وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حرب الاستنزاف

ليس من المستغرب أن يبحث العراق عن مخرج من الحرب بأسرع وقت ممكن، غير أن القادة الإيرانيين فكروا بشكل مختلف. فقد أرادوا إسقاط نظام صدام حسين، المسؤول عن اندلاع الحرب، واستبداله بجمهورية إسلامية. فشنت إيران هجمات واسعة النطاق لتحقيق هذا الهدف، ولكنها لم تحرز أي اختراق؛ وقد فرض الصراع طابع حرب الخنادق: بالكاد تم احتلال أي أرض، بل كانت الخسائر فادحة لكلا الجانبين. كرر العراق استخدام الأسلحة الكيماوية ضد القوات الإيرانية، منتهكاً التزاماته بالمعاهدات الدولية. في شباط/فبراير عام 1986، بدا وكأن هجوماً إيرانياً كبيراً على شبه جزيرة الفاو قد غيّر مجرى الحرب. وأدت الضغوط التي مارستها القوات الإيرانية في الأشهر التالية إلى تدخل الغرب علناً لمساعدة العراق عام 1987. وكان من بين الإجراءات التي قام بها الغرب إرسال وحدة بحرية إلى الخليج الفارسي مهمتها حماية ناقلات النفط العراقية من الهجوم الإيراني. وسمح لجميع الناقلات التي تحمل النفط العراقي برفع علم الولايات المتحدة الأمريكية، كما أعطيت قوات الجو العراقية على ما يبدو الموافقة لشن عدد غير محدود من الهجمات على ناقلات النفط الإيرانية والمرافق الإيرانية على الأرض. أدى تراجع عائدات النفط إلى إضعاف قدرة إيران على مواصلة الحرب. عام 1988، وبدعم مالي واسع من الكويت والمملكة العربية السعودية ودعم اقتصادي وعسكري ودبلوماسي من الكتلة الغربية والشرقية على حد سواء، وبفضل العمليات العراقية العسكرية الناجحة، رجحت كفة الميزان مرة أخرى لصالح العراق. في ظل هذه الظروف، اختار حكام إيران تثبيت وجود جمهوريتهم الإسلامية حديثة العهد ومواقعهم فيها. وفي 18 تموز/يوليو عام 1988، أبلغت إيران الأمين العام للأمم المتحدة عن موافقتهم على القرار 598 الذي أقره مجلس الأمن الدولي عام 1987. وهذا ما دعا كلا الطرفين إلى وقف إطلاق النار والانسحاب إلى الحدود المعترف بها دولياً وتبادل أسرى الحرب. تم إعلان وقف إطلاق النار في 20 آب/أغسطس عام 1988، ولم ينتهك منذ ذلك الحين. دفع كلا البلدين ثمناً باهظاً للحرب التي استمرت ثماني سنوات. ووفقاً لتقديرات متحفظة، قُتل 105,000 من الجانب العراقي وضعف هذا العدد تقريباً من الجانب الإيراني؛ أما عدد الجرحى فكان أكثر بضعفين إلى ثلاثة أضعاف. واضطر عشرات الآلاف من المدنيين إلى الفرار من الأعمال القتالية. وصلت تكلفة الحرب في العراق إلى ما يزيد عن 500 مليار دولار (تتضمن شراء الأسلحة وخسارة الدخل والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، الخ)، وهي تكلفة ضخمة بالنسبة لبلد نامٍ. كان لدى العراق احتياطيات نقدية كبيرة عشية الحرب، إلا أنه أصبح تحت وطأة ديون هائلة مع بداية وقف إطلاق النار.