وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

سحب الجنسية غير المسبوق وحقوق البدون المهملة

 اعتصام تضامناً مع قائد المعارضة مسلم البراك, 3 تموز/يوليو 2014
اعتصام تضامناً مع قائد المعارضة مسلم البراك, 7 تموز/يوليو 2014

بعد فترة هادئة نسبياً، عادت المعارضة إلى الواجهة مجدداً في يونيو 2014 عندما احتشد آلاف المتظاهرين المناهضين للحكومة ضد الاختلاس المزعوم لمليارات الدولارات من الأموال العامة، حيث يُقال أنّ مسؤولين حكومين متورطين بهذا الشأن. استجاب المتظاهرون لدعوة زعيم المعارضة مسلم البراك، الذي اتهم أعضاء من الأسرة الحاكمة، وكبار المسؤولين السابقين، وبعض القضاة بالضلوع في عمليات مشبوهة.

تم توقيف البراك في 2 يوليو بتهمة التطاول على القضاء وأفرج عنه بكفالة بعد أسبوع. وخلال المظاهرات التي خرجت للتضامن مع البراك، تعرّض أربعة نشطاء في مجال حقوق الإنسان للضرب والإعتقال من قِبل قوات الأمن، وذلك وفقاً لمركز الخليج لحقوق الإنسان. كما فرقت السلطات مظاهرات تطالب بإطلاق سراح العشرات من المواطنين الذين اعتقلوا خلال احتجاجات سابقة.

تعدّ مزاعم الفساد من القضايا الكبرى الدائرة بين البرلمان المنتخب والحكومة التي تهيمن عليها الاسرة الحاكمة. في نوفمبر 2011، أجبرت المعارضة رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد على الاستقالة، بسبب إدعاءها دفع ناصر أموالاً لبعض أعضاء البرلمان، الذين اتهمتهم المعارضة بتلقي رشاوى من أجل التصويت لصالح الحكومة. شكّلت المزاعم الجديدة بفساد المسؤولين وإهدار المال العام فرصةً مناسبة للمعارضة لتصعيد مطالبها نحو التغيير.

في إبريل الماضي، أطلق ائتلاف المعارضة خطة جماعية شاملة للإصلاح. اتفق أعضاء الائتلاف واسع النطاق، الذي يضم الإسلاميين والقوميين والليبراليين والنشطاء الشباب، على خطوات للمضي قدماً بالسياسة الكويتية. وكان الائتلاف قادراً على وضع الخلافات الأيديولوجية جانباً، على سبيل المثال دور الإسلام في الحياة العامة. ومثالاً على ذلك، خففت الحركة الإسلامية الدستورية، أو حدس (حركة الإخوان المسلمون) من إصرارها في أنّ تكون الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد لجميع التشريعات. بدلاً من ذلك، فإنها تدعو إلى نظام برلماني كامل، ومشرّع أقوى، واستقلال القضاء، وقوانين جنائية منقحة.

وفي بيانها بعنوان “نحو إقامة نظام ديمقراطي برلماني كامل”، وصف ائتلاف تحالف المعارضة المظالم التي يعيشها المجتمع الكويتي منذ فترةٍ طويلة، حيث تسلل الفساد إلى جميع طبقات المجتمع: في اشارة الى الطريقة التي فُرض فيها القانون الانتخابي الجديد على الكويتيين ومزاعم دفع الحكومة الأموال لبعض النواب، وتؤكد المعارضة أنّ السلطة التشريعية أصبحت “أداة في يد السلطات”. وفي الوقت نفسه، انخفضت نوعية الخدمات العامة (التعليم والسكن والرعاية الصحية)، كما أنّ تعيين الأفراد في الوظائف الحكومية يتم على أساس العلاقات الشخصية (الواسطة) بدلاً من الكفاءة، مما أدى إلى حالة من الإحباط بين الشباب الكويتي الطموح. وعلاوة على ذلك، وفقاً للمعارضة، فإن النظام القضائي غير عادل وحقوق الإنسان مهملة.

القمع

واصلت السلطات الكويتية، التي تواجه المزيد من الدعوات للتغييرالسياسي ووضع حد للفساد، القمع الذي استهدف المعارضة والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي في وقتٍ سابق. ومنذ بدأت جماعات المعارضة، التي سبقت ما يسمى الربيع العربي، احتجاجاتهم لتحقيق الإصلاحات في عام 2011، قيّدت السلطات حرية التعبير على الإنترنت، وفي الصحافة، وفي الشارع. وفقاً لتقرير الاستعراض الدوري الشامل للكويت لمنظمة هيومن رايتس ووتش، يعتبر تتبع السلطات العدواني للأفراد الذين يستخدمون وسائل التواصل الإجتماعي لانتقاد الزعماء المحليين والأجانب والسياسة والسياسات المحلية أحد أهم مظاهر الإنحدار في مجال حقوق الإنسان في السنوات الثلاث الماضية.

ووفقاً لمركز الخليج لحقوق الإنسان، لاحقت السلطات، منذ يناير 2011، 60 فرداً على الاقل ممن عبرّوا عن آرائهم الإنتقادية عبر وسائل التواصل الإجتماعي، والمدونات، والاحتجاجات في الشارع. وألقي القبض على العشرات من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بسبب رسائل اعتبرت مسيئة للأمير أو الزعماء الأجانب أو الإسلام. في 27 أغسطس 2014، اعتقل على ذمة التحقيق، المدون وناشط حقوق الإنسان محمد العجمي، الذي رصد انتهاكات تتعلق بحقوق الإنسان خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة في تموز، بسبب إحدى تغريداته التي انتقد فيها سحب الجنسيات في الكويت.

استندت السلطات في ادعائها على المادة رقم (25) من القانون الكويتي للعقوبات لعام 1970، الذي ينص على عقوبات تصل إلى خمس سنوات سجن “لكل من يعترض علناً على حقوق وسلطات الأمير أو يُهينه”، إلى جانب القوانين التي تحظر إهانة حكام البلدان المجاورة أو سب النبي او الإسلام.

لطالما عُرفت الكويت، منذ أمدٍ طويل، بارتفاع سقف حريات الصحافة لا سيما عند مقارنتها بدول الخليج الأخرى. ومع ذلك، دائماً ما كانت تشكل الإنتقادات الموجهة للأمير، الذي يملك كلمة الفصل في السياسة، استثناءً من هذه القاعدة. يبدو أن السلطات في الآونة الأخيرة استغلال هذا الاستثناء لإسكات كل الأصوات المعارضة، وليس فقط انتقاد الأمير. ويبدو أن السلطات في الآونة الأخيرة تستغل هذا الاستثناء لإسكات جميع أصوات المعارضة، وليس فقط منتقدي الأمير.

سحب الجنسية

وفي أعقاب الاحتجاجات التي عمت الشوارع ضد الفساد، أوعزت الحكومة في يونيو إلى السلطات بقمع الشعب “الذي ينفذ أعمالاً تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد، وبالتالي تسبب الضرر لمؤسساتها”. وبعد أسبوع، أعلنت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية سحب الجنسية الكويتية من خمسة أفراد، من بينهم نائب سابق من المعارضة، لأسبابٍ أمنية. وفي شهر أغسطس، تم تجريد عشرة كويتيين، ممن تم منحهم الجنسية، من الجنسية الكويتية حيث اتهموا رسمياً بعدم تلبية متطلبات المواطنة. وشمل ذلك رجل دين رفيع المستوى كان قد انتقد الحكومة لإذعانها لضغوط من قِبل الولايات المتحدة لتضييق الخناق على الدعم المالي الذي تقدمه للثوار في سوريا. يخول قانون الجنسية الكويتي الحكومة إلغاء مواطنة أي فرد وترحيله أياً كانت الظروف، بما في ذلك الحصول على الجنسية عن طريق الغش وتعزيز المبادئ التي تقوض مصلحة البلاد. وتشير هيومن رايتس ووتش إلى أنّ أحكام القانون تتعارض بشكلٍ مباشرة مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، الذي صادقت عليه الكويت.

أحمد جابر الشمري، أحد الخمسة الذين جردوا من جنسيتهم ومالك محطة “العالم” المستقلة وصحيفة “اليوم”، حيث تم بشكلٍ مؤقت إغلاق المنفذين الإعلاميين اللذين يملكهما لتحديهما التعتيم الإعلامي الذي أمرت به النيابة العامة في التحقيقات في مؤامرة مزعومة من قبل مسؤولين كبار للإطاحة بالحكومة.

وفي 29 سبتمبر، جردت الحكومة 18 كويتياً من الجنسية، من بينهم الناطق باسم كتلة العمل الشعبي المعارضة، سعد العجمي. ومن بين الثمانية عشر كويتياً، هناك 11 منهم ممن تم تجنيسهم، والذين وفقاً للحكومة، حصلوا على الجنسية عن طريق الاحتيال، بينما يحمل آخرون، من بينهم العجمي جنسيات مزدوجة، والذي يعتبر غير قانوني في القانون الكويتي. ومع ذلك، يتهم نشطاء الحكومة باستهداف ومعاقبة منتقدي النظام عن طريق سحب جنسياتهم.

وفي تطور آخر وفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش، فرضت الحكومة قيوداً على حرية التعبير في الكويت وفقاً لقانون الاتصالات الجديد رقم 37/2014، الذي أعتمد في مايو 2014، والذي يعطي الحكومة صلاحيات كاسحة لحجب المحتوى ومنع الوصول إلى الإنترنت وسحب التراخيص من الشركات دون إبداء أسباب.

تعدّ هذه التطورات جزء من حملة أكبر تستهدف كل من الأفراد الذين يدعون إلى الإصلاح السياسي والمشتبه بتمويلهم للجماعات المتطرفة. تسبب هذا بفقدان الكويت، سريعاً، لسمعتها كواحدة من أكثر دول الخليج التي تحترم الحقوق، وذلك وفقاً لتصريحات جو ستورك، المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش. وبحملتها هذه، تنتهك السلطات الكويتية الدستور الكويتي الذي يضمن حقوق المواطنين: وفقاً للمادة (36) التي تنص على أن

لكل إنسان حق التعبيرعن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما ، وذلك وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون“.

البدون

مظاهرات البدون
مظاهرات البدون

وفي الوقت نفسه، فشلت السلطات الكويتية في منح عديمي الجنسية، الذين يصل عددهم في الكويت إلى أكثر من 100,000 فرد، حقوقهم الشرعية، بما في ذلك الحق في التعليم المجاني والرعاية الصحية والسكن، وأخيراً، الجنسية الكويتية.

“البدون” (من لا يحملون الجنسية) هم سكان الكويت منذ زمنٍ طويل ممن لا يحملون الجنسية الكويتية ولا يتمتعون بغالبية المخصصات والخدمات التي يتمتع بها المواطنون الكويتيون. قبل استقلال الكويت، في عام 1961، كانوا بدواً رُحل. في ذلك الوقت، لم يستطع العديد منهم الحصول على الجنسية. ولا تعترف الحكومة بحق هؤلاء السكان في الحصول على الجنسية الكويتية، بحجة افتقارهم إلى الوثائق اللازمة التي تثبت حقوقهم. بل في الحقيقة، لا تزال الحكومة الكويتية تدعي أخفائهم وثائق هويتهم الأصلية الصادرة سواء من المملكة العربية السعودية أو سوريا أو العراق. ومنذ عام 1986، جردت الحكومة “البدون” من حقهم في التمتع بجميع الخدمات العامة، بما في ذلك التعليم المجاني والسكن والرعاية الصحية، وحصرها بالمواطنين الكويتيين.

لا يتمتع “البدون” بحق الإقامة في الكويت، كما يقطنون أحياء رثة ومهملة على مشارف مدينة الكويت، مما يتناقض مع المنازل الفاخرة التي اعتاد عليها الكويتيين. وبما أنهم مجردون من حق العمل القانوني، يعتمد “البدون” على العمالة غير الرسمية أو على الدخل الذي يحصلون عليه من أقاربهم من المواطنين الكويتيين.

تم قمع الإحتجاجات الرئيسية الأولى للبدون المطالبين بحقوقٍ كاملة من قِبل السلطات الكويتية في فبراير 2011. منحت الحكومة “البدون” مزايا وخدمات مثل الرعاية الصحية والتعليم المجاني إلى جانب تسجيل الولادات والزواج والوفيات، إلا أنّ بعض “البدون” اشتكوا من وجود عقباتٍ إدارية فيما يتعلق بالحصول على هذه المزايا. ولا تزال السلطات تُشير إليهم باعتبارهم “مقيمين غير شرعيين” وترفض منحهم الجنسية. في عام 2013، صدر قانون لتجنيس 4000 “أجنبي”، إلا أنّ هذا لم يشمل سوى المواليد من أمهات كويتيات وأباء أجانب (الذين كانوا يعدّون في البداية من الأجانب).

في السنوات الأخيرة، شرع “البدون” بالإحتجاج في نطاقٍ ضيق، في حين تواصل السلطات قمع المظاهرات وفقاً للقانون الكويتي، الذي يمنع غير الكويتيين من المشاركة في التجمعات العامة.

في شهر مايو 2014، ورد عن الحكومة عرضها منح جنسية جزر القمر “للبدون” مقابل مزايا اقتصادية، على غرار اتفاقية مشابهة بين الإمارات العربية المتحدة وجزر القمر فيما يخص “البدون” في الإمارات. وهذا يعني أن عديمي الجنسية في الكويت سيصبحون عمال أجانب قانونيين، يخضعون للترحيل في حال ارتكبوا جرائم أو انتهاكات أخرى يعاقب عليها بالترحيل بموجب القانون الكويتي. انتقد هذا الإعلان بشدة من قِبل الناشطين الذين اتهموا الحكومة بالإتجار بالبشر.

وعلى الرغم من تبني تحالف المعارضة لقضية “البدون”، إلا أنّ “البدون” يشعرون بخيبة أمل، إذ لم تشّكل قضيتهم أولوية عندما سيطرت المعارضة على مجلس الأمة (البرلمان) في 2012. في الوقت الحاضر، تعتبر المعارضة، من منظورها، أن هناك قضايا أكثر أهمية لمعالجتها.