصطفى بن رجب. وبالتالي، أجبر التهديد بالتعرض للاضطهاد مجدداً بعض الشيوخ السفليين على الدفاع عن أنفسهم مجدداً.
وفي عام 2012، حمل العديد من الدعاة الصوفيين السلاح لحماية مساجدهم ومنازلهم من الجهاديين السلفيين. في حين ألقى آخرون، مثل أحمد فتحي البالغ من العمر 27 عاماً، خطباً لاذعة أدانت الهجوم على الصوفيين، والنشطاء المدنيين والضباط العسكريين السابقين في بنغازي، ثاني أكبر مدينة في ليبيا.
وقال فتحي أنه لم يشعر بالخوف قط بالرغم من تلقيه تهديداتٍ عبر الهاتف. كان ذلك حتى وجد مسلحين متشددين ينتظرونه في منزله عام 2015، الذين طلبوا منه، بعد أن ضاقوا به ذرعاً بسبب خطاباته، أن يغادر البلاد بلا رجعة. انصاع لهم وفر في اليوم التالي إلى مصر.
ينتمي الرجال الذين هددوا فتحي إلى الجيش الوطني الليبي التابع للواء خليفة حفتر. ويعتبر معظم المراقبين العاديين حفتر طاغيةً علماني، الذي أعلن عن رغبته في تطهير بنغازي من الإسلاميين. ومع ذلك، تضم صفوف جيشه العديد من السلفيين الذين بدأوا في قمع الحياة الاجتماعية والثقافية منذ أن أعلنت قوات الجيش الوطني الليبي النصر في المدينة في يوليو 2017.
المشكلة الأكبر هي أن خطاب حفتر لا يفرق بين الإسلاميين الذين لربما يرغبون في التفاوض وجماعات الجهاديين السلفيين. وفقاً لرأي الخبيرة في الجماعات الإرهابية ليديا سيزر، فإن عدم رغبته في القيام بذلك ولّد تحالفاتٍ سلفية لمواجهة قواته.
وقالت سيزر في تقريرها لمعهد الشرق الأوسط، وهو مركز أبحاث في واشنطن “بعض الحركات الجهادية- السلفية تحالفت ضد حفتر الذي [كما يعتقدون] يشكل تهديداً وجودياً.” وأضافت “يعتبر حفتر داعماً لنشاط الجهاديين السلفيين بقدر ما يدعي أنه يشكل تهديداً رئيسياً لهم.”
فالصوفيون، كحال غيرهم من الأقليات الضعيفة، يعدون هدفاً عندما يتم التصفيق للسفليين. كما أن تدمير المزارات الصوفية يضرّ بجميع الليبيين. ويتهم نادر الجادي، المصور الليبي الذي وثق الهجمات على المواقع الصوفية في عام 2013، شريحةً كبيرة من المجتمع الليبي بالتواطؤ في عملية التدمير. وعلى الرغم من أنه لا يعتبر نفسه متصوفاً، إلا أنه قال إنه لا يطيق رؤية ليبيا تخسر تراثاً يبلغ من العمر 600 عام. وفي مقال كتبه لمجلة “زينيث” في برلين، أشار إلى اليأس الذي شعر به بعد وصوله إلى مسجد الأندلسي بعد وقتٍ قصير من قصفه.
فقد كتب “كانت لحظة حزينة للغاية، بالرغم من أن لا علاقة روحانية تربطني بالمكان.” وأضاف “شعرت أني فقدت شيئاً ما. أذكر أني كنت أسبح في البحر عندما كنت شاباً وأنظر إلى الضريح لأحدد نقطة عودتي إلى الشاطىء. كان يوماً حزيناً للبلدة بأكملها.”