دانا حوراني
في 6 نيسان/أبريل 2022 قُتل الكاهن القبطيّ، أرسانيوس وديد رزق الله ، في الإسكندريّة، مصر ، وذلك أثناء مرافقته مجموعة من الصّبيان من نادٍ بحريّ إلى حافلتهم. توفّي الكاهن في المستشفى متأثّرًا بجروحه، وكان قد بُتر شريان رئيس في عنقه جرّاء ثلاث طعنات.
ظُنّ المشتبه به في بادئ الأمر، نهرو توفيق المعرَّف بالسّتّينيّ ، مريضًا نفسيًّا، لكنّ التّحاليل النّفسيّة في ما بعد أظهرت عدم وجود أيّ دليل على اضطراب نفسيّ. كان توفيق بكامل وعيه وعلى دراية تامّة بأفعاله، نتيجة لذلك يُحتمل أن يواجه حكم الإعدام إذا أثبتت عليه تهمة القتل.
وبحسب تقارير وسائل الإعلام ، كان توفيق عضوًا في جماعة متطرّفة في التّسعينات من القرن الماضي وقد سُجن لتورّطه بأعمال إرهابيّة قبل أن يُطلَق سراحه بعفوٍ رئاسيّ عامّ.
واقعة متكرّرة
للمتعصّبين الدّينيّين تاريخ طويل من العنف والاضطهاد ضدّ المصريّين الأقباط، بخاصّة في ظلّ ولاية رئيس الجمهوريّة حسني مبارك وخلال ثورة كانون الثّاني/يناير 2011. وعلى الرّغم من التّهديدات الطّائفيّة والهجمات الظّاهرة، صرّح مراقبون اجتماعيّون لفنك باستعادة المجتمع القبطيّ إحساسه بالأمان في الوقت الراهن، في ظلّ حكم عبد الفتّاح السّيسي.
قال سيلا، وهو صانع أفلام في الرّابعة والثّلاثين من عمره، لفنك إنّه كقبطيّ شعر بالأمان لمعرفته بأنّ مجتمعه محميّ بتطبيق الدّولة السّريع للقانون، وأحدث إثبات على ذلك هو محاكمة توفيق العاجلة.
كما أضاف: “لقد شهدنا جرائم كراهية مروّعة في ما مضى، لذا من الجيّد أخيرًا أن نرى مظهرًا من مظاهر النّظام.”
تاريخيًّا
لطالما شكّل المصريّون الأقباط الأقلّيّة في مصر، لكنّ معاودة ظهور التّعصّب الإسلاميّ في السّتّين سنة الماضية تزامن مع ارتفاع نسبة الإجحاف بحقّهم. يشكّل الأقباط حاليًّا ما يصل إلى 10% من الـ95 مليون مصريّ.
الأقباط مجموعة قوميّة دينيّة من مسيحيّي شمال إفريقيا، عاشت في مصر والسّودان الحديثتين منذ القدم. وكان قد أتى القدّيس مرقس ، وهو أحد المبشّرين المسيحيّين الأوائل، بالدّين المسيحيّ إلى مصر في القرن الأوّل ميلاديّ. إنّ المصطلح اليونانيّ Egyptus هو أصل تسمية الأقباط Coptic.
وأكثريّة الأقباط الإثنيّين في يومنا هذا من الأرثوذكس ، الطّائفة المسيحيّة الرّئيسة في مصر، كما في السّودان وليبيا. وقد استخدم الأقباط عبر التّاريخ اللّغة القبطيّة المنحدرة مباشرة من الدّيموطيقيّة المُستخدَمة في أواخر العصور القديمة.
وهم يتّبعون رزنامة مصر القديمة الّتي تتألّف من 13 شهرًا، كما يحتفلون بعيد الميلاد المجيد في 7 كانون الثّاني/يناير.
وبحسب الأب مكسيموس الأنطونيّ ، فقد تطوّر المعتقد القبطيّ في العقد الماضي بشكل أساسيّ بسبب تحديث شروط الرّهبنة القديمة وذلك للتّخفيف من صرامتها.
في مصر ثلاث طوائف قبطيّة: البروتستانتيّة، الكاثوليكيّة، والأرثوذكسيّة الّتي تضمّ العدد الأكبر من الأتباع. تتبع أكثريّة الأقباط بابا الكنيسة الأرثوذكسيّة في الإسكندريّة، الأنبا تواضروس الثّاني، لكنّ عائلة سيلا، وهم بروتستانت من جنوب أسيوط، يدعمون الكنيسة الإنجيليّة. وكانت المرّة الأولى في هذه المدينة تحديدًا الّتي يتعرّض فيها سيلا للاضطهاد.
اضطهاد مناطقيّ
نشأ سيلا في أسيوط، منطقة تضمّ عددًا كبيرًا من السّكّان، وبحسب أقواله لا تتعايش فيها عمومًا الطّوائف المختلفة؛ يبقى المسيحيّون بين المسيحيّين فيما يبقى المسلمون بين المسلمين.
أعلمنا أيضًا بأنّ “الكثيرون في الجنوب ما زالوا يتمتّعون بعقليّة قبائليّة، بحيث يتشبّثون بتقاليدهم ولا يتواصلون إلّا مع من هم في محيطهم المباشر. في المقابل، يتمثلُ سكّان القاهرة بأنهم أكثر انفتاحًا وعالميّة.”
ونضمّ إلى هذه الأقوال ما أفاد به عالم الاجتماع، – القبطيّ مرقس (اسم مستعار)، – فناك بأنّ القبطيّون مهدّدون بالخطف والقتل خارج المناطق السّياحيّة، وتحديدًا في شمال سيناء.
وأضاف: “لقد نزح معظم المسيحيّون، الّذين كانوا يعيشون في شمال سيناء، بسبب الاضطهاد المتعمّد والعنف، الّذي شرّع أمامهما الأبواب عدم تطبيق القانون في المنطقة.”
عِقْب ثورة كانون الثّاني/يناير 2011، هرب العديد من الأقباط من البلد لاجئين إلى الأمم المتّحدة الأميركيّة وكندا وأستراليا. ويؤكّد كلا سيلا ومرقس على أنّ السّنتين اللّتين تلتا الثّورة مباشرة، أي 2012 و2013، شهدتا أعلى نسب من العنف المجتمعيّ.
بحسب جريدة هيومن رايتس ووتش الرّقميّة، اتّهم الإخوان المسلمون المناضلون المسيحيّين الأقباط بأنّهم المحفّز الأساسيّ لإقصاء رئيس الجمهوريّة محمّد مرسي، ولذلك سعوا إلى الانتقام. يتذكّر سيلا حرق ما يقارب 200 كنيسة وبيتًا مسيحيًّا في أسيوط والمنيا ونهبها.
إضافة إلى ذلك، بثّ أعضاء من الإخوان المسلمين في عام 2013، رسائل محرّضة يتّهمون فيها المسيحيّين الأقباط بدعم موت المسلمين. نتيجة لذلك، وفي فترة ما قبل عيد الفصح عام 2017، جُرِّدت امرأة في السّبعين من عمرها من ملابسها واستُعرضَت في كلّ أنحاء القرية الجنوبيّة، كذلك فجّر انتحاريّ نفسه في كنيسة في صلب القاهرة مسبّبًا مقتل 44 شخصًا.
أمّا في ما يتعلّق بمقتل كاهن الإسكندريّة حديثًا، يلوم سيلا الوجود الإسلاميّ المتطرّف الواسع إنّما المقموع في المدينة. ويعتقد أنّ المحفّز الأكبر على الجريمة هو المسلسل الرّمضانيّ الجدليّ “الاختيار”، الّذي أعاد تمثيل احتجاجات 2013 المؤدّية إلى إقصاء المرسي. أثار المسلسل معمعة بين المشاهدين، فالبعض يقول إنّ الأحداث المعروضة خاطئة فيما يعتقد البعض الآخر أنّها دقيقة.
الأقباط اليوم
يقول مرقس إنّ الأقباط قلقون بشأن هجمات قد تحصل أثناء الاحتفالات الدّينيّة بعيد الفصح الأرثوذكسيّ الواقع في 24 نيسان/إبريل من هذا العام 2022. لكنّه يشير إلى أنّه لم يكن للعنف والخوف أيّ أثر على التّقاليد القبطيّة أو تصميم النّاس على الاحتفال في ما مضى.
تتضمّن صلوات الجمعة العظيمة، بحسب مرقس، ترانيم تعود إلى مصر القديمة وهي عادة ما تُتلا حتّى الغسق. بعدها تبدأ صلوات جديدة تمتدّ بين ليل الجمعة وصباح السّبت. وتُختَتَم الاحتفالات الفصحيّة في الكنيسة القبطيّة بوليمة عيد القيامة.
وبعض الأطباق التّقليديّة المقدَّمة في هذه المناسبة هي الطّعميّة (فلافل) والفاصولياء المسلوقة.
على الرّغم من دعم الحكومة المصريّة الحاليّة المجتمع القبطيّ من خلال “مبادرات ودّيّة” كحضور رئيس الجمهوريّة السّيسي قدّاس عيد الميلاد المجيد القبطيّ عام 2015، وكانت هذه المرّة الأولى الّتي يحضر فيها رئيس مصريّ هذا الحدث، يعتقد مرقس أنّ هذه المبادرات سطحيّة وغير كافية.
في هذه الأثناء، شرّعت الحكومة قانونًا جديدًا في آذار/مارس ينصّ على ضرورة تضمين كلّ المدن الحديثة المنشأ مشروع بناء كنيسة في مشاريعها الحضريّة وتخطيطاتها الإداريّة، حتّى ولو “سيحضر إلى الكنيسة الّتي ستبنى 100 شخص، يجب أن تُبنى على أيّ حال، لكي لا يضطرّ أحد إلى الاجتماع في شقّة سكنيّة أو تقديم بيته الخاصّ ككنيسة”، هذا ما أدلى به السّيسي في ذاك الوقت.
صدر القانون على ضوء اتّخاذ العديد من الأقباط منازلهم كأماكن للعبادة. وبحسب مرقس، اضطرّ العديد من الأقباط لأن يحوّلوا منازلهم إلى أماكن عبادة نتيجة لتدمير كنائسهم ورفض السّلطات في الوقت عينهِ إصدار تراخيص بناء جديدة.
ويكمل “أظنّ أنّهم يفعلون ذلك لتجنُّب استفزاز المسلمين المتطرّفين، ولكنّ ذلك يؤدّي إلى كنائس غير مرخّصة لا تحميها الدّولة وتكون أكثر عُرضة لهجمات المتطرّفين.”
يتابع مرقس بقوله إنّ طريقة محاربة التّعصّبتكمن في تطوير المناطق الرّيفيّة وإنّ “على الدّولةإستكشاف وإستثمار الأجيال الصّاعدة ذات إمكانيّة الوصول المحدودة إلى مختلف أشكال التّعليم والتّرفيه والمحصورة فقط بالتّعاليم الدّينيّة.”
ويختتم أقواله بالتّصريح التّالي “بناء دور السّينما، والمرافق الثّقافيّة، والمكتبات يوفّر للنّاس فرصة التّفكير بطريقة مختلفة، وذلك قد يساعدهم على محاربة التّطرّف. إذ سينشغل الأطفال بأنشطتهم لدرجة عدم انجذابهمإلى مجموعات متطرّفة.”