وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

العراق٫ عيون على كركوك

جنود بشمرغا يعرضون علم كردستان,جنوب كركوك, تموز/يوليو 2014 Photo SIPA Press
جنود بشمرغا يعرضون علم كردستان,جنوب كركوك, تموز/يوليو 2014 Photo SIPA Press

المقدمة

في ثلاثينيات القرن العشرين – وعلى مدى العقود التالية، حتى قبل اكتشاف احتياطات النفط الأكبر في الجنوب – كانت كركوك أهم مركز لإنتاج النفط العراقي وأصبحت ذات أهمية إستراتيجية كبيرة للحكومات المتعاقبة في بغداد كما للأكراد. غير أنه منذ تشكيل العراق في عشرينات القرن العشرين، كان الأكراد في حالة حرب مع تلك الحكومات ذاتها حول تقرير المصير. وبما أن الأكراد كانوا يشكلون أغلبية طفيفة من سكان المدينة – كما أكد الإحصاء الأخير المعتمد (1957) – تم اتخاذ خطوات منذ ثلاثينيات القرن العشرين لتعزيز قبضة بغداد على المنطقة.

أعيد رسم حدود المدينة بعد سقوط إحدى الثورات الكردية الرئيسية عام 1975، وفقدت ثلث أراضيها وثلث سكانها الأكراد. وأعيدت تسمية ما تبقى من المدينة بـ “التأميم” (إشارة إلى نجاح تأميم صناعة النفط العراقي قبل ثلاث سنوات). تمت سرقة ممتلكات عدة آلاف من الأكراد (كما التركمان والآشوريين) وترحيلهم إلى مناطق أخرى من العراق. وفي حملة الأنفال لمكافحة التمرد عام 1988، استهدفت القوات العراقية القرى الكردية بشكل خاص شمال وغرب مدينة كركوك، مما أسفر عن مقتل الآلاف.

العراق الاكراد
تفكيك المحافظات الكردية

رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود بارزاني
رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود بارزاني

بعد سقوط نظام صدام حسين، نجح الأكراد في تكريس الحكم الذاتي الفعلي، والذي بدأ منذ عام 1991. اقتصرت المنطقة الكردية رسمياً على المحافظات الشمالية الثلاث دهوك واربيل والسليمانية، على الرغم من أن أجزاء من المحافظات المجاورة، والتي يقطنها الأكراد بشكل أساسي، أصبحت تحت السيطرة المباشرة لحكومة إقليم كردستان أيضاً. أراد الأكراد ضم تلك الأجزاء من البلاد إلى المنطقة الكردية في دولة العراق الفدرالية.

تم وضع إجراءات لحل لهذه القضية في المادة 140 من الدستور الجديد: 1) عودة المرحّلين ( الأكراد وغيرهم) وإعادة الممتلكات المسروقة. 2) إجراء إحصاء لتحديد المؤهلين للتصويت. 3) استفتاء حول وضع كركوك، والذي يشير به الناخبون ما إذا كان يجب أن تصبح المنطقة التي يعيشون فيها جزءً من المنطقة الكردية أم لا. وتم تقديم تعويضات مالية للمستوطنين العرب الذين كانوا على استعداد للمغادرة والعودة إلى أماكنهم الأصلية. تم تحديد إجراء الاستفتاء في 15 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2007، ولكن بغداد وأربيل لم تتوصلا إلى حل لخلافاتهم، وذلك لـ “أسباب تقنية”.

وتم لاحقاً تحديد مواعيد عدة، ولكن دون نتيجة. وظهر بأن هناك نقص في الإرادة السياسية لبغداد للتعامل مع هذه القضية فيما اعتبروه الطريقة المتفق عليها، وذلك في محاولة للحد من سلطة حكومة إقليم كردستان وترك الحكومة المركزية تتحكم بعائدات النفط. كان هذا الوضع صعب القبول بالنسبة للأكراد، وأصبح مصدراً متنامياً للتوتر مع العرب وسكان كركوك من التركمان وغيرهم.

كانت الإشارة التي تبعث على القلق هي الزيادة المطردة للعنف، ليس فقط في مدينة كركوك، وإنما أيضاً في مناطق أخرى مثل مدينة الموصل. وفي إحدى المناسبات، في خانقين الواقعة في محافظة ديالى في أيلول/سبتمبر عام 2008، كانت قوات مسلحة من الأكراد وقوات تابعة للحكومة المركزية على شفا مواجهة عنيفة، بعد أن حاولت قوات حكومية الاستيلاء على بعض المرافق في الأحياء الفرعية المختلطة السكان في مدينة خانقين، والتي كانت في أيدي القوات الكردية منذ عام 2003. غير أنه تم نزع فتيل الأزمة بسرعة بوساطة من الولايات المتحدة.

السيطرة الكردية

دفن التركمان الذين قُتلوا في توز خورماتو من قبل الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش), 23 حزيران/يونيو 2014 / Photo Anadolu Agency
دفن التركمان الذين قُتلوا في توز خورماتو من قبل الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش), 23 حزيران/يونيو 2014 / Photo Anadolu Agency

الخِلاف بشأن ضم  مدينة كركوك (الى إقليم كردستان شبه المستقل) والذي لقى احتجاجا قويا من قبل الحكومة المركزية العراقية سيستمر على مدى السنوات القليلة القادمة. وعلى الرغم من ذلك, فقد استفاد اقليم كردستان عام 2014 من القتال الذي اندلع بين الجيش العراقي وجماعات الدولة الإسلامية في العراق و الشام من اجل كبح تقدم تلك الجماعات التي كانت في طريقها للسيطرة على مدينة كركوك, فقد قامت القوات التابعة للجيش العراقي (يونيو/ حزيران 2014) بتسليم مهامها وأسلحتها إلى قوات البيشمركة و التي انتشرت وبشكل كبير في المدينة من أجل حمايتها من الهجمات المسلحة.

ووفقا لخريطة تم وضعها ما قبل عام 1975، فقد سيطرت قوات البيشمركة على أجزاء واسعة من محافظة كركوك وديالى و نينوى، وصلاح الدين، والتي كانت تُعد لفترة ليست بقصيرة بمثابة أراضي و مناطق مُتنازع عليها.

و في تحد للحكومة المركزية العراقية,تعهد مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان أن يفعل كل ما بوسعه من أجل حماية  تلك الأراضي و بقائها تحت سيطرة حكومة إقليم كردستان وأكد مرارا وتكرارا أنه لا عودة إلى الوراء لحكم العراق, و أكد ايضا أن المادة 140 عفي عنها الزمن,في حين تقف بغداد عاجزة و مكتوفة الايدي عن اتخاذ اي اجراء تجاه الساسة في إقليم كردستان.

و على الرغم من أن الحكومة الكردية وفرت جوا لكثر امنا في مدينة كركوك بعد أن تمت السيطرة عليها، فقد سادت حالة من التوتر مدينة كركوك, و بقيت المدينة هدفا لهجمات انتحارية من قبل جماعات الدولة الإسلامية في العراق و الشام, و التي كانت، في الوقت نفسه، أعادت تسمية نفسها “بالدولة ألإسلامية” وأعلنت ولادة الخلافة في مناطق عراقية وسورية, بعد أن وقعت تلك المناطق تحت قبضة تلك الجماعات المتشددة. و في 23 اغسطس، على سبيل المثال، لقى 31 حتفهم عندما انفجرت ثلاث قنابل في منطقة مزدحمة في مدينة كركوك.

وعلاوة على ذلك، ففي الأسبوع الأول من سبتمبر رصدت المنظمة الدولية لحقوق الإنسان منظمة العفو الدولية تزايد التوترات الطائفية بين المجموعات العرقية والدينية الرئيسية و المتمثلة ب الأكراد والتركمان والشيعة والسنة العرب,و التي أدت إلى اعد امات تمت بدون محاكمة كاملة وعادلة في المدينة.

و لم تذعن و تلقى أي اهتمام المجموعات الرئيسية -كالتركمان والشيعة والسنة العرب- لسيطرة القوات الكردية, وذكرت أيضا منظمة العفو الدولية أن الانقسامات في المدينة وغياب الثقة في ازدياد, نتيجة الخوف من التهديد المتنامي التي تشكله الدولة الإسلامية.

في هذه الأثناء شهد انتاج النفط الخام في كركوك انخفاضا ملحوظا و الذي وصل نسبة 90 في المئة منذ يونيو, أي من 300،000 برميل يوميا إلى 30،000، مقارنة مع نفس الفترة في عام 2013, وفقا لما ذكرته وكالة رويتر.

و تٌعد مصفاة باجي أكبر مصفاة في مدينة كركوك، و التي تم إغلاقها بسبب الأضرار التي تكبدتها خلال القتال الدائر بين المقاتلين الاكراد والجهاديين التابعين للدولة الإسلامية, و لم تسلم منشآت نفطية أُخرى من الأضرار الناجمة عن القتال.

Advertisement
Fanack Water Palestine