وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عالم عربي وليس وطنا عربيا

أعلام الدول العربية التي شاركت في القمة العربية
أعلام الدول العربية التي شاركت في القمة العربية في الجزائر العاصمة في 19 مارس 2005. المصدر: Joseph BARRAK / AFP

حكيم مرزوقي

واهم من يعتقد أن الشعوب العربية تتبادل نفس الشعور بالانتماء القومي كما يظن بعض الأوروبيين أو حتى الإسرائيليين على وجه الخصوص، باعتبار أن المسألة الفلسطينية قاسم مشترك، يجمع العرب على فكرة الدفاع عن قضية تبدو عادلة، وتوحد الجميع.

هذا الإحساس لا يوجد إلا في المناهج المدرسية والخطاب الإعلامي المعمّم عند إحياء المناسبات المتعلقة بفلسطين، أمّا على الصعيد الفردي والمجتمعي فهناك شرخ كبير بين الواقع والشعارات.

قسمٌ كبير من المجتمعات العربية يمارس ضد بعضه البعض شتى أنواع التفرقة والتمايز إلى حد كبير.

الأمر يتجاوز حدود النكتة ورواية الطرف والملح التي تظهر في المجتمعات الأوروبية، كعلاقة الفرنسي بالبلجيكي أو الألماني أو جاره الإيطالي أو الانكليزي، من حيث السخرية أو الاستعلاء أو التميز، لكنه يذهب أبعد من ذلك في اتجاه التحقير والازدراء.

ويظهر هذا الأمر في التظاهرات الفنية والثقافية، والرياضية التي تبرز فيها العنصرية إلى حد العنف وتبادل الشتائم العنصرية كما حدث بين مصر والجزائر منذ سنوات قليلة.

الأوروبيون استطاعوا أن ينبذوا أحقادهم القديمة بفعل إرادات سياسية وقرارات اقتصادية رغم تاريخهم الحافل بالحروب. وكان اتخاذ القرار بجدوى التسامح والنسيان جديرا بطي صفحة من الخلافات التي لم يريدوا توريثها لأبنائهم.

العرب، ورغم الروابط اللغوية والثقافية والعرقية والدينية، كرسوا الخلافات فيما بينهم رغم أنها غير موجودة أصلا، أو تكاد لا تُذكر أمام حرب دامت 100عام كما هو الشأن بين بريطانيا وفرنسا.

لماذا هذا الإصرار على التمايز وظهور كل قطر بمظهر المتفوق على جاره، على الرغم أن الجميع في الهواء سواء.. هذا أمر يدعو للسؤال والبحث والتمحيص.

قد يتحمل أوروبيو الحقبة الاستعمارية جزءا من المسؤولية وفق اتفاقية سايكس بيكو، التي قسمت العالم العربي إلى أنكلوفونيين وفرونكفونيين.

وقد تتهم سياسات الاستقطاب الثنائي بهذا الأمر، خصوصا أيام الحرب الباردة، لكن الذهنية العربية بطبعها، ميالة إلى التفريق والتمايز داخل الجسم الواحد، بحكم السطوة المالية والسياسية التي أفرزت لديها روح حب الزعامة والتميز.

نظرة خاطفة إلى التاريخ الإسلامي الذي شابته النزاعات حول من يخلف النبي محمد، جديرة بأن تكشف لنا مدى حضور العصبية في المجتمعات العربية.

الجامعة العربية مثلا، وغيرها من مؤسسات العمل العربي المشترك، ليست “جامعة” بل “مفرّقة” وتعلو فيها أصوات الذين يملكون المال على غيرهم من إخوتهم الفقراء.

المسألة هنا لا تتعلق بمعطيات تتمثل في روابط المصير المشترك بل بإرادة تجمع الشعوب، وإن اختلفت ثقافاتها.

لم يتبجح الأوروبي يوما، ويتباهى كونه أوروبيا كما يفعل العرب في التغني بعرويتهم، لكنه آثر العيش داخل كيان اقتصادي واحد، وإن اختلفت السياسات والثقافات واللغات.

ولو كان المجال يتسع في هذه المساحة الضيقة، لتحدثنا عن نماذج للاستعلاء والازدراء بين الجزائري والمغربي، التونسي والمصري، اليمني والسعودي، السوري والأردني.. وهلم جرا من تبادل الشتائم ـ وليس النكات ـ كما يحدث في أوروبا.

الأمر يتعلق بذهنية ترفض العيش والعمل المشتركين، وتذهب نحو التميز بمفهومه الإقصائي والعدواني.

إنه “العالم العربي” بكل ما توحي هذه الكلمة من تنوع، وليس “الوطن العربي” كما يردد الواهمون من مدعي القومية العربية.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles