أسهم فوز رجل الدين المعتدل حسن روحاني (المولود في العام 1948) في الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي أُجريت في منتصف شهر حزيران/يونيو من العام 2013، في إحراز تقدم ملحوظ في المفاوضات النووية. وتقدم روحاني على عدد من المرشحين المحافظين، ففاز بنسبة 50.7 في المئة من الأصوات حاسماً النتيجة من الدورة الأولى. تمكن روحاني من إقناع الناخبين ببرنامج قائم على سياسات اجتماعية معتدلة وعلى تعزيز الانفتاح وعلى وعود بتحسين الوضع الاقتصادي. ووعد روحاني أيضاً بتطبيع علاقات إيران مع العالم بعد ما شهدته من توتر في ظل حكم خلفه محمود أحمدي نجاد، كشرط أساسي لتحسين الوضع الاقتصادي، وذلك من خلال التوصل إلى حل للنزاع النووي ورفع العقوبات المفروضة على البلاد.
وكرر روحاني وعوده بعد أدائه اليمين الدستورية في 4 آب/أغسطس من العام 2013، وبدأ العمل على تحسين العلاقات مع العالم مبدياً استعداد إيران للمزيد من الشفافية حول برنامجها النووي. وكخطوة أولى، عيّن محمد جواد ظريف، سفير إيران السابق لدى الأمم المتحدة (2002-2007، في عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي)، وزيراً للخارجية. كسفير للأمم المتحدة، ساهم في ما عُرف بـ”الصفقة الكبرى” في العام 2003؛ وهي الخطة الإيرانية لحل المشاكل العالقة بين الولايات المتحدة وإيران. لم تلقَ هذه الخطة صدىً إيجابياً لدى الولايات المتحدة في ذلك الحين، بما أن الحكومة الأميركية في عهد جورج بوش لم تهتم بتطبيع العلاقات مع إيران. كذلك، وخلافاً لم جرت عليه العادة، أوكل روحاني ظريف بالملف النووي بدلاً من المسؤول الرسمي عن المفاوضات النووية.
وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 أيلول/سبتمبر، دعا روحاني إلى مفاوضات فورية تهدف إلى “القضاء على المخاوف” حول البرنامج النووي الإيراني. وأكد الرئيس أمام الحضور على أن “السلام في متناول اليد”، غير أن المشككين وعلى رأسهم الحكومة الإسرائيلية وغالبية أعضاء الكونغرس الأميركي، تابعوا التعبير عن شكوكهم في نوايا روحاني وقدرته على التغيير. وجدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد أسبوع واحد، اتهاماته لإيران بإعداد قنبلة نووية وهو أمر لطالما أنكرته طهران، وهاجم روحاني واصفاً إياه “بالذئب في ثوب حمل، ذئب يعتقد أنه قادر على تضليل المجتمع الدولي”.
مع ذلك، شدد الرئيس الأميركي باراك أوباما، في خطابه في 24 أيلول/سبتمبر، على نيته بالتوصل إلى حل دبلوماسي للملف النووي الإيراني من خلال إرغام إيران، عن طريق التفاوض، على تقديم ضمانات على عدم قيامها بإعداد قنبلة نووية. لم يتم الاجتماع المتوقع في نيو يورك بين أوباما وروحاني- وذلك ربما لأن الجانب الإيراني بدّل رأيه في اللحظة الأخيرة- غير أن الرئيسين أجريا محادثة هاتفية، في سابقة هي الأولى من نوعها بين الولايات المتحدة وإيران.
وفي سابقة أخرى، شارك كل من ظريف ووزير الخارجية الأميركية، جون كيري، في 27 أيلول/سبتمبر، في اجتماع رفيع المستوى في نيويورك بين إيران ومجموعة 5+1 (التي تضم الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا)، جرى فيه التفاوض مع إيران بشأن برنامجها النووي، بقيادة كاثرين أشتون، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي. والملفت أن ممثلا الدولتين تصافحا وعبرا عن تفاؤل حذر بعد الاجتماع؛ فأعرب كيري عن ارتياحه لـ”التغيير في اللهجة” أما ظريف فآثر التعميم واصفاً المحادثات “بالبناءة للغاية والموحية بالأمل”.
وتماماً كما جوبه موقف الحكومة الأميركية بالمقاومة من قبل حليفتها الأساسية إسرائيل وغالبية أعضاء الكونغرس، جوبهت الحكومة الإيرانية بمعارضة داخلية شرسة لسياساتها من المجموعات المحافظة، وعلى رأسها الحرس الثوري والبرلمان. غير أنّ روحاني، ومنذ بداية عهده، اعتمد على دعم المرشد الأعلى لجمهورية إيران الذي أعرب في خطابه بمناسبة قسم الرئيس الجديد اليمين الدستورية في آب/أغسطس، عن دعمه “للمواضيع التي تناولها الرئيس الجديد حول توخي الحكمة والمنطق في السياسة الخارجية للبلاد”، وأضاف قائلاً، “بالطبع لدينا أعداء ممن لا يقود المنطق معهم إلى أي نتيجة إلا أنه، ونظراً إلى الأهداف السامية للجمهورية الإسلامية، يتعين علينا العمل بجد على بلوغ هذه الأهداف”.
ويتعارض ذلك مع موقف المرشد الأعلى من الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي الذي وُوجهت سياساته بالرفض منذ البداية من قبل المرشد الأعلى، وذلك يعود جزئياً إلى كون انتخابه قد شكل مفاجأة للمحافظين المتمتعين بنفوذ قوي والذين يتزعمهم آية الله علي خامنئي، بعد أن عقدوا الآمال على وصول مرشحهم، رئيس البرلمان ناطق نوري، إلى سدة الرئاسة. أما هذه المرة، فقد وافق المرشد الأعلى على انتخاب روحاني مسبقاً، فلم يضغط على المرشحين المحافظين للانسحاب، فزاد فرص فوز مرشح واحد مقابل أربعة مرشحين محافظين انقسمت أصوات الناخبين بينهم. ومما لا شك فيه أن روحاني، وعلى الرغم من كونه أكثر اعتدالاً من خصومه الأربعة ومن تسلمه مناصب رفيعة في عهد الرئيس خاتمي، هو عضو موثوق في النظام السياسي الإسلامي للجمهورية الإيرانية.
وبعد سلسلة من الاجتماعات التحضيرية الناجحة إلى حد ما، توصلت إيران ومجموعة 5+1 إلى اتفاق مؤقت (لستة أشهر) في جنيف في 24 تشرين الثاني/نوفمبر، عُرف رسمياً بخطة العمل المشتركة. قضى هذا الاتفاق بتجميد إيران بعضاً من أنشطتها النووية مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها. والملفت في هذا السياق، هو الموافقة الضمنية لمجموعة الدول 5+1 على أنشطة تخصيب اليورانيوم الإيرانية، بعد أن كانت قد رفضتها لوقت طويل؛ فقد بدا للجميع أن التوصل إلى اتفاق مستحيل في حال حُظرت أنشطة التخصيب نهائياً. وشددت إيران على “حقها المطلق” بتخصيب اليورانيوم بحسب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي وقعتها طهران. ومقابل تخفيف العقوبات، وافقت إيران على عدم التخصيب بنسبة تتعدى 5 في المئة وعلى تخفيف مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة تتعدى 5 في المئة، إلى ما دون ذلك، أو تحويله إلى ثاني أكسيد اليورانيوم. ومن بين الشروط العديدة الأخرى التي وافقت عليها إيران، خضوع أنشطتها النووية لرقابة أكثر تشدداً من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وانتقدت الحكومة الإسرائيلية وأعضاء الكونغرس الأميركي بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية الاتفاق على اعتباره متساهلاً واستمروا في المطالبة بالحظر التام للأنشطة الإيرانية، أي بالوقف التام للبرنامج النووي الإيراني.
دخل الاتفاق حيز التنفيذ في 20 كانون الثاني 2014. وصعد آية الله علي خامنئي انتقاداته للغرب، وللولايات المتحدة بشكل خاص، فقال في الخطاب الذي ألقاه في 9 شباط/فبراير من العام 2014، في ذكرى انتصار الثورة الإسلامية، إن الولايات المتحدة كانت على الدوام على عداء مع إيران، بما أن واشنطن سعت دوماً إلى تغيير النظام في طهران؛ إلا أن خامنئي واصل قمع نقاد سياسات روحاني؛ فنشر على موقعه الإلكتروني “لم تمر سوى أشهر قليلة على تولي الحكومة مقاليد الحكم. يجب منح السلطات الفرصة للتقدم بقوة ويتعين على النقاد أن يظهروا تسامحاً تجاه الحكومة.” غير أن الأصوات المعارضة استمرت في نقد روحاني؛ ففي منتصف شهر آذار/مارس واجه المحافظون لقاء كاثرين أشتون ناشطين في مجال حقوق الإنسان في زيارتها إلى إيران بنقد شرس، ما اضطر وزير الخارجية ظريف إلى إلغاء عشاء عمل مع أشتون في 16 آذار/مارس؛ قبل انطلاق جولة المفاوضات النووية الجديدة في فيينا.
بعد المفاوضات في فيينا، بين 17 و19 آذار/مارس، عبر كل من ظريف وأشتون عن تفاؤلهما بالتوصل إلى اتفاق دائم قبل 20 تموز/يوليو 2014.