وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تحليل لقرار مجلس الأمن رقم 1325

اجتماع نساء ليبيات
رد فعل نساء ليبيات أثناء اجتماعهنّ مع عاملين في مؤسسات خيرية في طرابلس خلال تجمع للنازحين من المناطق المعرضة للاشتباكات مع الميليشيات جنوب العاصمة. Photo: Mahmud TURKIA / AFP

بقلم البروفيسور غاليا غولان

دعا قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1325، الذي صدر في عام 2001، (وصُمم لتشجيع) البلدان على إشراك النساء في عملية صنع القرارات فيما يتعلق بالحرب والسلام والأمن. استند الطلب على ثلاثة مبادىء، أولها مبدأ المساواة، كحقٍ مكرس في الديمقراطية، إذ يجب إشراك المرأة لمجرد أنها جزءٌ كبير من المواطنين، وبالتالي، لها الحق في المشاركة في عملية صنع مثل هذه القرارات المهمة. المبدأ الثاني هو أن النساء هنّ الضحايا الرئيسيات للحرب، وبالتالي، يجب أن يكون لهنّ رأي في القرارات التي سيكون لها بالفعل تأثيرٌ كبير عليهنّ. المبدأ الثالث هو أن النساء يُضفنّ تفرداً على طاولة المفاوضات.

من الصعب الطعن في حجة الحقوق في المجتمع الحديث، بل في واقع الأمر، إن قرارات الأمم المتحدة والمؤتمرات النسائية الدولية التي ترعاها الأمم المتحدة، وخاصة مؤتمر عام 1995 في بكين، كانت تدافع عن حقوق المرأة. وعادةً ما يشيرون إلى النساء على أنهنّ يشكلنّ على الأقل نصف، إن لم يكن أكثر، من سكان العالم، وبالتالي، فإنهن يستحقنّ إبداء الرأي.

وفي حين أن هناك دولاً اعترضت على ذلك، غالباً بسبب العادات أو المعتقدات الدينية، ظل مبدأ الحقوق مبدءاً من الصعب رفضه. فقد شكّل هذا أساس عمل صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة (يونيفَم)، الذي أصبح فيما بعد هيئة الأمم المتحدة للمرأة، على مر السنين. كما أن المبدأ الثاني، وهو اعتبار النساء ضحايا وحقيقة أن المدنيين، بمن فيهم النساء، يتأثرنّ بشكلٍ مباشر بالحرب الحديثة، أمرٌ لا جدال فيه. فمنذ الحرب العالمية الأولى، زادت الخسائر في صفوف المدنيين، بل تجاوزت في بعض الحالات أعداد القتلى من المقاتلين بالزي الرسمي.

في الواقع، أصبحت الوفيات بين المدنيين ونزوحهم إحدى خصائص ما يسمى بالحروب الجديدة في النصف الثاني من القرن العشرين وما بعده. علاوةً على ذلك، أصبح المدنيون، بمن فيهم النساء، أكبر مجموعة منفردة من ضحايا الحرب، وشهد عدد النساء اللواتي قُتلن أو أصيبنّ أو تعرضنّ للانتهاكات في الحروب الحديثة زيادةً بمرور الوقت. بالتأكيد، لهذا السبب وحده، يجب أن يكون للمرأة رأي في القرارات التي تحمل في طياتها خطراً عليها.

هل النساء أكثر محبةً للسلام؟

لم يتم الطعن في هذين المبدأين أو التبريرين الأولين، لكن المبدأ الثالث ما يزال محل نزاع. بادىء ذي بدء، يبدو أن الحجة القائلة بأن النساء يجلبن شيئاً فريداً إلى الطاولة يعني أن النساء أكثر حباً للسلام من الرجال، سواء بسبب طبيعتهنّ الحنونة الفطرية أو بيولوجياً أو بسبب بعض السمات الأخرى. بل إن هناك بالفعل دراساتٌ أظهرت أن النساء في بعض الأماكن والظروف يفضلنّ التفاوض على العنف، والسلام على الحرب. على سبيل المثال، عارضت النساء الأميركيات حرب فيتنام أكثر من الرجال، وعارضت النساء البريطانيات عقوبة الإعدام أكثر من الرجال. لكن البحث بعيدٌ كل البعد عن الثبات التام، ففي الواقع، ولأسبابٍ مختلفة، أظهرت النساء الإسرائيليات اللائي استطلعت آراؤهن ميشال شامير في عام 2017 مواقف أكثر تشدداً من الرجال الإسرائيليين – وهي حالة شاذة واضحة قد تكون مرتبطة بتجربة النزاع المسلح المستمر.

بالإضافة إلى ذلك، فإن المشكلة الحقيقية مع المبدأ الثالث – أن المرأة ستجلب شيئاً مختلفاً عن الرجل إلى طاولة المفاوضات في ظل فرضية إمتلاكهنّ مواقف أكثر سلمية – تبدو وكأنها نزعةٌ جوهرية. هذا مصطلح مألوفٌ لدى النسويات، والذي يشير إلى حشد جميع النساء في فئةٍ واحدة، بغض النظر عن العرق أو الإثنية أو الطبقة أو العمر أو أي تمييز آخر. في رأيي، هذا هو العيب الرئيسي في القرار رقم 1325. هناك بلا شك بعض النساء اللواتي قد يجلبن موقفاً أكثر اعتدالاً أو رغبةً أكبر في السلام من كثيرٍ من الرجال، ولكن ليس جميعهنّ. فقد وجدت الأبحاث التي أجرتها ميريام أندرسون أنه عندما شاركت النساء في محادثات السلام، وجدت قضايا حقوق المرأة طريقها إلى الاتفاقيات النهائية. وفي حين أن الافتراض هو أن المشاركات من النساء على وعي بقضايا حقوق المرأة وبالتالي يتم تناولها في محادثات السلام والمعاهدة الناتجة، إلا أن هذا الافتراض ما يزال بحاجة إلى إثبات.

فقد وجدت دراسة أجراها المجلس الأمريكي للسياسة الخارجية أن اتفاقيات السلام التي شاركت فيها النساء استمرت لفترةٍ أطول من غيرها. لم يتم تقديم أي تفسيراتٍ محتملة، سواء بيولوجية أو غير ذلك، لكن التفسير قد يكون أن النساء يميلنّ أكثر من الرجال إلى تفضيل نشاط المجتمع المدني على السياسات الحزبية الرسمية (بالنظر إلى العقبات التي تواجهها المرأة في السياسة). ونتيجةً لذلك، قد يكون لدى النساء المزيد من التواصل عبر المجتمعات والفرص التي توفرها القاعدة الشعبية لتعزيز الدعم لاتفاقية السلام.

من الجدير بالذكر أنه في دراسة أجرتها باربرا ف. والتر عام 1997 والتي درست اتفاقات إنهاء النزاع بين عامي 1945 و1990 دون التركيز على النوع الاجتماعي، وجدت أن ضمانات الطرف الثالث كانت العامل الحاسم في إطالة عمر الاتفاقية. حتى دراستي الخاصة لأعضاء الكنيست الإسرائيليين وجدت أن أعضاء الكنيست الذين دافعوا عن قضايا ذات أهمية خاصة للنساء لم يفعلوا ذلك بالضرورة بناءً على نوعهم الاجتماعي وإنما بناءً على أيديولوجيتهم. أدت الأيديولوجية النسوية عندما دافع عنها رجال نسويون مثل دوف حنين أو قبله ديدي زوكر، أو من قِبل الأحزاب السياسية مثل الجبهة الديمقراطية للسلام والمساوة (حداش) أو ميرتس، إلى اهتمامٍ أكبر بحقوق المرأة والقضايا ذات الأهمية الخاصة للمرأة. كانت الأيديولوجيا هي العامل الحاسم، وليس النوع الاجتماعي.

لهذا يمكننا أن نضيف حقيقة واضحة مفادها أنه من بين عددٍ قليل من القيادات النسائية في جميع أنحاء العالم، وكذلك في إسرائيل نفسها، من المرجح أن يجد المرء صقوراً وحمائم: مارغريت تاتشر، وغولدا مئير، وأيليت شاكيد، وغيرهم – أمثلةٌ واضحة. النوع الاجتماعي لا يحدد بالضرورة الموقف.

الحاجة إلى تعريف تفرّد المرأة

هذا لا يعني أن النساء لا يختلفن عن الرجال. في الواقع، في كل طبقة أو مجموعة عرقية أو مجموعة اجتماعية، تختلف فيها تجربة النساء عن تجربة الرجال، إذ تختلف تجربنا اليومية ووجهات نظرنا، كما أشارت الفيلسوفة النسوية سوزان أوكين. برأيي، صحيحٌ أن النساء قد يجلبن شيئاً فريداً إلى الطاولة، بالنظر إلى تجربتنا المختلفة في الحياة، لكن الاختلاف لا يعني بالضرورة المزيد من الحب للسلام؛ حيث تبقى طبيعة هذا الاختلاف قيد الدراسة. علاوةً على ذلك، فإن هناك قيمة تربوية لتعوّد الجمهور على رؤية النساء في دوائر صنع القرار المهمة. ومع ذلك، إذا كنا سنبني مطلب القرار 1325 على المبدأ الثالث، الاختلاف وحده، على أمل أن تخدم القرارات قضية السلام والأمن أكثر من الحرب، يجب أن نسأل: أي نساء؟ من سنحضر إلى الطاولة؟ يمكنني أن أجادل في كثير من الأحيان بأن المرأة النسوية أو، في هذا الصدد، الرجل النسوي سيخدم هذا الغرض بشكلٍ أفضل من المرأة غير النسوية، لكن هذا موضوع آخر بحاجة إلى دليل، على غرار دراستي لأعضاء الكنيست الإسرائيليين حول قضية حقوق المرأة.

وبالتالي، وعلى الرغم من النوايا الحسنة خلفه وقيمة القرار في إبراز قضية حقوق المرأة، بما في ذلك وخاصة فيما يتعلق بصنع القرارات للحرب والسلام، لديّ مشكلة مع القرار 1325. قد لا يساعد أمننا أو قضية السلام إحضار أي امرأة إلى طاولة المفاوضات. وبصرف النظر عن القيمة التعليمية (إذ تعودنا على رؤية النساء هناك)، يجب على المرء أن ينظر إلى القرار 1325 بشكل أكثر نقداً.

الأمن “الناعم” مقابل الأمن “الخشن”

يمكن العثور على جهدٍ آخر للأمم المتحدة لإدخال المرأة في الصورة في تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية لعام 1994، مع تعليقاته المبتكرة حول أهمية “القوة الناعمة.” فقد أوصى التقرير بتوسيع مفهوم الأمن ليشمل عناصر الأمن مثل التنمية، والاستقرار الاقتصادي، والحصول على الغذاء، والصحة، والمأوى وما إلى ذلك. وأوضح كذلك أن هذه هي المجالات التي تشارك فيها النساء عادةً على أساس يومي. وكان الاستنتاج هو أن معنى الأمن، كما تفهمه النساء في جميع أنحاء العالم (بشكل رئيسي في الدول النامية)، هو “الأمن الناعم” الذي يختلف عن أنظمة الأسلحة وما شابهها، والتي تشكل “أمناً خشناً.”

وكحال القرار رقم 1325، كان المقصود من التمييز وإضافة الأمن الناعم إفادة النساء، وإشراكهنّ في المناقشة الأمنية، وإضفاء الشرعية على مساهمات النساء وتقديرها؛ ولكن كحال القرار 1325، ربما كان له جانبٌ سلبي: الخطر المتمثل في حصر دور المرأة في قضايا الأمن الناعم، وبالتالي الاستمرار في استبعادها من قضايا الأمن الخشن. وعليه، فأنا لم أرى أي بحثٍ حول هذه النقطة، لكن الأمن الخشن والرجال (الخبراء الطبيعيون في مجال الأمن الخشن) يواصلون الهيمنة على عالم دراسات الأمن الدولي وأيضاً العالم الحقيقي لصنع القرارات للحرب والأمن. أما القوة الناعمة، المجال الذي تعتبر فيه النساء الفاعلين الرئيسيين، لم تصل بعد إلى العالم الحقيقي عندما يتعلق الأمر بصنع القرارات للحرب والأمن.

لا يعني أي من هذا أو حتى يوحي بأن الاعتراف بعمل المرأة، مع إضافة مفهوم الأمن الناعم، أو الطلب المباشر بإدراج المرأة في القرارات الأمنية وفقاً للقرار 1325، إنجازٌ لا يستحق الاحتفال، لكن سيكون من الحكمة أن يظل المرء على دراية بالمخاطر المحتملة والحاجة إلى تحديد هذه الأفكار الإيجابية على نحوٍ أكبر. كما سيكون من الحكمة أيضاً توفير الأدوات اللازمة لتنفيذها العملي في العالم الحقيقي، في جميع أنحاء العالم. وكحال العديد من قرارات الأمم المتحدة، يُفتقر إلى مثل هذه الأدوات.

عن الكاتبة

البروفيسور غاليا غولان، مُحاضرة في مدرسة لودر للحكومة والدبلوماسية والاستراتيجية، بمركز هرتسليا متعدّد التخصصات، وبالجامعة العبرية في القدس وناشطة سلام منذ فترةٍ طويلة.

ملاحظة
الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

* تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://www.pij.org.