وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أسباب وتداعيات الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (5+1)

Causes and repercussions of Iran's nuclear deal
إيرانيون يحتفلون في طهران بالاتفاق النووي, إيران, 14 يوليو 2015. Photo Rouzbeh Fouladi/NurPhoto

بعد الأزمة التي استمرت اثني عشر عاماً حول النشاط النووي الإيراني و20 شهراً من المفاوضات المكثفة، توصلت إيران ومجموعة (5+1) (الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا) إلى اتفاق في 14 يوليو 2015، للحدّ من قدرة إيران على استخدام اليورانيوم أو البلوتونيوم في الاسلحة مقابل تخفيف العقوبات. وقد أثيرت العديد من الأسئلة منذ ذلك الحين، والتي من أهمها لماذا قبلت إيران بصفقة من شأنها كبح طموحاتها النووية ووضعها تحت مراقبة دولية صارمة.

وحتى مع قبول إصرار إيران على سلمية برنامجها النووي، إلا أنه لا يزال هناك العديد من الأسئلة المطروحة حول سبب استعداد إيران في الوقت الحالي فقط على القبول بالصفقة وعما إذا كانت إيران قد رفضت حقاً التسوية المطروحة عن طريق المفاوضات في البداية. ووفقاً للمعلومات التي سُربت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2008، اقترحت إيران عام 2003 صفقةً تتضمن تسويةً بشأن أنشطتها النووية ودورها الإقليمي. “إلا أنّ أحداً لم يأخذ الصفقة محمل الجد- وبالتالي لم يحصل شيء،” صرّح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في مقابلةٍ مع قناة ABC في نوفمبر 2013. وبالتالي، كانت إيران مستعدةً لتسوية الخلاف حول برنامجها النووي بحلولٍ وسطية، إلا أنّ الرفض الأمريكي بمجرد الإطلاع عليها في ذلك الوقت أدى إلى نهج أكثر تشدداً من جانب طهران، والذي عززه انتخاب الرئيس أحمدي نجاد في عام 2005.

خلال ولاية أحمدي نجاد، تشبث فريقه التفاوضي بفكرة أنّ مقاومة ضغوط القوى الغربية من شأنه أنّ يقودهم إلى اتباع نهج أكثر واقعية اتجاه إيران. أوصل هذا النهج الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي وأدى إلى فرض عقوبات بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. الملف النووي والطريقة التي تعاملت معه إدارة أحمدي نجاد أثار جدلاً حاداً خلال حملة الإنتخابات الرئاسية عام 2013. وانتقد روحاني، من بين مرشحين آخرين، سعيد جليلي، رئيس فريق التفاوض الايراني الذي كان أيضاً مرشحاً للرئاسة آنذاك، حيث أكدّ أنه سيغير طريقة تعامل ايران مع المجتمع الدولي في حال تم انتخابه.

روحاني، الذي وعد خلال حملته الانتخابية بخلق المزيد من فرص العمل وخفض نسبة الفقر، كان يُدرك تماماً الآثار المدمرة لعقوبات الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الاقتصاد الإيراني الريعي. وبالتالي، بعد توليه مقاليد الحكم، أوضح روحاني وإدارته أن النخبة الحاكمة تركز على البرنامج النووي باعتباره مفتاح انفراج العقوبات وإنهاء الركود الاقتصادي. وتم تمرير الملف النووي من المجلس الأعلى للأمن القومي بإيران إلى وزارة الشؤون الخارجية، التي تعمل تحت إشراف الرئيس روحاني. وعلى الرغم من خطابه حول وضع الدول المجاورة لإيران على رأس جدول أعمال سياسته الخارجية، إلا أنّ وزير الخارجية الجديد، ظريف، قضى الكثير من وقته في المفاوضات مع نظرائه من مجموعة (5+1).

في المحصلة، دفعت ثلاث أسباب رئيسية النخبة الحاكمة في إيران إلى التصرف بجدية مع مجموعة (5+1) والتوصل إلى اتفاق:

  • المصاعب الاقتصادية:
فاقمت العقوبات الوضع الاقتصادي الكارثي بالفعل، والذي شكّل إرث رئاسة أحمدي نجاد. فضلاً عن ذلك، فإن الخوف من أن يؤدي هذا إلى تهديد النظام الإسلامي الإيراني ، نتج عنه اختيار وانتخاب روحاني، الذي فضّل الحلول الوسط فيما يتعلق بالبرنامج النووي كوسيلة لرفع العقوبات وتحسين الوضع الاقتصادي، حيث كان هو نفسه عضواً يتمتع بالثقة من هذا النظام.

  • الطلب الشعبي:
كان الطلب الذي يتمثل بإيجاد حلٍ للقضية النووية وغيرها من الاختلافات مع المجتمع الدولي جلياً في الانتخابات الرئاسية وفي الاحتفالات، التي اجتاحت طهران والمدن الرئيسية الأخرى، والتي رحبت بكل خطوة يتم اتخاذها نحو تحقيق اتفاق نهائي. وفي نهاية المطاف، جعلت هذه المطالب الشعبية الأمر أكثر سهولة بالنسبة لروحاني للتغلب على انتقادات منافسيه.

  • الانفتاح على العالم:
بالإضافة إلى الشباب الذين يُطالبون بالانفتاح على العالم، هناك أيضاً سياسيين إصلاحيين يرون أن مثل هذا الانفتاح هو شرطٌ مسبق للديمقراطية وإصلاح النظام السياسي. وعلى الرغم من أنه لا يمكن اعتبار روحاني مصلحاً، إلا أنه يتلقى الدعم من الإصلاحيين حيث أن منافسيه الرئيسيين هم الساسة المحافظين الرافضين للإصلاح. وبالتالي، فهو يقف إلى جانب الإصلاحيين في هذا الصدد.

والآن، بما أنّ إيران قد توصلت إلى إتفاقٍ مع المجتمع الدولي حول برنامجها النووي، فمن المتوقع أن ينمو التنافس الداخلي بين الفصيلين الرئيسيين، الإصلاحيين والمحافظين. وبالفعل، فقد بدأت أصوات انتقادات الاتفاق النووي تعلو، حيث ذهبت بعض الشخصيات المحافظة إلى حدّ إتهام روحاني والوفد المفاوض بالخيانة. وبالتالي فمن المتوقع أن تمارس المعارضة السياسية ضغوطاً كبيرة على الإدارة، وذلك بشكلٍ أساسي من خلال البرلمان والشخصيات المحافظة في غضون العامين المقبلين. في المقابل، يحاول روحاني سدّ الفجوة التي قد تُضعف علاقته مع المرشد الأعلى، فهو يراهن بالحفاظ على آية الله علي الخامنئي إلى صفه لحمايته ضد خصومه السياسيين.

وبالإضافة إلى التنافس السياسي، هناك أيضاً تصاعد الضغوط السياسية على الإدارة. ولطالما ركزّ خطاب روحاني وظريف، بشكلٍ أساسي، على المكاسب التي ستحصل عليها إيران نتيجة تخفيف العقوبات بعد التوصل إلى الإتفاق، حيث حظيّ هذا الخطاب بقبولٍ جيد من قِبل الطبقات الأكثر ثراءً في المجتمع ومن قِبل الشباب، إذ أنّ غالبية الفقراء يشككون بحصولهم على أي مكاسب، على المدى القصير على الأقل. فضلاً عن ذلك، يواجه روحاني مهمة أكثر صعوبة في جلب أصحاب المصلحة من ذوي الثقل في الاقتصاد الإيراني- الحرس الثوري والبونيادات المختلفة، وهي مؤسسات خيرية ضخمة- على قائمة أجندته للإصلاح الاقتصادي. ومن المتوقع أن يستخدم أصحاب المصلحة هؤلاء السُلطة التي يتمتعون بها لايقاف الإدارة من تغيير الهيكل الاقتصادي بسرعة كبيرة، حيث يُتوقع أن يكونوا الطرف الخاسر في خضم هذه التغييرات. ومن المتوقع أيضاً أن يشكل هذا تحدياً كبيراً على جدول الأعمال الاقتصادي والسياسي لإدارة روحاني، كما سيحاول روحاني بدايةً استرضاء أصحاب المصلحة هؤلاء من خلال منحهم تخفضيات ضريبية، وعقوداً مُيّسرة، وغيرها من الوسائل الاقتصادية، على أمل أن تتمكن إدارته، وفي ظل تخفيف العقوبات وعلى المدى الطويل، من تقوية شكوتها ضد معارضي سياساته في التغيير.

Advertisement
Fanack Water Palestine