وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

فلسطين جديدة يرسمها الإعلام الجديد في أحداث الشيخ جراح

الإعلام الجديد الشيخ جراح
صورة تم التقاطها يوم ١٨ مايو ٢٠٢١ لمتظاهرين تواجدوا في المناطق المجاورة لمصنع شركة فورد موتورز في ديربورن بولاية ميشيغان الأمريكية، وهي المدينة التي كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يجري زيارة لها، وذلك للاحتجاج على دعم بايدن المتواصل لإدارة بنيامين نتنياهو والأعمال العسكرية الإسرائيلية المتواصلة في غزة، والتهجير القسري للعائلات الفلسطينية من منطقة الشيخ جراح في القدس الشرقية. المصدر: SETH HERALD / AFP.

نور عبّاس

“موت واحد هو مأساة، مليون ضحية هي إحصائية”

لعبت وسائل الإعلام الجديدة دورًا حاسمًا في توجيه دفةِ الرؤية العالمية لأحداث الشيخ جراح الأخيرة، فكان للصور ومقاطع الفيديو المؤثرة التي قام النشطاء بتداولها على مواقع التواصل الاجتماعي أثرٌ على تغيير مواقف الكثيرين اتجاه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.

وقد تكون ابتسامة عازفة الكونترباص الفلسطينية مريم العفيفي في لحظة اعتقالها أحد أبرز أحداث الشيخ جراح، خصوصًا بعد الفيديو الذي تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن نقاشها وهي ما تزال مكبلةً أرضًا مع أحد أفراد الشرطة الاسرائيلية حول مشروعية ما يقوم به.

تزامنت ابتسامة مريم في ظهورها الإعلامي مع صورٍ لفلسطينيين يبتسمون في لحظة اعتقالهم، ولفيديوهات أخرى توثق حواراتٍ تدور بين الفلسطينيين والمستوطنين عن أحقية ملكية الشيخ الجراح، يبدو فيها الطرف الاسرائيلي واعيًا لعدم أحقيته، إلا أنه سيأخذ بيتًا في الحي على أي حال.

كل تلك التوثيقات أوقعت إسرائيل في مأزق “الضحية المُحددة” وهو مصطلحٌ يطلق في علم النفس على التأثير الذي تحدثه صورةٌ لضحية تم التعرف عليها أو على جزء من حياتها ثم بثت نحو الرأي العام، حيث يبدأ العامة اعتبار الضحية المحددة، مجموعةً بحد ذاتها، ولا يمكن توقع مدى أو نتائج التعاطف مع هذه الضحية، وكنا في السنوات الأخيرة قد شهدنا ضحايا محددين أثاروا الرأي العام العالمي كبوعزيزي عربيًا في تونس، وجورج فلويد في الولايات المتحدة الأمريكية.

لم تكن الاعتقالات في القدس أمرًا جديدًا، ولم يكن سوء الوضع الاقتصادي في تونس كذلك، ولا يمكن اعتبار العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية أمرًا حدث فقط مع جورج فلويد، إلا أن اقترابنا من وجوه كل هؤلاء الضحايا ومعرفتنا عن مأساتهم هو ما صنع التغيير في الرأي العام العالمي. وقد يكون أبلغ قولٍ في توصيف ما يحدث في حالات الضحايا المحددة أو المُعرّفة، هو ما أقتبسه عن المؤرخ الفرنسي مارك فِرو  “إننا غالبًا ما نخفق حتى بإبصار الواقع”.

لم يكن للتعاطف العربي الوجداني مع ضحايا الشيخ جراح، إلا أن يلقى صداه العالمي لدى مختلف الشعوب، لينكروا ما تقترفه الحكومة الإسرائيلية بحق أهل هذ الحي. ولم يكن لهذا الصدى أن يصل لولا حركة الترجمة والنقل والتوثيق التي قام بها الناشطون العرب بمختلف ايديولوجياتهم وجنسياتهم، فقد تجاوزت القضية جدران الدين والعرق، وباتت إنسانية محضة، نشرها النشطاء على الرغم من تضيق وسائل التواصل الاجتماعي الخناق عليهم. ورغم أن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، كان دومًا أقل احداثًا للتغير من نظيره الغربي، إلا أن التغير الذي طرأ على مواقف الكثير من المؤثرين والفنانين في العالم رسم داعمًا للنشطاء للاستمرار بتداول الوسوم والصور والفيديوهات عن الشيخ جراح.

كل هذا جعل من الفلسطينيين ضحايا في الرأي العام، لا احصائيات فحسب..

غالبًا ما تسعى الدول لامتلاك قوة إلكترونية، بقدر ما تسعى لشراء الأسلحة والطائرات الحربية الحديثة. وفي تقرير أصدره Dr Daniel T. Kuehl، عن جامعة الدفاع الوطني في الولايات المتحدة الأمريكية، عرف القوة الالكترونية على أنها القدرة على استخدام الإنترنت لخلق مزايا، والتأثير على الأحداث في البيئات التشغيلية كافة. وقد امتلك الناشطون والمحتجون هذه القوة وإن كانت غير منظمة. ولهذا فلم تستطع اسرائيلُ الظهور في محرك البحث كملاكٍ ذي جناحين، خصوصًا في الغرب، فقد نشر الناشطون مقالات وصورًا عن وحشية الجيش الاسرائيلي، يعود بعضها لأكثر من أربعين سنة. كما أنهم نشروا إحصائيات تفيدُ بأنّ اسرائيل قتلت مئة ألف فلسطيني حتى العام 2019 ، أي ما يتجاوز الألف ضحية سنويًا. ولأن الوصول إلى هذه المعلومات وغيرها بات سهلًا جدًا في عصر الفائض المعرفي، فقد أصبح من السهل معرفة أن عدد الضحايا الفلسطينيين أعلى بما لا يقاس بما عليه الحال في إسرائيل. هذا الوقع يرسم الرغبة في التعايش السلمي الذي تدعيه اسرائيل ككذبةٍ لا يمكن أن تمد للواقع بصلة أمام أعداد الضحايا المنشورة.

 

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.