وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

سر اهتمام إيران بالشأن السوري

Iran is a longtime ally of Syrian President Bashar Assad and has provided crucial economic and military backing throughout the uprising and subsequent civil war.
مشيعين إيرانيين يحملون نعش عبد الله باقري نياراكي، الحارس الشخصي السابق للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، الذي قتل أثناء القتال في حلب في سوريا, طهران, إيران, 29 أكتوبر 2015. Photo AP/Vahid Salemi

عندما اندلعت شرارة الثورة السورية في مارس 2011، احتدم النقاش في أروقة طهران حول كيفية التصرف، إذ ينبع هذا من العديد من العوامل التاريخية والحديثة. ولا يمكن لأي إيراني أن ينسى الدعم السوري لإيران في خضم حرب الثماني سنوات مع العراق (1980-1988)، عندما وقفت جميع الدول العربية تقريباً ضدها وغطت تكاليف حرب العراق على إيران.

وعلاوة على ذلك، دعمت كلا البلدين حماس وغيرها من حركات المقاومة الفلسطينية الراديكالية. كما خلق تعاونها مع لبنان، بهذا الصدد، ودعمها المنسق لحزب الله الشيعي، إرثاً تمت المراهنةُ عليه في المنافسات الإقليمية مع ما يُسمى المعتدلين العرب. من منظورٍ إستراتيجي، فإن التهديد المشترك المصوّر بعد وصف الرئيس الأمريكي، جورج بوش، لإيران في عام 2001 باعتبارها محور الشر، وباعتبار سورية دولة مارِقة، مهد الطريق لظهور ما بات يُعرف باسم محور المقاومة، وهو إطار يرسم الخيارات الاستراتيجية الموحدة التي أدلت بها كل من دمشق وطهران على المستوى الإقليمي.

ولذا، يُمكن للمرء أن يتصور سبب رد الفعل الإيراني لتطور الأحداث على الساحة السورية، بعد أن بدأت الاحتجاجات ضد النظام السوري في عام 2011، والذي لا يمكن مقارنته بموقف البلاد من الثورة المصرية أو التونسية. ومنذ عام 2011، يمكن تقسيم تورط إيران بالأزمة السورية إلى أربع مراحل:

1.       التردد تجاه الانتفاضة, الذي رافقه نقاش محتدم في إيران حول كيفية الرد.

2.       الدعم السياسي والإعلامي منذ أغسطس 2011، بعد انسحاب السفير السعودي من دمشق وبدء دعم الرياض للمتمردين السوريين.

3.       إرسال المتطوعين لحماية المزارات والأماكن الشيعية المُقدسة، إلى جانب تدخل حزب الله في سورية بعد أن أصبح واضحاً عدم قدرة الجيش السوري على حمايتها.

4.      إرسال مستشارين عسكريين  إلى دمشق ثم إلى المحافظات الأخرى لإعادة توازن القوى على الأرض.

إن تورط إيران ليس سراً، وهناك تقارير غير رسمية تُشير إلى وجود أعداد كبيرة من الأفراد العسكريين الإيرانيين العاملين في سورية، فضلاً عن ذلك، تحظى جنازات الجنرالات والضباط الآخرين رفيعي المستوى الذي قتلوا في سورية باهتمام شعبي كبير. وعلى الرغم من توفر العديد من المعلومات عن تورط إيران في سورية، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو، ما سبب اهتمام إيران الشديد في الحفاظ على سورية الأسد؟

تعتمد رواية إيران على ثلاثة عناصر:

1.الحفاظ على محور المقاومة: وفقاً للرواية الإيرانية حول الربيع العربي، تُحاك مؤامرة ضد سورية بسبب تحالف الأسد مع إيران وحلفائها. إيران هي الهدف الرئيسي، والأسد ليس سوى هدف هامشي يُستخدم لاحتواء الدور الإيراني الإقليمي في الشرق الأوسط، وبالتالي، فإن الدفاع عن الأسد وسيلة للدفاع عن مصالح وأمن إيران في المنطقة.

2.       الحفاظ على “الخيار السوري”:  تتمثل الرواية الإيرانية الثانية بأن هناك أولئك الذين يحاولون فرض الخيارات الاستراتيجية الخاصة على إرادة السوريين. وهي، وفقاً لإيران، مؤامرة خارجية تهدف إلى تحدي أي شكل من أشكال الحاكم المستقل، بغض النظر عما إذا كان دكتاتوراً أو منتخباً بطريقة ديمقراطية. وفي المقابل، تصر إيران على حق السوريين في تقرير المصير، وأن أي تغيير في سورية يجب أن يكون خياراً سورياً بحتاً، وليس مفروضاً عليهم، هذا وفقاً للقائد الأعلى الإيراني.

3.       حماية “الأقليات:   لا يمكن مقارنة ضرب عنق الحكومة السورية بالإطاحة بمبارك أو بن علي، لأن ذلك سيؤدي إلى القضاء على حقوق الأقليات وحتى وجودها في سورية. لذلك، يُنظر إلى نضال الأقليات دعماً للأسد، والدعم الإيراني له، باعتباره حماية لوجودها.

ومع ذلك، إلى جانب هذه النقاط، يمكن للمرء بسهولة، بالقراءة ما بين السطور، تتبع مضامين الرواية الإيرانية والأسباب الجذرية الأخرى لرغبة إيران في الحفاظ على الوضع الراهن في سورية. هناك أربع نقاط تلخص الأسباب الجذرية لسلوك ايران الاستراتيجي في سورية:

1.       توازن القوى في المنطقة:  لا يمكن فهم الأساس المنطقي لتورط إيران في سورية إلا ضمن إطارٍ إقليمي. ينظر إلى الحرب السورية في طهران كخطوة من قبل منافسي وأعداء إيران للحد من نفوذها في المنطقة. وهكذا، فإن الدفاع عن النظام السوري هو دفاعٌ عن دور إيران الإقليمي ضد المحور السعودي. وفي هذه الحالة الفوضوية، لا تمتلك طهران خياراً آخر سوى القتال في الخطوط الأمامية لهذه الحرب لإعادة تأسيس ميزان القوى في المنطقة.

2.       موازنة التهديد الإسرائيلي:   يعتبر التهديد الإسرائيلي ضد إيران في غاية الأهمية للنخبة الرائدة الإيرانية، التي لطالما شغلتها التهديدات الإسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية، وقتل العلماء النوويين الايرانيين، والتدخل في كردستان العراق المجاورة، وغيرها من القضايا المتعلقة بالأمن القومي الإيراني. إن حماية الحلفاء على حدودها هو التدبير الموازِن الرئيسي الذي يمكن لإيران إتخاذه خلال حظر الأسلحة المفروض على إيران.

3.       محاربة التطرف في الخارج:  بالنسبة للإيرانيين، تشكّل الجماعات السُنية المتطرفة تهديداً ضد إيران وحلفائها، ولذلك فمن المهم إبقاؤها بعيدة قدر الإمكان عن الحدود الإيرانية. وبدى ذلك واضحاً عند تقدم تنظيم الدولة الإسلامية في الأراضي العراقية عام 2014. آنذاك، أعلنت إيران أن أي تقدم نحو حدودها سيعتبر تهديداً للأمن القومي، وسوف يتم التعامل معها على هذا الأساس. وهكذا، فإن بقاء تنظيم الدولة الإسلامية وغيرها من التنظيمات المماثلة بعيداً عن الأراضي الإيرانية وإذلالها وإلحاق الهزيمة بها يقع على سُلم أولويات إيران. ووفقاً لوزير الخارجية الإيراني، ظريف، يعدّ هذا أولوية إيرانية في عام 2015.

4.       الهيبة الإقليمية والدولية:   تعتبر الكاريزما والهيبة غاية في الأهمية للنخب الحاكمة في الشرق الأوسط، ومن بينهم الإيرانيين. يُعدّ التمسك بالرواية الخاصة والدفاع عن الحلفاء على الرغم من التكاليف الضخمة مسألة مرموقة في منطقة تحكمها المنافسات. وإلى جانب التصور الاستراتيجي الذي يقود إيران للدفاع عن حلفائها ضد خصومها، والحفاظ على صورة البلاد، من وجهة نظر داخلية، يجعل من الضروري وقوف إيران مع حلفائها. وفي هذا الصدد، يقع الأسد نفسه خارج دائرة الأهمية، ولكن موقف ايران ضد المؤامرة العالمية، وفقاً للرواية السائدة مسألة مهمة، داخلياً وإقليمياً.

Advertisement
Fanack Water Palestine