وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

النساء الحمّالات في المغرب: ما بين اللامبالاة المغربية والإتجار المنظم في اسبانيا

تخاطر الآلاف من النساء الحمّالات، من جميع الأعمار، بحياتهن يومياً عند معبر طرخال الحدودي بين المغرب واسبانيا، إذ تعمل هؤلاء النسوة، التي تُشير التقديرات إلى أن عددهن يصل إلى 15 ألفاً في اليوم الواحد، واللواتي يُطلق عليهنّ أيضاً اسم “النساء البغال،” في ظل عدم اهتمام السلطات المغربية. يقود هؤلاء النسوة مهربون إسبان، الذي يرشون مسؤولي الجمارك للسماح للبضائع بالمرور، وأولئك في الفنيدق في المغرب، الذين يقومون بعد ذلك بتخزين البضائع في مخازن قبل إعادة توزيعها. وإذا ما استطاعت الحمّالة رفع الحمولة من الناحية الجسدية، تعتبر من أمتعتها الشخصية، وبالتالي تدخل إلى المغرب معفاةً من الرسوم الجمركية.

وفي كل عام، يخسر الاقتصاد المغربي 12,5 مليار درهم نتيجة هذه السلع المهربة. ومع ذلك، فإن هذه المحنة اليومية لهؤلاء النساء يقابلها عدم اكتراثِ من البلاد وإتجارٌ منظم من قِبل إسبانيا، التي تحقق مكاسباً قيمته 700 مليون يورو.

تبدأ محنة النساء في ساعات الصباح المبكر كل يوم، عندما يجتمعن عند سفح جدارٍ معدني ضخم يربط المغرب بإسبانيا. وبعد تفحصهن على الحدود، يدخلن الجيب الإسباني. وفي ظل الإتفاق المبرم بين المغرب واسبانيا، لا يحتاج المغاربة الذين يعيشون في أربع بلداتٍ متاخمةٍ للحدود إلى تأشيرة دخولٍ لسبتة، وهو أقليمٌ إسباني مستقل تربطه حدودٌ مباشرة مع المغرب. ومع ذلك، فإن حوالي 65% من النساء الحمّالات لا يأتين من مناطق متاخمة للحدود، مما يعني أنه يتعين عليهن رشوة المسؤولين لتسجليهم كمواطنين محليين.

وبمجرد دخولهن الجانب الإسباني، تستقل النساء مركباتٍ إلى معبر باريو تشينو، ليحملن رزماً من البضائع التي يجهزها العمّال مسبقاً. يتم فرز هذه السلع من قِبل موزعين وترقيمها من قِبل المهربين ليتم عدها عند الاستلام، قبل أن يتم نقلها في النهاية من قِبل النساء البغال إلى المغرب.

يحشو تجار الجملة ومالكي المستودعات حقائبهم بالنقود لدفع الأموال للجميع، كي لا يوقف شيءٌ في نهاية المطاف تدفق المال من العودة إليهم. فقد أكدّ مصدرٌ من الشرطة في عام 2018 لمجلة فايس أن هذه التجارة تولد ما يقارب الـ500 مليون يورو كل عام. ووفقاً لرئيس اللجنة التنسيقية لفعاليات المجتمع المدني بشمال المغرب عبد المنعم شوقي، تدفع الحمّالات خمسة دراهم (حوالي 53 سنتاً) لكل وكيل شرطة يطلب رؤية وثائقهن. وبحسب قوله، “إذا ما رفضن الدفع، يمنعن من الدخول أو تتم إعادتهن إلى آخر الطابور.”

من جهته، يعتبر التهريب نشاطاً غير مشروعٍ في المغرب، ذلك أن البضائع غير خاضعة للضريبة. فقد طالب نوابٌ مغاربة الدولة بالتدخل لإيقاف إهانة النساء الحمّالات المغربيات وطالبوا بايجاد “بديلٍ اقتصادي” للتهريب، الذي يمكن أن يساعد النساء العاملات في النشاط المحظور على ايجاد مصدر دخلٍ مناسب. ويعتقد الصحافي أحمد بويوزان الذي يسكن مدينة الفنيدق أن رجال الشرطة والجمارك، فضلاً عن الموظفين المحليين، يستفيدون من تهريب النساء للبضائع. فبالنسبة للمغرب، تَعِدُ السلطات بانتظام بتحسين وضع المرأة، لكن دون إحراز أي تقدمٍ يُذكر على أرض الواقع.

فقد تصدرت النساء الحمّالات المغربيات عناوين الصحف على الصعيدين الوطني والعالمي عندما قتلت إمرأتين في تدافعٍ حصل في مدينة سبتة في 29 أغسطس 2017. فالنساء الحمّالات، اللواتي يلقبنّ بـ”النساء البغال” على الجانب الإسباني من الحدود، يعانين من حمل البضائع التي يتجاوز وزنها في بعض الأحيان أوزانهن، حيث يخاطرن بحياتهن في هذه الوظيفة. فقد انتشرت صورة النساء اللواتي تقوست ظهورهن أسفل الأحمال الثقيلة من السلع ويتم استغلالهن كالدواب في جميع أنحاء العالم كالنار في الهشيم.

Morocco- Mule women Morocco
نساء مغربيات يحملن على ظهورهن بضائع يتراوح وزنها ما بين 100 إلى 200 باوند أثناء انتظارهن دورهن عند المعبر الحدودي. Photo PRI’s The World

فقد أودت هذه “التجارة،” التي يشجبها بانتظامٍ نشطاء وصحفييون في مجال حقوق الإنسان من المغرب وإسبانيا على حد سواء باعتبارها “مذلة” و”مهينة،” بالفعل بحياة أربعة نسوة، اللواتي سحقنّ حتى الموت، في هذا المعبر الحدودي منذ افتتاحه عام 2017. فلا توجد نهايةٌ لهذه المعاناة تلوح في الأفق. وبالتالي، فبالنسبة لرئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أحمد الهايج، يجب على المغرب وإسبانيا وقف تكرار مثل هذه الأحداث المأساوية. وعلى حد قوله، و”لكن قبل بضعة أشهرٍ فحسب حصل تدافعٌ مماثل، وفشلت الإجراءات الأمنية الوقائية في تحقيق النتائج المرجوة.” ووفقاً لهذا الناشط في مجال حقوق الإنسان، يجب تطبيق حلٍ أكثر فاعلية لمشكلة التدافع من خلال توسيع مسار منطقة العبور بين البلدين، على سبيل المثال. ووفقاً لمحمد بن عيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، فإن العديد من النساء لا يأتين من منطقة حدودية ويتعين عليهن دفع رشاوى ليتم تسجيلهن كمواطنين محليين، إذ يمكن أن تتراوح تلك المدفوعات ما بين 300 يورو إلى 500 يورو (350 دولار و585 دولار)، وهو مبلغٌ ضخم بالنسبة للنساء. المعاناة اليومية للمرأة هائلة.

وبالتوازي مع نشطاء حقوق الإنسان المغاربة، يشجب النشطاء الإسبان أيضاً وضع النساء البغال. فعلى سبيل المثال، دعت جمعية لحقوق الإنسان في قادس، الأندلس، إلى اعتصام في 16 يناير 2018، للضغط على كلٍ من المغرب وإسبانيا لإيجاد حلٍ عاجلٍ ودائم “قبل حدوث مأساة جديدة.”

وعليه، توجد العديد من العوامل التي تؤخر إتخاذ إجراءاتٍ من قبل المغرب وإسبانيا، فوفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، تبيع مدينة مليلية ما يعادل 300 مليون دولار سنوياً من تجارة التهريب، مما يُحافظ على الإكتفاء الذاتي للمدينة، ويبرر صمت الحكومة الإسبانية تجاه هذا الاستغلال للنساء من المغرب المجاور. ويصف محمد اشتاتو، وهو أكاديمي معروف وأستاذ في جامعة الرباط، التهريب في سبتة بـ”تجارة العار.” وبالنسبة له، يعتبر مزيج البؤس والفقر المدقع والأمية الخانقة السبب الرئيسي في المشكلة. كما يلقي باللوم على ثقافة الريف القبلية في المنطقة التي تحرض على استغلال المرأة من خلال الزواج المبكر، وعلى المجتمع المغربي ككل الذي لا يُلقي بالاً للمشكلة.

وعلاوة على ذلك، يتفاقم مصير النساء الحمّالات المغربيات سوءاً في ظل التأثير المزدوج لتدفق المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والتطرف الديني المتفشي. فقد نوه تقريرٌ صدر في عام 2016 حول الأمن القومي في جيب سبتة باعتباره واحداً من البؤر الرئيسية للإسلام المتطرف في إسبانيا، إلى جانب كاتالونيا ومدريد ومليلية. وتعتبر سبتة موطناً لمجتمع إسلامي متطرف وتسعى لإنشاء علاقاتٍ مع الإسلاميين في غيرها من البلدان الأوروبية. وبين عامي 2013 و2016، تم احتجاز ما نسبته 20,3% من الأشخاص المحكوم عليهم بسبب أنشطة متعلقة بالتطرف في سبتة.

تُشكل العوامل والعواقب المترتبة على محنة النساء البغال، مجتمعةً، قضيةً ملحة لكلٍ من المغرب وإسبانيا. ومن المرجح أن يقود عمل المجتمع المدني في كلا البلدين إلى التغيير في المستقبل.