خلال مباراة النادي الأهلي المصري لكرة القدم في دوري أبطال إفريقيا التابع لكأس الاتحاد الإفريقي، والتي أقيمت في مارس 2018، سمح لعددٍ محدودٍ فحسب من المشجعين بالدخول إلى المدرجات. فمصر تفرض حظراً على دخول الجماهير للمدرجات في دورها المحلي منذ فبراير 2012، عندما قُتل 72 مشجع من مشجعي النادي الأهلي في مذبحة استاد بورسعيد، إلا أن الإتحاد الإفريقي يطلب من الدولة السماح للجماهير بدخول الملاعب خلال المباريات الدولية.
“حرية، حرية!” تعالت هتافات أنصار الأهلي داخل الاستاد، مستذكرين الهتافات التي تغنى بها المحتجون خلال وبعد انتفاضة عام 2011، المعروفة بثورة 25 يناير. فمنذ أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة في يوليو 2013، أصبحت المساحة المخصصة لمثل هذه الهتافات، كحال أي تعبيرٍ آخر عن الطبيعة الثورية، مقيدة بشكلٍ متزايد. فقد انتشر الفيديو الخاص بمشجعي الفريق، الذي نشر على موقع يوتيوب، على شبكات التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم.
وبعد المباراة، اندلعت اشتباكاتٌ بين الشرطة وألتراس أهلاوي، وهم مجموعة من المشجعين المتطرفين للنادي الأهلي لكرة القدم. تم القبض على 12 من الألتراس، فضلاً عن خمسة منهم بعد أسبوعين.
وبعد شهرٍ من الحادثة، أعلن ألتراس أهلاوي عن حله إلى أجلٍ غير مسمى، وذلك عبر فيديو درامي أحرق فيه أعضاء المجموعة علم النادي وقاموا بقراءة بيانٍ، الذي ذكر أن “سلامة الأعضاء” السبب الرئيسي وراء اتخاذ هذه الخطوة. وفي مايو، كان هناك تقاريرٌ عن قيام مشجعي النادي القاهري المنافس، الزمالك، والمعروفون باسم ألتراس الفرسان البيض، باتخاذ نفس الخطوة. ويبدو أن الخصومة المريرة بين الشرطة والألتراس، والتي استمرت عدة سنوات وتميزت بالاشتباكات والاعتقالات، قد انتهت.
تم تأسيس مجموعتي الألتراس في عام 2007، بما يشبه مجموعات المشجعين المتعصبين لأنديتهم في أوروبا وأمريكا الجنوبية. فقد قاموا بتأليف أغانيهم الخاصة، وتصميم أعلامهم وشعاراهم الخاصة ومعروفين بإطلاقهم ألعاب نارية ضخمة في الملاعب. ولطالما كانت علاقتهم بالسلطات متوترة: فقد أرادت أجهزة الأمن المصرية السيطرة عليهم والحد من أنشطتهم، في حين لم يخشى الألتراس المواجهة.
وفي عام 2011، لعب الألتراس دوراً مهماً في الاحتجاجات التي أشعلت الربيع العربي. وبالرغم من عدم مشاركتهم كمجموعة، إلا أن أفراداً من الأعضاء كانوا حاضرين. وتفخر المجموعة بحمايتها المتظاهرين من عنف الشرطة. فقد قال لنا في فَنَك أحد أعضاء الألتراس شريطة عدم ذكر اسمه، “كنا الوحيدين الأقوياء بما فيه الكفاية للوقوف في وجه الشرطة.”
ففي نوفمبر 2011، كان الألتراس جزءاً من مواجهةٍ عنيفة في وسط القاهرة بين الشرطة والمتظاهرين. ولمدة أربعة أيام، كان شارع محمد محمود، قبالة ميدان التحرير الشهير، مسرحاً للاشتباكات العنيفة، التي قتل فيها حوالي 50 شخصاً، من بينهم العديد من الألتراس. فقد أصبحت رغبة الألتراس في القيام بأنشطتهم داخل وحول الملاعب، ورغبتهم الأكبر في أن يصبحوا مجموعة منظمة مستقلة غير حكومية، متداخلة بقوة مع الهدف الثوري المتمثل في التحرر من نظام الدولة الظالم.
تعتبر أغنية “مش ناسيين التحرير،” أحد أشهر أغاني الألتراس والتي تتضمن الكثير من الإهانات الموجهة للشرطة ومعلومات حول كيف تم “ضربهم” خلال الثورة. كما أن هناك أغنية أخرى تستهدف رئيس نادي الزمالك الموالي للنظام، مرتضى منصور، الذي يُلقب بالأغنية بـ”كلب النظام.”
وقال لنا الصحفي الرياضي، مصطفى، “الألتراس هم مجموعات منظمة خارجة عن سيطرة الدولة.” وأضاف “لديهم جمهور كبير من الشباب، وفي الملعب لديهم منصة للتعبير عن الأصوات المستقلة. وهذا دائماً ما يقلق الدولة.”
يوافق جيمس دورسي، مؤلف كتاب “العالم المضطرب لكرة القدم في الشرق الأوسط،” على ذلك. فقد قال لصحيفة تراو الهولندية “المعركة حول الملاعب ليست منفصلة عن المعركة داخل البلاد. القمع في كل مكان. إن كل تجمع يتجاوز الخمسة أشخاص يمثل تهديداً للشرطة المصرية.”
وصلت الموجة إلى الألتراس في فبراير 2012، عندما قتلت مجموعة من المتنافسين 72 من أنصار الأهلي خلال مباراة في استاد بورسعيد. حُكم على العديد من الجناة بالإعدام أو السجن مدى الحياة بسبب هذه الاشتباكات، المعروفة باسم “مجزرة بورسعيد.”
ومع ذلك، يؤمن الألتراس، على نطاقٍ واسع، أن قوات الأمن كانت وراء الحادثة، أو على الأقل كانت متورطة بطريقةٍ أو بأخرى، من خلال عدم التدخل بشكلٍ كاف عندما اندلعت أعمال الشغب. وفي أعقاب حادثة بورسعيد، منعت مصر المشجعين من دخول الملاعب. وفي عدة حالات، سمحت السلطات لأعداد محدودة من الألتراس بالدخول إلى الملاعب، إلا أن هذا أدى في كل مرة إلى أعمال شغب، مما أدى إلى إعادة فرض الحظر مجدداً. ففي أوائل عام 2014، حضرنا في فَنَك مباراةً مماثلة، بين الزمالك وفريق من النيجر، حيث حمل المشجعون لافتاتٍ بارتفاع عدة أمتار طبعت عليها وجوه زملائهم الذين قُتلوا في اشتباكاتٍ مع الشرطة. كانت شرطة مكافحة الشغب بالمدرعات الثقيلة حاضرة بين الحشد وعلى أرض الملعب.
وفي فبراير 2015، سمح مجدداً لمشجعي الزمالك بالدخول إلى المدرجات، إلا أن الأمور خرجت عن السيطرة بشكلٍ كبير. ففي حين كان المشجعون يحاولون الدخول عبر بوابة الاستاد المزدحمة بالمشجعين، حاول البعض تسلق الأسوار، مما دفع بالشرطة إلى إطلاق الغاز المسيل للدموع. وعليه، توفي 20 شخصاً من التدافع الذي أعقب ذلك، فضلاً عن إصابة العديد بالإختناق. لم تتم إدانة إي رجل شرطة بعد هذه المأساة، إلا أنه تم توجيه اتهامات بـ”التحريض على الشغب” لأفراد من الألتراس كانوا متواجدين أثناء التدافع.
وبعد أشهرٍ قليلة من مأساة الزمالك في عام 2015، تم حظر مجموعات الألتراس بالقانون من قبل محكمةٍ مصرية. فقد كان هناك قضية مرفوعة أمام المحاكم لاعتبارهم “منظمةً إرهابية،” إلا أنه تم نقضها. ومع ذلك، أصبح الألتراس هدفاً لحملة قمعٍ قاسية، حيث اعتُقل العشرات منهم من منازلهم في السنوات الأخيرة. ومع تلاشي آمال ثورة 25 يناير على مر السنين، حاول الألتراس، دون جدوى، النأي بنفسهم عن السياسة. فقد أخبرنا أحد الأعضاء الذي فضل عدم ذكر اسمه “لا شأن لنا بالسياسة، كل ما نريده هو العودة إلى الملاعب.”
كان هناك جولة أخرى من الاعتقالات في أعقاب هتافاتٍ في دوري أبطال افريقيا: فبالإضافة إلى الاعتقالات التي تمت في مارس، تم اعتقال مجموعة من 21 شخصاً في شهر أبريل. ويبدو أن هذا أفقد الألتراس صوابهم، إذ قال مصطفى “يشعرون باليأس، ولا يرون مستقبلاً مشرقاً.” كما يعتقد أنه من خلال حل الألتراس، يأملون بأن يخرج أعضاؤهم من السجن. “مع وجود زملائهم في السجون، الذين حكم على بعضهم بأربع سنواتٍ أو أكثر، لا يرون أي طريقة أخرى سوى حل المجموعة للتوصل إلى مصالحةٍ من نوعٍ ما مع السلطات.”
ومع ذلك، نفت بعض الحسابات للألتراس على وسائل التواصل الاجتماعي حل المجموعة، قائلين أنه ينبغي التأكد من مصادر المعلومات. فقد أوضح مصطفى أن قرار الحل لم يأتِ بالإجماع، وأن العديد من الأعضاء لم يتفقوا على ذلك. ولكن سواء أراد البعض التمسك بروح الألتراس أم لا، فإن دورهم كمجموعةٍ منظمة كانت يوماً ما قادرةً على تحدي الدولة قد انتهى.