وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الفنون في الكويت: استعادة الطابع التحرري

Sami Mohammed sculptor Kuwait culture
النحات الكويتي سامي محمد مع أحد أعماله في متحف الفن الحديث في مدينة الكويت في 4 أكتوبر 2018. Photo AFP

يعتبر الكويت بلدٌ فتي، إذ لم يكن هناك أي مستوطناتٍ تُذكر حتى قبل حوالي مائتي عام من الآن، إذ لم تكن تلك سوى مجرد مدنٍ بأسواقٍ صغيرة حيث كان يتبادل الصيادون والبدو من المناطق الصحراوية المحيطة بضاعتهم.

لذا من المنصف القول أنه عند التطرق إلى الفنون، لا يمكن للمرء فعل ذلك إلا منذ الطفرة النفطية التي بدأت في منتصف الأربعينيات، عندما ظهرت الدولة الخليجية الحديثة.

بالتطرق إلى الموضوع من منظورٍ إقليمي، تتمتع الكويت بتاريخٍ ثقافي مميز. يمكن للمرء وصفه بالتحول التاريخي، الذي شهد انتقال البلاد من كونها ملاذاً متحرراً للفنانيين من جميع أنحاء المنطقة إلى مكانٍ تقييدي تعاني فيه الفنون من رقابةٍ رسمية ومجتمعٍ متردد.

في الأيام الأولى للطفرة النفطية، كانت الكويت مثل الأسفنجة، فقد كان الكويتيون الذين يسافرون ويدرسون في الخارج يمتصون ويتبنون بصدق الفنون والثقافة الغربية ويعودون بها إلى الوطن. وعليه، أصبحت الكويت رائدةً في الحداثة.

كانت الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي السنوات الذهبية للفنانين المحليين، مثل النحات سامي محمد والرسام خليفة القطان، اللذان تغلبا على العقائد التقليدية والدينية ليتمتعا بالشعبية والنجاح.

تم افتتاح صالات عرض مثل سلطان غاليري، الموجودة إلى يومنا هذا، كما ازدهرت المسارح. كانت تلك أيضاً السنوات التي شهدت بناء مبانٍ حديثة مميزة صممها المهندسون المعماريون الأجانب مثل مبنى مجلس الأمة الكويتي (1972، يورن أوتسون)، وأبراج الكويت (1977، مالين بيورن)، ومنطقة الصوابر (1981، آرثر إريكسون)، أحد مجمعات الإسكان عالية الكثافة السكانية في الكويت.

لا يزال مبنى مجلس الأمة الكويتي وأبراج الكويت شامخان في أفق البلاد إلا أنه تم هدم منطقة الصوابر في أوائل عام 2019، بالرغم من الاحتجاجات وقضايا المحاكم من قِبل أولئك الذين كانوا يرغبون في إنقاذ التاريخ الثقافي الضئيل للكويت.

يعكس مصير الصوابر مصير العديد من الفنون، فمنذ ثمانينيات القرن العشرين، أصبحت البلاد متدينة بشكلٍ متزايد – وأصبحت اليوم تنافس المملكة العربية السعودية على النزعة المحافظة – مع عواقب وخيمة على الفنون.

تضاءل المشهد الفني واستولت العمارة غير المميزة على المشهد، إذ تستضيف مؤسساتٌ جديدة مثل دار الأوبرا التي افتتحت في عام 2016 والمركز الثقافي الذي افتتح في عام 2018، عروضاً ومعارض لا تنطوي على أي إثارة. تمتاز المباني التي تضمها بحجمها وتكلفتها وتصميمها الممل، وجميعها مغطاة دائماً بأشكالٍ هندسية مستوحاة من العمارة الإسلامية.

أما الكُتّاب الذين يتخطون الخطوط الرقابية يبيعون كتبهم من صناديق سياراتهم ويتم عرض الأفلام الفنية المنزلية سراً.

من الصعب شرح العوامل الكامنة وراء هذا التغيير من الليبرالية إلى المحافظة. ومع ذلك، يمكن اعتبار العديد من التطورات محورية، بادئ ذي بدء، تغيرت التركيبة السكانية عندما تم تجنيس مجموعات كبيرة من البدو من المملكة العربية السعودية في الثمانينيات، حاملين معهم نظرةً أكثر تقليدية ومحافظة. واليوم، لا تقوم المدارس الحكومية بتدريس الفن أو الأدب.

بالإضافة إلى ذلك، وفقاً للكثير من الكويتيين، أصبح الشيخ جابر الأحمد الصباح، أمير الكويت في عام 1985، متديّناً بشكلٍ متزايد بعد محاولة اغتيالٍ فاشلة قامت بها مجموعة يعتقد أنها مرتبطة بإيران. يُزعم أنه بدأ في تسهيل تحركات جماعة الإخوان المسلمين الإسلامية، التي لم يكن لها حتى الآن الكثير من موطىء قدمٍ في الكويت. كما لعب الغزو العراقي في عام 1990 دوراً في ذلك لأنه تم إخبار العديد من الكويتيين – والذين بدورهم بدأوا يعتقدون بحقيقة ذلك- أن الغزو كان عقاباً على التحرر في البلاد.

في ظل هذه البيئة، هل يملك الفن في الكويت أي مستقبل؟ لطالما كان هناك مجموعة من الفنانين المرنين الذين واصلوا التعبير عن أنفسهم، حتى وإن كان ذلك من صندوق سياراتهم. هناك جيلٌ جديد من المهندسين المعماريين والرسامين وفناني الجرافيتي وما إلى ذلك، والذين برزوا أيضاً وممن هم أقل تقيّداً بالتقاليد أو الدين من سابقيهم. وتستمر مؤسسات مثل منصة الفن المعاصر (كاب) في استضافة معارض رفيعة المستوى.

علاوةً على ذلك، يساهم الطلب من قِبل المستهلكين في دفع حدود الفن “المقبول.” بعبارةٍ أخرى، يُفسح المستهلكون مرةً أخرى المساحة لليبرالية السابقة في الكويت. ومع ذلك، لا يزال هناك شريحة صغيرة، لكنها ذات نفوذ كبير، تقاوم هذا التطور. فقد وصف أحد الكويتيين الوضع بالآتي: “يشبه هذا أن يقوم أحد أفراد الأسرة بإخبار بقية أفراد الأسرة أن هذا غير مسموح به وهذا غير مقبول.”

تتمثل المشكلة في أن قيادة البلاد لا تريد أي مشاكل مع هذا الفرد من الأسرة، وبدعمٍ من جار قوي إلى حدٍ ما. إن الوضع الثقافي الحالي للكويت هو انعكاس لموقعها السياسي (الجغرافي) بدلاً من ما يريد الناس فعلاً رؤيته أو سماعه. ومن المؤكد أن زيادة حرية التعبير في المملكة العربية السعودية تعني نفس الشيء بالنسبة للكويت، على الرغم من أنه ينبغي على الأخيرة قضاء بعض الوقت لاستعادة الروح الفنية التي لا تزال قابعةً تحت السطح. وفي النهاية، يبدو أن الأمر ليس سوى مسألة وقت.

Advertisement
Fanack Water Palestine